مع دخول الساعات الأولى من أول أيام شهر يوليو/تموز 2020، وهو الموعد الذي حدَّده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتطبيق خطة الضمّ على أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، اتَّجهت أنظار المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل إلى قطاع غزة.
وذلك بعد قيام حركة حماس بإجراء سلسلة من التجارب الصاروخية بشكل مفاجئ، امتدت حتى ساعات الفجر الأولى، وشملت إطلاق 24 صاروخاً، أُطلقت باتجاه البحر المتوسط، وبمدىً تجاوَزَ عشرات الكيلومترات، فيما بدا أنه استعراض للقوة، أو لتحذير إسرائيل من أي خطوة استفزازية في الضفة الغربية.
وسائل الإعلام الإسرائيلية رصدت عن كثب هذه التجارب الصاروخية، فدلالات التوقيت وعدد الصواريخ التي تم اختبارها من هذه الصواريخ، والمدى الذي وصلت إليه، حظي باهتمام المراسلين العسكريين الذين اتَّفقت آراؤهم حول الرسالة التي ترغب حماس في إرسالها من تجاربها الصاروخية.
إليئور ليفي، مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت، قال في تقريره إن إطلاق الصواريخ باتجاه البحر المتوسط بهذا الشكل غير الاعتيادي يأتي لتوضيح نوايا حماس العسكرية، إذا أعلنت إسرائيل عن تطبيق الضم على أجزاء من الضفة الغربية.
وأشار موقع "واللا" أن التجارب الصاروخية إشارة من الفصائل الفلسطينية على أنها تستعد للحصول على الضوء الأخضر لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، والجيش أيضاً يستعد لهذا السيناريو.
تعد هذه التجارب الصاروخية نقلةً نوعيةً في الطريقة التي تُطوّر بها حماس قدراتها الصاروخية، حيث لم يُسجل في وقت سابق أنَّها أجرت تجربةً بهذا العدد، كما أن مدى الصواريخ الذي وصل مستويات قياسية بتخطّيه لعشرات الكيلومترات داخل البحر، يشير لتطور القدرات الصاروخية للفصائل المسلحة في غزة.
رسالة للاحتلال
علي الشيشنية، المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، قال لـ"عربي بوست": "إنَّ "فصائل المقاومة في غزة على أهبة الاستعداد لأي طارئ، كما أن قادة الأجنحة العسكرية في حالة اجتماع دائم لتقييم الأمور".
وأكَّد أنَّ التجارب الصاروخية التي أُجريت هي رسالةٌ واضحة للاحتلال الإسرائيلي، بأنَّ أيّ مساس بأراضي الضفة الغربية سيُقابله تحويل وجهة الصواريخ من البحر المتوسط إلى داخل البلدات الإسرائيلية.
مشدداً على أن المقاومة لديها من المفاجآت ما سوف يُربك الحسابات الإسرائيلية، ويدفعها لإعادة النظر في أي خطوة من شأنها المساس بأراضٍ فلسطينية.
وتأتي هذه التجارب الصاروخية بعد أيام من تحذير الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة"، للاحتلال الإسرائيلي من إقراره لقانون الضم، لأن حماس ستعتبره إعلان حرب.
مع العلم أن الحديث عن القدرات الصاروخية لحركة حماس تَنظر إليه إسرائيل باعتباره سلاحاً استراتيجياً بيد الفصائل المسلحة في غزة، نظراً لقدرته على قلب موازين المعركة لصالحها، من خلال قوته التدميرية، والمدى الذي يصل إليه داخل الحدود الإسرائيلية.
محرِّر شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، مؤمن مقداد، قال لـ"عربي بوست": "إن إسرائيل تصنِّف التهديد الأمني من غزة من الدرجة الأولى، باعتبارها جبهة غير مستقرة، ويصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور بأي معركة قادمة، حيث تخشى إسرائيل من تطور القدرات الصاروخية للفصائل المسلحة".
وأضاف: "لذلك شهدت الجبهة الداخلية قبل أسابيع إجراء مناورة هي الأضخم في تاريخ إسرائيل للتعامل مع صواريخ المقاومة، التي تُطلق من غزة باتجاه البنايات السكنية في تل أبيب".
