يقبع في السجن حالياً أبرز معارض سياسي لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو جوهر محمد غول الإعلامي الشاب الذي أصبح رمزاً لقومية الأورومو، فما قصة ذلك الشاب الذي يبلغ 34 عاماً فقط، لكنه كان أيقونة وصول آبي أحمد لقمة السلطة ويمثل الآن التهديد الأكبر على الفائز بجائزة نوبل للسلام؟
نشرت شبكة BBC البريطانية تقريراً بعنوان: "جوهر محمد: القطب الإعلامي الذي يتحدى الرئيس الإثيوبي"، تناول ما يمكن وصفها بقصة "الإخوة الأعداء" في كواليس السياسة الإثيوبية.
صراع أبناء الأورومو
بعد التحذير الذي وجَّهه لآبي أحمد بأنه يتحول إلى "حاكم غير شرعي"، أصبح جوهر محمد أبرز سياسي معارض يُسجَن منذ وصول آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل، إلى رئاسة الوزارة في أبريل/نيسان 2018.
وينحدر كل من آبي أحمد وجوهر من أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا (الأورومو)، لكنهما اختلفا اختلافاً حاداً حول الاتجاه المستقبلي لإثيوبيا منذ تولي آبي أحمد السلطة عام 2018، مع وعد بإضفاء الطابع الديمقراطي على الأمة المنقسمة عرقياً وتوحيدها بعد عقود من الحكم الاستبدادي.
واعتبر مؤيدو الحكومة الإثيوبية أنَّ اعتقال جوهر كان ضرورياً للمساعدة في قمع القومية العرقية والعنف الذي يتهمون جوهر بالتحريض عليه لعرقلة تنفيذ رؤية رئيس الوزراء عن "التآزر"، التي تهدف إلى تشكيل شعور جديد بالوحدة الوطنية في البلاد التي تضم أكثر من 100 مليون مواطن.
أما بالنسبة لداعمي جوهر، فيرون أنَّ اعتقاله يبرهن على أنَّ رئيس الوزراء أصبح غير متسامح مع الرؤية البديلة للمعارض البالغ من العمر 34 عاماً، التي تدور حول الدولة الفيدرالية التي تمنح الحكم الذاتي لجماعة الأورومو والجماعات العرقية الأخرى في المناطق التي تشكل فيها الأغلبية.
"أنا أوروميّ أولاً"
وُلِد جوهر في عام 1986 لأب مسلم وأُم مسيحية أرثوذكسية، وأكد نزعته القومية للأورومو في مقابلة عام 2013 مع قناة الجزيرة المملوكة لقطر.
وقال جوهر في المقابلة: "أنا أورومي أولاً"، ثم أعلن بعد نفيه إلى الولايات المتحدة أنَّ إثيوبيا فُرِضَت عليه.
وأثارت تعليقاته ما وصفه أوول آلو، المحاضر في القانون بجامعة كيلي، في ذلك الوقت بأنه "تسونامي سياسي"، انقسم إلى فريق يدعمه بشغف وآخر ينتقده بشدة في نقاش شديد الاستقطاب اجتاح إثيوبيا والشتات الإثيوبي في الخارج.
وبعدها تحولت عبارة "أنا أوروميّ أولاً" إلى حركة سياسية، وسافر جوهر في أنحاء الولايات المتحدة لحشد الشتات الإثيوبي لمعارضة النظام الحاكم داخل موطنهم والظفر بـ"حرياتهم".
تكللت الحملة بإطلاق محطة تلفزيونية فضائية في أواخر عام 2013، إلى جانب حسابات على الشبكات الاجتماعية تحت شعار شبكة أوروميا الإعلامية (OMN).
وخلال الإطلاق، قال جوهر: "حررنا الآن موجات البث من أجل الأورومو، وسنحرر الأرض في السنوات القادمة".
وبصفته الرئيس التنفيذي لشبكة أوروميا الإعلامية في ذلك الوقت، حولها جوهر إلى صوت قوي للشباب، الذين أطلق عليهم اسم "Qeerroo" -وتعني حرفياً "الشاب غير المتزوج"- وهو مصطلح انتشر لأول مرة في التسعينات على يد جبهة تحرير الأورومو المتمردة (OLF) -التي كانت محظورة آنذاك- في محاولة لجذب المجندين.
