طرق الباب، ناديت أحد أبنائي كي يفتح.
كنت أراجع للاختبار الذي تبقَّى عليه ساعتان أو ثلاث.
أخبرت ولدي إنْ كانت إحدى جاراتي فأخبِرها أنني مشغولة وسوف أعاود الاتصال بها.
لكنها قالت له:
أخبِر ماما أن الموضوع مسألة حياة أو موت.
وعندما هرعتُ إليها مسرعة ظناً مني أن هناك مَن أصيب من أبنائها، وجدتُ أنها تسألني إن كان هناك مكان شاغر في ثلاجتي لأنها ابتاعت بعضَ الأشياء والمكان لا يكفي عندها!!
عندما سمعتُ ما قالت لم أستوعب في البداية، وكدتُ أنفجرُ من شدة الغضب، لكنني حاولت التعامل مع الموقف بهدوء.
لا أعني هنا أنني لا أحب جارتي، أو لا أُقدِّر ظروفها، بل على العكس تماماً، فهي قريبة من قلبي، ودوماً في خدمتي إذا ما طلبتُ.
لكن ما أعنيه حقاً هو أنك تكون مشغولاً بشيء غاية في الأهمية، لكن مَن حولك لا يدركون ذلك.
هكذا هي الأولويات في تصريف الوقت بين البشر وبعضهم البعض.
واو.. قاف.. تاء.. حروف قليلة لكنها تعني الكثير.
ومشكلتنا الأزلية معه كما ذكرنا في الحلقة السابقة لا تكمُن في أن الواجبات أكثر من الأوقات، بل تكمن في كيفية تنظيم هذا الوقت، ووضع الأولويات على رأس الهرم.
بعض التحديات قد تقابلكِ خلال اليوم، مثل زيارة مفاجئة، مكالمات يجب أن تقومي بالردِّ عليها، بعض المشاوير التي يجب أن تُنجز، صديقة ليس لديها شعور بأهمية الوقت مثلك تسحب من وقتك دون أن تشعري، مرض أحد من الأبناء، مشوار مفاجئ للمدرسة… وهكذا
إذن ما الحل؟
1- يجب أن نعرف أن هناك ما يُسمَّى "مربعات الوقت"
قومي برسم 4 مربعات، وضَعِي فيها كل المهام كالتالي:
– هام عاجل:
(الأشياء الهامة التي يجب أن تُنجز حالاً مثل مذاكرة ليلة الامتحان)
هذا المربع يُعتبر من المربعات الخادعة؛ لأن الاختبار هام، أي أنه يندرج تحت "هام"، لكن هل من الحكمة تأجيل المذاكرة، وليس المراجعة، لآخر لحظةٍ حتى تصبح "عاجلاً"؟
أو مثل الصلاة، هي "هام"، لكن لا يصح أن تتأخر لآخر الوقت حتى تصبح تحت بند "عاجل".
تنبيه هام:
"لو كانت كل حياتك مندرجة تحت هذا المربع، إذن فإن تنظيم وقتك يحتاج إعادة نظر".
لكن هناك بعض المواقف التي تكون مفاجئة ولا نضعها في الحسبان، مثل مرض الأبناء المفاجئ لا قدر الله.. هذا هو الهام والعاجل لأننا يجب أن نتصرف على الفور.
– غير هام عاجل:
مثل ترتيب البيت بشكل معين، وبدقة متناهية، ولديك ضيوف سوف يأتون بعد قليل ليتناولوا معكم طعام الغداء، فمن غير المنطقي أن تقومي بالتدقيق في كل صغيرة وكبيرة في اليوم نفسه.
– هام غيرعاجل:
مثل المشاوير المهمة الخاصة بالبيت، لكن من الممكن أن تؤجَّل بضعة أيام.
مثل التسوق من السوبر ماركت مثلاً هو "هام"، لكن لو لم تكوني بحاجة إلى شيء ضروري الآن، ولديكِ ما يكفيكِ إذن فهو "غير عاجل".
أو مثل زيارة طبيب الأسنان، التي نقوم دوماً بتأجيلها حتى تنتقل إلى مربع الهام والعاجل.
– غير هام غير عاجل:
مثل مشاهدة مسلسل أو فيلم
أو جارتك التي تحتاج إلى وصفة فخدة الخروف
أو صديقتك التي تريدين زيارتها كي تباركي لها لأن ابنتها تخرجت في KG1
ملحوظة هامة:
هذه المربعات تختلف من شخص لآخر، مثل قصتي أنا وجارتي.
2- امنعي فوراً أي دخيل على الخطة، خاصة إن كان سيسحب منكِ وقتاً طويلاً، مثل المكالمات المفاجئة، ببساطة لا تجيبي على الهاتف.
3- "لا"..
"لا" ليست عيباً أو حراماً، وهي مِن حقكِ تماماً ما دمتِ قمتِ بصياغتها بكل أدب واحترام، وهي من صميم شرعنا، حيث توضع تحت بند الاستئذان.
4- أنتِ غير ملزمة بالتبرير لأي أحد سبب اعتذارك.
أعتذر، لا أستطيع الخروج.
سأعاود الاتصال بك مرة أخرى
وتذكري دوماً أن الله سيحاسبك عن نفسك وعمَّن تعولي، وإن كان لديك الوقت فمن الممكن أن تقومي بالمهام الأخرى.
5- وارد جداً أن تغضب صديقتكِ، لكنها يجب أن تتذكر التالي.. انظري إلى البند القادم.
6- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)﴾ [سورة التوبة].
أي أن الله تعالى يخبرنا "حتى يؤذن لكم"، ونحن مازلنا نغضب لأنفسنا!!
7-صمِّمي جدولاً وضعيه على الثلاجة، وضعي به أولوياتك، وكلما جاءكِ ما يُعطِّلكِ انظري إليه، وسوف تُقيّمين الموقف وحدكِ.
8- كل المكالمات الهامة قومي بها صباحاً قدر الإمكان، ويا حبذا لو قمتِ بكتابتها، مثل والدتك، والدة زوجك، وغيرهما، حدِّدي لهم وقتاً مناسباً بعد إنهاء مهامك جميعاً، أو خلال عملك في المنزل.
9- "فوِّضي" بتشديد الواو.
أنجح المديرين هو الذي يتّبع سياسة التفويض.
فوّضي أبناءك معك في مهام المنزل، ولا تتوهمي أنهم مازالوا صغاراً ولا يستطيعون إنجازها.
فوّضي صديقاتكِ، اطلبي منهن المساعدة إن استطعن؛ لأن في ذلك تحقيقاً لمبدأ التكافل المجتمعي، فالتكافل لا يكون مادياً فقط، بل يكون معنوياً أيضاً.
10- تذكّري دوماً أن التغيير لن يأتي بين يوم وليلة، سيأخذ منكِ وقتاً وجهداً، وسيحتاج منكِ بعضَ الصبر؛ لأن الخروج من منطقة الراحة ليس سهلاً.
دمتِ دوماً مبهجةً وجميلةً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.