يُعدّ التوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في السياسة الأمريكية أمراً نادراً؛ لكن يبدو أن الجانبين متفقين على ضرورة دعم أمريكا لمنظمة مجاهدي خلق عبر مساندة مجلس المقاومة الإيرانية الذي تقوده المنظمة.
وأصبحت منظمة مجاهدي خلق التي ينظر لها بريبة حتى في أوروبا وليس إيران وحدها محل حفاوة أمريكية، باعتبارها قادرة على تحقيق الديمقراطية للشعب الإيراني رغم أن تقريراً سابقاً للحكومة الأمريكية اتهم الحركة قبل سنوات بعد مقابلة أعضائها بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق أعضائها وإنها ذات طابع قيادي طائفي ومغلق.
دعم أمريكا لمنظمة مجاهدي خلق في مشروع قانون
في يوم الأربعاء 17 يونيو/حزيران 2020، انضم مشرّعون بارزون من كلا الحزبين إلى قادة مجموعات قوامها من الأمريكيين ذوي الأصول الإيرانية، في مؤتمر صحفي بالكونغرس لطرح قرار مجلس النواب رقم 374 بشأن إيران، حسبما ورد في تقرير لمجلّة The National Interest الأمريكية.
ويدين القرار، الذي اتُّخذ بأغلبية الحزبين في مجلس النواب، الإرهاب الذي ترعاه الدولة الإيرانية ويُعرب عن دعم جليّ لرغبة الشعب الإيراني في تأسيس جمهورية ديمقراطية علمانية غير نووية في إيران.
ويحظى القرار 347 بقائمة متزايدة من الرعاة الديمقراطيين والجمهوريين، الذين بلغ عددهم مؤخراً 221 عضواً، قبل تقديم القرار إلى وزير الخارجية مايك بومبيو. وتضم مبادرة إصداره نواباً في الكونغرس من 41 ولاية و12 لجنة. وتلقّى القرار دعماً حماسياً من وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً.
وخلال المؤتمر الذي انعقد عبر الإنترنت يوم الأربعاء، تحدّث أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي، من بينهم الجمهوري توم مكلينتوك والديمقراطي براد شيرمان، إلى أمريكيين من أصول إيرانية، وقدّموا دعماً لقضيتهم.
وقال مكلينتوك إن القرار "يأتي في الوقت الذي نالت فيه المعارضة الإيرانية، متمثّلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي أسسته منظمة مجاهدي خلق، زخما مطرداً وبالتالي صارت الهدف الرئيسي للإرهاب العالمي الذي يمارسه النظام". واستدل أعضاء الكونغرس في إرهاب النظام بمؤامرة مُجهَضة لتفجير مسيرةٍ للمجلس الوطني للمقاومة في باريس 2018.
أضاف مكلينتوك: "لقد اعتُقل العديد من أنصار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية داخل إيران إثر انتمائهم لتلك المجموعة".
يقول النائب براد شيرمان، نائب رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية: "الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بعد مقتل الآلاف في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019، ها نحن نؤازر الشعب الإيراني الذي مازال يحتج احتجاجاً مشروعاً ضد نظام قمعي وفاسد".
ويرى تقرير المجلة الأمريكية إن قرار مجلس النواب يتماشى على نحوٍ جيد مع المبادئ الديمقراطية وكذلك استراتيجية إدارة ترامب المعروفة بـ"الضغط الأقصى" على النظام الإيراني. إذ يضع القرار إطاراً لانتهاج سياسة حازمة ضد نظام وحشي لكنّه يلتزم بعدم التورّط في نزاع حربي، بل يدعم المعارضة المنظّمة المحلّية بدلاً من تورّطه.
المنظمة بدأت إسلامية يسارية ثم تحالفت مع صدام وأخيراً إسرائيل والسعودية
ولكن في المقابل فإن صحفاً غربية عريقة مثل The Guardian البريطانية سبق أن سلطت الضوء على ممارسات ومريبة وعنيفة لحركة مجاهدي تستهدف حتى أعضاءها.
وفي تقرير موسّع عرضت صحيفة The Guardian معلومات وشهادات صادمة عن منظمة مجاهدي خلق التي تعارض النظام الإسلامي في إيران بشراسة منذ عقود.
وهذه المنظمة تجمع بين متناقضات يندر أن تتواجد في كيان واحد، بدءاً من كونها ذات جذور إسلامية وماركسية مشتركة.
