تراجعت التغطية الإعلامية لوباء كورونا منذ أصبح واضحاً أن الحظر والإغلاق وإجراءات التباعد تكلفتها لا تطاق بالنسبة للدول والأفراد، لكن تظل حقيقة أن الفيروس موجود وينتشر بشكل أسرع كثيراً منذ بدء العودة التدريجية للحياة الطبيعية، وربما يكون السبب هو ما توصل إليه 239 عالماً من 32 دولة حول العالم بشأن انتقال الفيروس عبر الهواء، فما القصة؟
ارتفاع قياسي في الإصابات
بداية سجلت أعداد الإصابات بكوفيد-19 أو فيروس كورونا أو وباء كورونا أياً كان الاسم أكثر من 11 مليوناً و586 ألف شخص حول العالم اليوم الإثنين 6 يوليو/تموز، وتخطت أعداد الوفيات 537 ألفاً، بينما تخطت أعداد من أصيبوا بالعدوى وشفيوا منها أكثر من 6 ملايين و553 ألفاً، وذلك بحسب موقع وورلدميترز كورونا، الذي يرصد الأعداد لحظة بلحظة حول العالم، من خلال الأرقام الرسمية التي تصدرها الهيئات الصحية.
واللافت أن أرقام الإصابات المسجلة عالمياً قد شهدت ارتفاعات قياسية منذ بدايات يونيو/حزيران الماضي تزامناً مع بدء دول العالم رفع إجراءات العزل الصحي وإغلاق النشاط الاقتصادي التي كانت قد طبقتها منذ منتصف مارس/آذار الماضي تقريباً (بعد 4 أيام من إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا وباءً عالمياً)، ومنذ بداية يوليو/تموز قفزت الأرقام بصورة قياسية، حيث تم تسجيل أكثر من 210 آلاف إصابة خلال يوم واحد هو الجمعة الماضية 3 يوليو/تموز.
والمؤشر الإيجابي هنا هو التراجع في حالات الوفيات والارتفاع في نسبة الشفاء، حيث شهدت حالات الوفاة اليومية أعلى معدلاتها خلال شهر أبريل/نيسان وبدأت في النزول تدريجياً خلال مايو/أيار ويونيو/حزيران، وهو ما يرجعه كثير من خبراء الأوبئة إلى توفر مزيد من المعلومات حول فيروس كورونا، مما وفر قاعدة بيانات جيدة تفيد الأطباء والأطقم الطبية في التعامل مع حالات الإصابة بدرجاتها المتنوعة بصورة أكثر نجاحاً.
الانتقال عبر الهواء
أول أمس السبت 5 يوليو/تموز، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً بعنوان "239 عالماً وادعاء واحد كبير: فيروس كورونا ينتقل عبر الهواء"، نقلت فيه عن خبراء الأوبئة الذين ينتمون لـ 32 دولة دراسة خلصت إلى تلك النتيجة (الفيروس ينتقل عبر الهواء) وجهوها لمنظمة الصحة العالمية، مطالبين إياها بمراجعة إجراءات الوقاية التي تعتمدها.
وفي خطابهم المفتوح للمنظمة قال العلماء إنهم يعتزمون نشر الدراسة في دورية علمية الأسبوع المقبل، وبها أدلة تظهر أن الجسيمات الصغيرة المحملة بالفيروس قادرة على إصابة الإنسان، وفي رد على رويترز عبر البريد الإلكتروني، قال طارق جسارفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية: "نحن على علم بالمقال ونراجع محتواه مع خبرائنا الفنيين".
العلماء قالوا إن الهواء يحمل الفيروس وينقل العدوى للإنسان عند استنشاقه سواء حملته قطرات رذاذ كبيرة تنتقل بسرعة في الهواء بعد العطس أو قطرات أصغر كثيراً تطير حتى آخر نقطة داخل غرفة، لكن الصحيفة نسبت للمنظمة قولها إن الدلائل على أنه يمكن للفيروس أن ينتقل عبر الهواء "ليست مقنعة".
ونقلت نيويورك تايمز عن الدكتورة بينيديتا ألجرانزي الرئيسة التقنية للوقاية من العدوى في المنظمة قولها "في الشهرين الماضيين على وجه الخصوص أكدنا مراراً أننا نعتبر انتقال العدوى عبر الهواء أمراً ممكناً لكن ذلك غير مدعوم بأدلة ملموسة أو حتى واضحة".
