آيا صوفيا، الكنيسة التي تحوّلت لمسجد ثم متحف ثم عادت مسجداً مرة أخرى. تحيط بها الكثير من الحكايات والروايات والأساطير المسيحية منها والإسلامية على السواء. فمن قائل إنه تهدّم جزء منها يوم ميلاد النبي محمّد، ومن قائلٍ إنّ السيدة مريم العذراء قد بكت فوق أحد جدرانها وقد تسرّبت دموعها داخل عمود من الرخام تاركةً أثراً غائراً في العمود.
وحين تزور إسطنبول ستجد مئات الآثار الجميلة التي تظهر لك في الشارع وأنت تسير وسط الزحام والسيّاح من كل أنحاء العالم، وحين تدخل آيا صوفيا ستجد فيها مشهداً ربما لن تشاهده في أي دولةٍ أخرى، فآيا صوفيا وبعض المساجد الأخرى تنتصب فيها الآثار الإسلامية مع الآثار المسيحية: فسيفساءٌ المسيح والسيدة مريم، موزاييك لرموزٍ مسيحية دينيّة معلّقة على الحوائط، إلى جانب محرابِ الصلاة الإسلامي. فكيف حدث هذا الأمر؟
هل كان العثمانيون متسامحين لهذه الدرجة؟
لمعرفة الإجابة أكثر ذهبنا لموقع Quora الذي يسأل فيه المستخدمون فيجيبهم بعض المتخصصين أو القرّاء، وصادفتنا تلك الإجابات التي سنجملها هنا لعدّة أشخاص مهتمّين بالتاريخ أو متخصصين فيه، كما ننقل لكم مشاهداتنا الخاصة من داخل آيا صوفيا ومسجد آخر هو مسجد Kariye Camii.
في آيا صوفيا حين تدخل من بوابة الإمبراطور ستجد أعلاها فسيفساء مسيحية بديعة الصنع، وحين تتجوّل فيها أكثر ستجد العديد من هذه الآثار البيزنطيّة، وحين تتجوّل داخل قاعتها الرئيسية ستجد لوحاتها الثماني الضخمة تزيّن عواميدها، والتي في كلّ لوحة اسم، بهذا الترتيب: الله، محمد، أبوبكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، الحسين. إلى جانب المحراب وعدة آثار إسلامية أخرى.
في الإجابة على موقع Quora يعتقد كارل نيكولاس أن العثمانيين كانوا متسامحين أكثر مما يتم وصمهم به عادةً في كتب التاريخ الأوروبي، فالوصف المعتاد أنهم عنيفين وغير متقبّلين للآخر.
وبسبب هذا التسامح فحين دخل محمد الفاتح إلى آيا صوفيا وحوّلها لمسجد باعتبارها من ملكيّته الخاصة، احتفظ بالفسيفساء البيزنطيّة، فقط كان على المهندسين ترتيب عملية طَمسَهَا بالجصّ لأنّ التصاوير حرام في الإسلام، وظلّت آيا صوفيا على نفس النمط طيلة قرون حتّى حوِّلت لمتحف عام 1934 فأزيل الجبس من على كل الآثار المسيحيّة، لتتواجد الآثار المسيحية والإسلامية معاً في هذا البناء العجيب.
على أن كارل نيكولاس يزيدنا من المعلومات بأن محمد الفاتح حين وصل القسطنطينية وحولها إلى إسطنبول، حاول تأسيس عاصمةٍ عالميّةٍ ليست حكراً فقط على المسلمين، فقد وطّن في عاصمته اليونانيين المسيحيين وغيرهم من يهود إسبانيا الفارين من محاكم التفتيش المسيحية هناك.
كنيسة شورا أم مسجد؟
حين تتجوّل في إسطنبول في الأحياء القديمة، ستجد متحفاً صغيراً نسبياً اسمه متحف كنيسة شورا البيزنطيّة، في حيّ الفاتح، أحد أجمل الأحياء القديمة في المدينة. وفي الكنيسة ستبهرك الفسيفساء الضخمة المرسومة على كلّ حوائط وأسقف الكنيسة، ولكنّك حين تصل إلى ساحتها ستقف مصدوماً، إذ ستشاهد محراباً في زاوية الكنيسة للصلاة!
بُنيت تلك الكنيسة خارج مدينة القسطنطينية القديمة بالأساس، وغير معروف بالضبط متى بُنيت، واسمها القديم "كنيسة المخلص المقدس للبلاد"، وفي أحد توسُّعات مدينة القسطنطينية انضمّت تلك الكنيسة إليها وأصبحت من ضمن المدينة.
عندما فتحت القسطنطينية عام 1453 حوّل السلطان آيا صوفيا إلى مسجد بعدما أصبحت ملكاً شخصياً له وليست ملكاً للدولة، باعتبارها تنتمي لمؤسسة فاتح سلطان محمد الوقفيّة.
وبعد حوالي 50 سنة من فتح القسطنطينية أمر الصدر الأعظم عتيق علي باشا، وهو وزير السلطان بايزيد الثاني بن محمد الفاتح، بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وتمت تغطية الفسيفساء البيزنطية بالجصّ، واستمرّ مسجداً حتّى عام 1945 عندما قام باحثان أمريكيان من المعهد البيزنطي الأمريكي برعاية برنامج ترميم للمكان، وافتتح متحفاً للجمهور عام 1958.
وفي العام الماضي سمح مجلس الدولة التركي بتحويل كنيسة شورا إلى مسجد باعتباره ينتمي لوقفيّة السلطان محمد الفاتح.