وتأسست الجماعة كتنظيم يحارب الحكم الإمبراطوري في إيران والإمبريالية الغربية، وانتهى بها الحال صديقة لإسرائيل وأمريكا، فيما يعتقد أن السعودية قد تكون أحدث أصدقائها، حسب The Guardian.
ورصد الكاتب أرون ميرات شهادات وأقاويل متعددة تتحدث عن إجبار المنظمة لأعضائها على ممارسات غريبة مثل التبرع بأبنائهم والطلاق من أزواجهم.
ولكن الأغرب ما قيل من أن زعيم منظمة مجاهدي خلق، مسعود رجوي، كان يتزوج من السيدات المنتميات للمنظمة بعد أن يجبرهن على الطلاق.
إضافة إلى اتهامات للمنظمة التي باتت تحظى برعاية أجهزة الاستخبارات الغربية باحتجاز أعضاء سابقين رغم عن إرادتهن.
ففي عام 1990، صدرت أوامر لجميع الأزواج داخل المعسكر بالطلاق؛ وخلعت النساء خواتم الزواج ووضعن مكانها قلادات محفور عليها وجه مسعود رجوي، وفرقت الجماعة بين الأزواج وأرسلت أطفالهم إلى مؤيدي الجماعة في أوروبا "للتبني".
وتحدث أرون ميرات مع عضوة سابقة بالحركة تدعى بتول سلطاني، اتهمت مريم رجوي الزعيمة الحالية للحركة بمساعدة زوجها الراحل مسعود في استغلال العناصر النسائية للجماعة على مر السنين.
وزعمت سلطاني، التي كانت واحدةً من بين ثلاث نساء تحدثنّ عن الاستغلال الجنسي داخل الجماعة في فيلم وثائقي بثه التلفزيون الإيراني عام 2014، أنّ رجوي كان لديه مئات "الزوجات" داخل المعسكر.
وأخبرت زهرة مويني، التي عملت حارسة شخصية لمريم رجوي، كاتب التقرير، بأنّ النساء كنّ يُهددن بالعقاب إذا لم يُطلقن أزواجهنّ و"يتزوجنّ" مسعود.
وقالت في مويني في مقابلة عبر الهاتف من ألمانيا: "مريم كانت ضالعة في هذا الاستغلال الجنسي. فقد دأبت على قراءة نذور الزواج التي تسمح بدخول مسعود على النساء اللاتي يتزوجهنّ".
وأضافت: "من كنّ يرفضن الزواج من مسعود كنّ يختفين"، حسبما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية.
وانتهى تقرير سابق للحكومة الأمريكية، ارتكز على مقابلات عُقدت داخل معسكر أشرف، إلى أنّ جماعة مجاهدي خلق لديها العديد من السمات المعتادة للطوائف الدينية، مثل السيطرة الشمولية ومصادرة الأصول والتحكم في الحياة الجنسية (بما في ذلك الإرغام على الطلاق والإجبار على التبتل) والعزلة العاطفية والعمالة القسرية والحرمان من النوم والإساءة الجسدية وخيارات الخروج المحدودة".
كيف تحولت من جماعة دينية إرهابية شمولية إلى أمل الديمقراطية في إيران؟
في وقتٍ من الأوقات صنفت الولايات المتحدة وبريطانيا الجماعة، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جماعة طائفية، ضمن المنظمات الإرهابية، ولكن الموقف من الحركة تغير بدفع من صقور اليمين الأمريكي في إدارة ترامب من ذوي النفوذ، بمن فيهم مستشاره للأمن القومي السابق جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو.
وتحالفت المنظمة خلال الحرب العراقية الإيرانية مع صدام حُسين، ما جعلها تخسر معظم الدعم الذي كانت تتمتع به داخل إيران، بعد اصطفافها مع صدام، الذي قصف المدن الإيرانية دون تمييز واستخدم باستمرار أسلحة كيماوية في حرب أودت بمليون نفس، وبات أفرادها في نظر الجميع "خونة".
وأصبحت الجماعة المنعزلة في قاعدتها العراقية في قبضة زعيمها الراحل مسعود رجوي المحكمة أشبه بطائفة دينية.
وفي عام 1986، زوّد الجماعة بالسلاح والمال وقاعدةً عسكرية فسيحة سُميت "معسكر أشرف"، على بُعد 50 ميلاً فقط من الحدود مع إيران.
نفذت الجماعة بقيادة زعيمها الموتور مسعود رجوي -حسب وصف الصحيفة- لما يقرب من عِقدين، هجمات ضد أهداف مدنية وعسكرية عبر الحدود في إيران.
