تداول الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الأتراك والمسلمين من كل بقاع العالم، الجمعة 10 يوليو/تموز 2020، مقاطع مصورة توثق لأول أذان يتم رفعه في "آيا صوفيا"، بعد أن تم تحويله من متحف إلى مسجد.
وفق عدد من الصور والمقاطع المتداولة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، تجمهر عشرات من الأشخاص أمام هذه التحفة المعمارية؛ من أجل توثيق لحظة تاريخية، تمثلت في رفع الأذان فيها بعد أن أصبحت مسجدا، وليس متحفا.
قرار تحويل هذا المتحف إلى مسجد جاء بعد أن قدمت منظمات عدة، مطالب بإبطال قرار حكومي صدر عام 1934، أعطى للموقع صفة متحف، وهو الأمر الذي وافق عليه مجلس الدولة التركي، وفق ما أوردته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.
مع العلم أن النظر في هذه القضية من طرف مجلس الدولة التركي، بدأ في 2 من يوليو/تموز، قبل أن يصدر القرار الجمعة.
ماذا حدث؟
كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد اقترح إعادة تحويل المَعلم التاريخي إلى مسجد، وذلك في تصريح له في مارس/آذار 2019، قال فيه إن بلاده "تُخطط لإعادة آيا صوفيا إلى أصله وتسميته مسجداً"، كما كان عليه وضع البناء لمئات السنين.
والنشاط الإسلامي داخل متحف آيا صوفيا كان قد تزايد بإسطنبول في السنوات الأخيرة، في عهد أردوغان، بحيث تتم داخله تلاوة القرآن في بعض المناسبات. وفي 31 مايو/أيار 2014، نظمت جمعية تسمى "شباب الأناضول" فعالية لصلاة الفجر في ساحة المسجد تحت شعار "أحضِر سجادتك وتعالَ"، وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وبعد قرابة 85 عاماً من الانقطاع، عاد الأذان مجدداً من داخل متحف آيا صوفيا بإسطنبول في فجر ليلة القدر، خلال برنامج استثنائي نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية في عام 2016، كما أقدمت السلطات على السماح برفع الأذان من مآذن المتحف في بعض المناسبات الخاصة، خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلا أن ذلك كان يتم من غرفة خاصة للمؤذن في ساحة المتحف.
وبعد أخذ ورد، ها هي المحكمة التركية تعلن رفض قانونية تحويل المبنى إلى متحف في عام 1934 بالسنوات الأولى لقيام الدولة العلمانية التركية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، وفي ذلك العام تم تحويل البناء إلى متحف بعد أن كان مسجداً.
ما قصة آيا صوفيا التاريخية؟
يُعد متحف "آيا صوفيا" من مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، كما أنه ارتبط بالإمبراطورية البيزنطية المسيحية والإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وهو اليوم أحد أكثر المعالم الأثرية التي يقبل الناس على زيارتها في تركيا.
بُنيت كنيسة آيا صوفيا في القرن السادس بعهد الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، وكانت مقراً لبطريركية القسطنطينية، الاسم السابق لإسطنبول. وعندما غزت القوات العثمانية المدينة في 1453، أمر السلطان محمد الفاتح بتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وبُنيت المآذن الإسلامية حول قبتها البيزنطية.
وبقيت آيا صوفيا مسجداً إلى ما بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وفي منتصف الثلاثينيات أمرت السلطات التركية الجديدة في عهد مؤسسها العلماني أتاتورك بتحويل المسجد إلى متحف مفتوح للجميع.
ويعتبر مبنى آيا صوفيا صرحاً فنياً ومعمارياً فريداً من نوعه، وهو موجود في إسطنبول بمنطقة السلطان أحمد بالقرب من جامع السلطان أحمد. ومسجد آيا صوفيا كان من قبلُ كنيسة ضخمة بناها جستنيان الأول البيزنطي سنة 537، وقد سقطت قُبتها عدة مرات، وآخر مرة أُعيد بناؤها سنة 1346، وقد أُجريت عدة تقويات وترميمات للمبنى في العهد العثماني.
وكان مبنى آيا صوفيا في إسطنبول على مدار 916 عاماً كاتدرائية، ولمدة 481 عاماً مسجداً، ومنذ عام 1935 أصبح متحفاً، وهو من أهم التحف المعمارية في تاريخ الشرق الأوسط. وقد غيَّر السلطان محمد الفاتح المبنى ليكون مسجداً، وأضاف إليه منارة، ثم أضيفت إليه منارة أخرى زمن السلطان بايزيد الثاني، إلى أن قام بتحويله كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية، إلى متحف سنة 1934.
كيف تحولت قضية آيا صوفيا لمعركة سياسية داخلية؟
في العام 2008، كانت جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة التركية قد رفعت دعوى أمام مجلس الدولة ضد قرار مجلس الوزراء عام 1934، الذي قضى بتحويل "آيا صوفيا" من مسجد إلى متحف، لتفتح جدالاً محلياً ودولياً حول وظيفة الصرح الديني. وبعدما رُفضت الدعوى، قدمت الجمعية التماساً من جديد إلى المحكمة الدستورية عام 2015، أشارت فيه إلى أنَّ رفض إعادة "آيا صوفيا" للعبادة يعد انتهاكاً لحرية الأديان.
ولقي الحديث عن بدء اتخاذ إجراءات عودة الحياة لآيا صوفيا دعماً كبيراً من جانب الرأي العام التركي، خصوصاً الإسلاميين الذين عملوا طويلاً لأجل كسب هذه القضية، في حين كشفت قضية آيا صوفيا عن تباين بمواقف الأحزاب التركية، إذ دعم كل من أحزاب: "السعادة"، و"الرفاه الجديد"، و"الاتحاد الكبير" تلك الخطوة من جانب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحليفه "الحركة القومية"، الذي أكد رئيسه دولت بهشلي أن "صوت الأذان هو الذي سيرتفع في آيا صوفيا وليس صوت الأجراس"، في رده على الاعتراضات الأوروبية تجاه تلك الخطوة.
في حين رأت أحزاب "الشعب الجمهوري" و"الجيد" و"المستقبل" في ذلك مناورةً غير محسوبة العواقب من جانب "العدالة والتنمية"، لتعويض ما خسره في الانتخابات البلدية من أصوات، محذرين من "خطورة التلاعب بمشاعر المواطنين وتوظيف الدين في السياسة".