يُذكر أنه منذ عام 2001 بدأت حركة حماس تجاربها لاستخدام الصواريخ في معركتها مع إسرائيل، وتمكَّنت من صناعة أول صاروخ محلي الصنع اسمه "قسام1″، وصل مداه لـ3 كم فقط.
ومثّل الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر/أيلول 2005، نقطةً فارقةً في قدرات حماس الصاروخية، حيث بدأت بتطوير الجيلين الثاني والثالث من صاروخ قسام، بمدى وصل 10 كم، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009، أجرت الحركة أول تجربة صاروخية باتجاه البحر لصاروخ محلي الصنع وصل مداه 60 كم.
تكلفة الضم كبيرة
من جانبه، قال يحيى موسى، النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس، لعربي بوست: "إن استراتيجية حماس بالتعاون مع فصائل العمل الوطني واضحة، وهي العمل على إفشال مشروع الضم الإسرائيلي، لذلك فإن الحركة والفصائل المسلحة أوصلت رسالتها بهذه التجارب الصاروخية، ليفهم العدو الإسرائيلي أن تكلفة الضم لن تكون هينة، وسيتحمل تكاليفها".
مع تشكل مرحلة تشغيل الأنفاق تحت الأرض بين غزة ومصر، استطاعت حماس الحصول على مستويات متعددة من الصواريخ بمساعدة إيران وحزب الله، وباتت تمتلك أجيالاً متطورة من صواريخ ذات قدرات تدميرية كبيرة، كصاروخ (M75) الذي يصل مداه لـ75 كم، ويحمل رأساً متفجراً يزن 70 كغم، وصاروخ (J80) الذي يصل مداه إلى 80 كم، ويحمل رأساً متفجراً يزن 125 كغم، ويصل مدى هذا الجيل من الصواريخ لمدينتي تل أبيب والقدس.
أما الجيل الثالث من الصواريخ التي تمتلكها كتائب القسام فهي (R160)، الذي يصل مداه إلى 160 كم، واستُخدم للمرة الأولى في حرب 2014، ووصل مدينة حيفا شمال إسرائيل، كما تمتلك العديد من القذائف الصاروخية كصواريخ "غراد" الروسية، وقذائف الهاون.
الخبير العسكري الفلسطيني من الضفة الغربية، وقائد المدفعية السابق في منظمة التحرير الفلسطينية اللواء واصف عريقات، قال لـ"عربي بوست": "إن إسرائيل تدرك القدرات الصاروخية المتطورة لفصائل المقاومة في غزة، وسبب التلويح بها في هذا التوقيت".
وأن تأثير الصواريخ كبير لعدة أسباب، أهمها: الصواريخ تُخلّ بالعقيدة الأمنية للجيش الإسرائيلي، الذي يركز دائماً على إبقاء المعركة "في" أرض العدو، لكن امتلاك المقاومة لأجيال متطورة من الصواريخ بمستويات وقدرات تدميرية يضع الجيش أمام تحدٍّ كبير في الحفاظ على جبهته الداخلية، لأن الإسرائيليين سيبقون في حالة ذعر واستنفار، خشية إصابتهم من هذه الصواريخ".
لم تُخفِ إسرائيل قلقها من تطور الأحداث الميدانية في جبهة غزة، حيث شهد الأسبوعان الماضيان إجراء الجيش لسلسلة من المناورات المفاجئة بالذخيرة الحية، قرب حدود قطاع غزة، كما التقى وزير الدفاع بيني غانتس بقادة الجيش والاستخبارات، وأعلن أن إسرائيل لن تتردد في الردِّ على أي هجوم فلسطيني قادم من القطاع.
عماد أبو عواد، مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، قال لـ"عربي بوست": "إن وسائل الإعلام والمؤسسة الأمنية في إسرائيل تضع مجريات الأحداث في غزة بعين الاعتبار، نظراً لمستوى التهديد الذي تمثله الفصائل على خلفية إقرار إسرائيل لقانون الضم".
وأضاف: "هذا نابع مما تمتلكه المقاومة من أدوات، كالصواريخ بعيدة المدى التي قد ترفع تكلفة الضم، لذلك لاحظنا وجود تباين في وجهات النظر داخل الائتلاف الحكومي وقادة الجيش والشاباك ومؤسسة الاستخبارات العسكرية".