ولكنها لم تكتف بذلك، بل ساعدت صدام أيضاً في قمع خصومه الداخليين، حسب الغارديان.
وقبل سنوات أُبعدت المنظمة من العراق إلى ألبانيا خوفاً من تعرضها للانتقام الإيراني بعد خروج القوات الأميركية من العراق.
والنظام يتهمها بقيادة الاحتجاجات
في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي تأججت خلال عاميّ 2018 و2019 ضد الحكومة الدينية الإيرانية، ألقى مسؤولو النظام، بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي، باللوم على أكبر حركة مجاهدي خلق، في تنظيم وقيادة الاحتجاجات.
واندلعت أكبر سلسلة من الاحتجاجات في عام 2018، وهي السنة التي توقّعت سابقاً مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن تكون "مليئة بالانتفاضات".
وفي يوم الأربعاء، أشادت مريم رجوي، في رسالة مصوّرة عُرضت في مؤتمر الكونغرس عبر الإنترنت، بممثلي الشعب الأمريكي على مشاركتهم في القرار 374. وأضافت قائلة: "لقد كافح الشعب الإيراني ضد ديكتاتوريتين ومن أجل الحرية. فقد أطاح الشاه وسيواصل نضاله من أجل الإطاحة بنظام الملالي وتحقيق الحرية، ومن بواعث تشجيعهم أن هذا القرار يدعم أحد أهدافهم المتمثّلة في جمهورية قائمة على الفصل بين الدين والدولة. وثمّة ما يُلهِم الشعب الإيراني في معرفة أن الشعب الأمريكي يسمع صوته".
جدير بالذكر أنه في وقت سابق، أدان قرار مجلس النواب الأمريكي رقم 4744 الحملة التي شنّها النظام ضد المعارضين، بما في ذلك موقعة قتل 30,000 سجين سياسي في صيف عام 1988. وبشكل ملحوظ، يوضح القرار الجديد أن مثل هذه الحوادث هي من صميم النظام، كما تعطي حركة المقاومة الإيرانية المُنظّمة حقاً لا يتسنّى إنكاره لمواصلة جهود إطاحة الثيوقراطية.
ويعترف القرار 374 بنضال الشعب الإيراني "لإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية وغير نووية في إيران". ويُعد هذا تعبيراً واضحاً عن القيم المشتركة بين الأطياف السياسية في الولايات المتحدة.
والآن أصبحت أمل الديمقراطية الإيرانية حسب وجهة النظر الأمريكية
واعتبر تقرير مجلّة The National Interest الأمريكية أن هذا يمثّل تصديقاً على حركة شعبية إيرانية تحاكي المبادئ الديمقراطية في قلب الشرق الأوسط.
وقد طرحت مريم رجوي تلك الرؤية بشيء من التفصيل في هيئة خطّة مكوّنة من عشرة بنود أُعّدت لمستقبل ينعم بالحرّية في إيران. وإذا نُفذت تلك الخطّة بدعم معنوي من الشعب الأمريكي وبقيّة المجتمع الدولي، سيتسنّى بها إجراء انتخابات حرّة ونزيهة، وفصل الدين عن الدولة، وحماية منصفة للنساء والأقليات بموجب القانون، وكذلك الالتزام بعدم شن عدوان أو تدخّل في بلدٍ ومجاور من البلدان التي تعاني حالياً إثر الأثر المدمّر لنظام الملالي.
وقالت مجلّة The National Interest "لا بد أن تخضع المزيد من آثار خطة النقاط العشر للمناقشة بمزيد من التفصيل خلال الحشد السنوي للمجلس الوطني للمقاومة المقرر انعقاده في يوليو/تموز. وسوف يحضر المؤتمر عدد من كبار الشخصيات الأمريكية يمثلون الحزبين الجمهوري والديمقراطي".
واعتبرت المجلة الأمريكية أن التأثير الأخلاقي لهذا الدعم المرن للحركة الديمقراطية الإيرانية يمثل مصدر تشجيع كبير لمن يعانون اقتصاداً مدمراً، ومظالم سياسية، وأوبئة قاتلة. وفي الوقت الذي يُبدي فيه الشعب الإيراني نهماً لإطاحة النظام وإحداث تغيير ديمقراطي، يمكنهم رؤية الناس في جميع أنحاء العالم، وخاصّة في الولايات المتّحدة الأمريكية، يُناصرون قضيّتهم.