ماذا يعني الانتقال عبر الهواء؟
منظمة الصحة العالمية إذن لا تزال تقاوم الأدلة المتزايدة على أن الفيروس ينتقل عبر الهواء، رغم أن هناك ضحايا للعدوى حول العالم ثبت أنهم أصيبوا بها في مكاتب ومطاعم ومقاه وأسواق، وهو ما يرجح أن ما توصلت إليه الدراسة من الانتقال عبر الهواء صحيح، وهذه الفرضية بالأساس يرددها كثير من العلماء منذ شهور.
وبحسب تقرير الصحيفة، إذا كان انتقال العدوى عبر الهواء يمثل عاملاً أساسياً في نشر الوباء، خصوصاً في الأماكن المزدحمة سيئة التهوية، فإن تبعات ذلك على جهود احتواء الوباء ستكون ضخمة للغاية؛ فهذا يعني أن ارتداء الكمامة أمر حتمي في الأماكن المغلقة حتى مع اتباع قواعد التباعد داخل تلك الأماكن، كما أن ارتداء الكمامة الطبية N95 التي تقوم بفلترة الهواء من قطرات الرذاذ مهما كانت دقيقة يصبح أيضاً حتمياً بالنسبة للطواقم الطبية التي تقوم على رعاية مصابي كورونا.
أنظمة التهوية المستخدمة في المدارس والحضانات والبنايات ذات التكييفات المركزية وأماكن العمل ستحتاج أيضاً لتركيب فلاتر جديدة مصممة بطريقة أقوى وأكثر قدرة على فلترة الهواء وتوزيعه بصورة صحية أكثر، كما أن مصابيح الإضاءة فوق البنفسجية القادرة على قتل الجزيئات الفيروسية المعلقة في صورة قطرات دقيقة داخل الأماكن المعلقة ستكون أيضاً مطلوبة بشدة.
لماذا ترفض منظمة الصحة العالمية هذا الطرح؟
تقرير نيويورك تايمز قال إنه من خلال مقابلات مع نحو 20 عالماً، منهم مستشارون في منظمة الصحة العالمية نفسها وأعضاء في اللجنة نفسها التي صاغت إرشادات الوقاية من الوباء المعتمدة من المنظمة، إضافة لرسائل بريد إلكتروني متبادلة بين عاملين في المنظمة، يتضح أنه رغم النوايا الحسنة في عمل المنظمة الدولية، إلا أنها بعيدة تماماً عن العلم في إدارة الأزمة الصحية الأكبر في تاريخ البشرية منذ أكثر من قرن من الزمان.
المنظمة الدولية تتعرض لانتقادات عنيفة منذ تحول فيروس كورونا لجائحة عالمية، وليس فقط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من يوجه تلك الانتقادات – التي من الواضح أنها بدأت تصدر عنه بالأساس لتشتيت الأنظار عن سوء إدارته للأزمة داخلياً – فالمنظمة ورئيسها الإثيوبي تيدروس أدهانوم متهمون بالتواطؤ مع السلطات الصينية بشأن توقيت ظهور الفيروس وإضاعة وقت ثمين كان يمكن أن يغير وجه المعركة تماماً وينقذ الآلاف من الأرواح.
ومن المقرر نشر الرسالة العلمية الخاصة بالانتقال عبر الهواء في دورية Clinical Infectious Diseases، وهي من تأليف البروفيسورة ليديا موراوسكا من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في بريزبن، والبروفيسور دونالد ميلتون من جامعة ماريلاند الأمريكية، وقد أيّد نتائجها البحثية أكثر من 200 عالم، بعضهم شارك في وضع المشورة والتوصيات التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية.
وتشير الأدلة المعتمدة داخل الرسالة، خصوصاً فيما يتعلق بأماكن مثل مصانع معالجة اللحوم التي حدث فيها تفشٍّ للفيروس، إلى أن نقل العدوى المحمول جواً يمكن أن يكون سبيلاً لانتقال العدوى أكثر مما اعترفت به منظمة الصحة العالمية.