قال إيفان غايتون، من مؤسسة Humanitarian OpenStreetMap الخيرية إن "ثمّة ما يقرب من ملياريّ شخص في العالم لا يظهرون على أيّ خريطة يُعتدّ بها"، وهو ما يعتبره "مُخزياً أننا -كراسمي خرائط العالم- لا نبدي اهتماماً كافياً لمعرفة مواضع هؤلاء البشر من الأساس. إن الناس يعيشون ويموتون دونما ظهور على أيّ قاعدة بيانات"، حسب قوله.
حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، الجمعة 3 يوليو/تموز 2020، يعكف غايتون على تطوير تطبيق "OpenStreetMap"، الذي يُعرف باسم Wikipedia for maps "ويكيبيديا الخرائط"، ويمكن للجميع تحميله، ويتسنّى لهم أيضاً إجراء تعديلات على محتواه.
لماذا يُعتبر الأمر مهمّاً؟ حسبما يقول غايتون، فإن ذاك المشروع ينطوي على أكمل وأدقّ خرائط للعديد من المناطق في العالم، لا سيّما المناطق الريفية في قارّة إفريقيا، حيث يُرادف نقص الاستثمار، خارج أعتاب المُدن، حياة ملايين البشر بعيداً عن الأنظار.
قال غايتون إنها مسألة حياة أو موت، "فإذا ضربنا المثل بتفشّي الأمراض على غرار الإيبولا أو فيروس كورونا، نجد أن تعقّب مخالطي المصابين هو سبيل كبح جماح الجائحة. إن مَربَط الفرس ليس العلاج، بل تدابير الصحة العامّة وبيانات الخرائط".
شارك غايتون في جهود رسم الخرائط إبان تفشّي الإيبولا في وسط إفريقيا بين عاميّ 2014 و2015، وتبيّن له أن الافتقار إلى البيانات قد أسفر عن مشكلات جوهرية على صعيد تحديد بؤر تفشّي المرض.
كما أضاف: "إذا ذهبت إلى منشأة طبّية في أي مكان في العالم مُصاباً بمرضٍ مُعدٍ، سيسألونك من أين جئت. ولكن في بلدان العالم منخفضة الدخل، لا يوجد دائماً نظامٌ لوصف الأماكن".
غياب الحافز التجاري: تستثمر شركات التقنيات الضخمة مبالغ طائلة في جهود رسم الخرائط، ولكن إيفان قال إن ثمّة فجوة هائلة في ما يتعلّق بالأولويات، ويفسّر ذلك قائلاً: "لا يوجد حافز تجاري ضخم لشركة جوجل يدفعها لتحديد موضع أقرب متاجر ستارباكس في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
شارك إدوارد أندريسون، من البنك الدولي، في جهود رسم الخرائط خلال العقود الأخيرة، إذ عكف عليها أوّلاً في مناطق المحيط الهادئ ويؤدّي الأمر ذاته حالياً في إفريقيا. وقال إن الخرائط عادة ما تُعدّ على مستوى وطني، وربما تستغرق العملية سنوات طويلة بين مراحل المسح، والإنتاج، وتطبيق الخرائط واعتمادها.
وأضاف أندريسون أن المدن على وجه الخصوص تشكّل أزمة، لأننا نشهد تحضراً سريعاً للغاية بتلك المناطق، ونشهد أيضاً أسرع معدّلات التحضّر غير الخاضع للتخطيط في التاريخ. فإن قرابة 80% من نمو المناطق الحضرية لم يكن قيد خطّة مُعدّة سلفاً. وقرابة 70% من المقيمين الجدد في المدن يسكنون الأحياء العشوائية والفقيرة".
من ناحية أخرى "عادة ما يستعين القائمون على جهود التخطيط في البلاد بخرائط أٌعدّت قبل 10 سنوات".
دور الخرائط في التنمية: كان فريدي مبيا، رائد الأعمال التنزاني، بين الذين يشددون على الحاجة إلى رسم الخرائط، وقال إن شركات التعدين تدفع له أموالاً نظير رسم خرائط لأراضيهم باستخدام طائرات بدون طيّار. ويتعيّن إتمام هذا النوع التفصيلي من عمليات رسم الخرائط بصورة دائمة، لا سيّما في الأماكن التي يتعذّر الوصول إليها.
يرى مبيا أيضاً أن شركات التقنية العالمية ليس لديها الحافز لرسم خرائط محلّية للمناطق الريفية في إفريقيا، إذ إنه أمر مكلّف ويستغرق وقتاً طويلاً. وتطرّق مبيا إلى عيوب الخرائط القائمة بالفعل قائلاً: "خرائط جوجل وآبل لا تفرّق بين الطرق الجيّدة والسيئة – وهو أمر بالغ الأهمّية".
كما أضاف أن تسمية الأراضي على الخرائط أمرٌ بالغ الأهمّية على صعيد جهود التنمية.
فيما يبدو أن عالم الجغرافيا الإسكتلندي، مؤسس شركة Geo Geo المعنية برسم الخرائط يتفق مع تلك الرؤية، إذ يقول: "في المجتمع الرقمي الذي نشهده في زمننا هذا، ألا يكون المرء موجوداً على خريطة فهذا قريب الشبه بألا يكون الإنسان مرئياً. فمجرّد تحديد موضع منزلك أو كوخك أو قريتك على الخريطة، إلى جانب الطرق الموصّلة إليه، لهو أمر حاسم على صعيد مساعدة الحكومة في جهود التخطيط".