وردّد جوهر كثيراً: "وُلِدت في خضم صراع الأورومو"، مستذكراً أنه تعرف على القمع الذي تعانيه جماعة "الأورومو" تحت حكم الأباطرة والديكتاتوريين على حد سواء.
وعلى الرغم من أنَّ الأورومو أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، كان آبي أحمد أول من شغل منصب رئيس وزراء إثيوبيا من هذه الجماعة، بينما في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي، كانت لغتهم ودينهم محظورَين.
خطأ استراتيجي
واصل جوهر حشد عدد كبير من الأورومو في الشتات لدعم "النضال" في الوطن، وهي المساعي التي اكتسبت زخماً بعد اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في عام 2015، التي دفعت رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك هايلي مريام ديسالين إلى الاستقالة بعدها بثلاث سنوات.
عندما ظهر آبي أحمد لأول مرة على أنه خليفة محتمل لديسالين، حذَّر جوهر من أنَّ تعيين آبي أحمد رئيساً للوزراء سيكون "خطأ استراتيجياً"، وأعلن تفضيله وزير الدفاع ليما ميغيرسا، الذي شعر جوهر بأنَّ رؤيته السياسية أقرب إلى رؤيته.
لكن بمجرد أنَّ أصبح آبي لأحمد أول أورومو يصل إلى رئاسة الوزراء على الإطلاق، دعمه جوهر، خاصة بعد أن شرع في سلسلة من الإصلاحات التي شهدت رفع الحظر عن جماعات المعارضة، وإطلاق سراح الآلاف من السجناء السياسيين، وإسقاط التهم المتعلقة بالإرهاب عن المنفيين، بما في ذلك جوهر، الذي عاد بعد ذلك إلى موطنه لإنشاء مقر شبكة أوروميا الإعلامية في أديس أبابا لتكون صوتلً للـ"Qeerroo".
ومع ذلك، لم يستمر دعم جوهر لآبي لأحمد طويلاً، إذ أكد أنَّ الحكم الذاتي هو مفتاح الاستقرار والتنمية الاقتصادية لجميع الجماعات العرقية؛ مما يضعه في مسار تصادم مع رئيس الوزراء.
وبالنسبة لأتباع جوهر، فإنَّ اعتقاله في الأسبوع الماضي بتهمة قتل ضابط خلال الاحتجاجات، هو دليل آخر على أنَّ آبي لأحمد خان آمالهم، خاصة أنَّ اعتقاله جاء بعد الانتخابات التي طال انتظارها المقرر إجراؤها الشهر المقبل، والتي أُجِّلَت إلى أجل غير مسمى. وأشار مسؤولو الانتخابات إلى أنَّ تفشي فيروس كورونا المستجد هو سبب التأجيل.
وكان آبي أحمد يعتزم خوض الانتخابات تحت راية حزب الازدهار الذي شكَّله العام الماضي من خلال جمع 8 أحزاب ذات أساس عرقي خلف رؤيته القائمة على تنمية "التآزر".
وعلى الجانب الآخر، انضم جوهر إلى حزب الأورومو الفيدرالي المعارض، واستقال من منصبه رئيساً تنفيذياً لشبكة أوروميا الإعلامية.
وكان حزب الأورومو الفيدرالي المعارض يخطط لتشكيل تحالف مع جبهة تحرير الأورومو وحزب الأورومو الوطني للتنافس في الانتخابات بما كان متوقعاً أن تكون ورقة عرقية قومية قوية؛ مما يهدد بفقدان آبي أحمد الدعم الذي يحظى به في منطقة أوروميا.
وعقب تأجيل الانتخابات، حذَّر "جوهر" آبي أحمد من أنه سيصبح رئيس وزراء "غير شرعي" بمجرد انتهاء فترة البرلمان الحالي في نهاية سبتمبر/أيلول.
إلى جانب ذلك، داهمت الشرطة مكاتب شبكة أوروميا الإعلامية في أديس أبابا الأسبوع الماضي؛ مما أجبر محطتها التلفزيونية على اللجوء للبث من الولايات المتحدة مرة أخرى.
ولن يتضح ما إذا بإمكان آبي أحمد استعادة المبادرة السياسية، أو ما إذا كان اعتقال جوهر محمد يحفز شبكة أوروميا الإعلامية أو مجموعة "Qeerroo" لتصعيد المعارضة ضد آبي أحمد، إلا في الأشهر المقبلة؛ مما يترك الكثير من الإثيوبيين قلقين بشأن المستقبل.