في ربيع العام 2015، وبينما كان تشيلسي في طريقه لتجريد مانشستر سيتي من لقب الدوري الإنجليزي الممتاز "بريمييرليغ"، وضعت الأسرة الحاكمة في أبو ظبي والمالكة للـ "سيتيزنز" نصب عينيها مشروعاً جديداً.
إذ فاجأ ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد – الشقيق الأكبر لمالك مانشستر سيتي منصور بن زايد -، الدبلوماسيين بدعوة وزير الدفاع السعودي الجديد آنذاك الأمير محمد بن سلمان، إلى قضاء عطلة نهاية الأسبوع في رحلة للصيد بالصقور.
كان الأمير السعودي البالغ من العمر آنذاك 29 عاماً، أميراً من الدرجة الثانية مقارنةً بمحمد بن زايد صاحب الـ54 عاماً والذي يُعَد واحداً من أكثر السياسيين نفوذاً في الشرق الأوسط.
يقول تقريرٌ نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية، إنه فيما كانا يخيَّمان على الحدود الإماراتية السعودية، كوَّن الرجلان علاقة مصلحة. فكان محمد بن زايد، الذي وصفه أحد الخبراء بأنَّه "الميكيافيللي الأكبر"، يستميل السعودية الغنية بالنفط والمتزمتة للاصطفاف بقوة إلى جانب جارتها الأصغر والأكثر تحرراً.
وبعد مرور 5 سنوات، كان من الممكن أن يصطدم الحليفان لأول مرة يوم الأحد 28 يونيو/حزيران 2020، وذلك خلال المواجهة الكروية التي جمعت مانشستر سيتي بنيوكاسل يونايتد ضمن كأس الاتحاد الإنجليزي.
مواجهة مرتقبة بين "المندفع" و"المرشد"
مصادر مقربة من عملية الاستحواذ السعودية المحتملة على فريق نيوكاسل تكهَّنت بأن تكون المواجهة ضد مانشستر سيتي – المملوك لأبو ظبي – مباراةً محتملةً أولى بين طرفي النظام الجديد. لكنَّ المداولات في مقر الـ "بريمييرليغ" لا تزال مستمرة، تارِكةً الشاب المندفع محمد بن سلمان ينتظر بضعة أيام أخرى على الأقل ليحصل على فرصة لمنافسة الرجل الذي يصفه المراقبون بأنَّه "مرشده" (في المباراة التي ستجري ضمن بطولة الدوري يوم الأربعاء 8 يوليو/تموز 2020).
يقول أندرياس كريغ، محلل المخاطر السياسية والأستاذ بجامعة كينغز كوليدج بلندن، "أود القول إنَّ محمد بن زايد اضطلع بدور مهم جداً في تشكيل محمد بن سلمان، إلى جانب أبيه. فمنذ ذلك الحين وصاعداً، كانت هناك علاقة المرشد تلك، التي يتطلَّع فيها محمد بن سلمان إلى محمد بن زايد لتوجيهه، وقد فعل ذلك فعلاً من حينها".
ويؤكد كريغ لـ The Telegraph إنَّ بن زايد تلقى تقريراً استخباراتياً عام 2014 يفيد بتوقّع وصول محمد بن سلمان إلى قمة هرم السلطة. وبحلول يونيو/حزيران 2017، آتت نصائح بن زايد أكلها، وأصبح تلميذه السعودي ولياً لعهد السعودية بعدما قرَّر الملك سلمان إعفاء ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف من منصبه والدفع بابنه إلى المنصب.
استمرت رحلات التخييم مع محمد بن زايد، الذي مثَّل بالنسبة له شخصية أخيه الأكبر، وجرى لقاءٌ واحد على الأقل في جزر سيشل، ووصل كلاهما إلى الجزر الفخمة على متن يخته الخاص.
يقول أحمد قطنش، المؤسس المشارك لمؤسسة عبدالرحمن الكواكبي الهادفة لتعزيز الحريات في المجتمعات الإسلامية، "يرعى محمد بن زايد محمد بن سلمان لأكثر من نصف عقد حتى الآن. ولديهما الآن طرق متشابهة للغاية. نفس وجهات النظر المتشددة، ونفس النزوع للصراع العسكري، وذلك التوجه الذي يرى أنَّ معظم المشكلات يمكن حلها بإلقاء مبالغ ضخمة من المال. وكانت الإمارات ناجحة للغاية في تطوير صورة عالمية لها، ويعتقد محمد بن سلمان منذ وصوله إلى السلطة أنَّ هذا هو المسار الذي يجب أن يسلكه".
السير على خطى الإمارات بـ "نيوم" ونيوكاسل
كان مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي عمل ككاتب عمود في صحيفة The Washington Post الأمريكية، كارثياً بالنسبة لمساعيه الرامية لكسب حلفاء غربيين جدد، لكنَّ محمد بن سلمان مضى قدماً بإصلاحاته الجذرية في محاولة لتحديث السعودية وتنويع اقتصاده بعيداً عن النفط. ووقف إلى جانب الإمارات في عدد من المغامرات الداخلية والخارجية، بما في ذلك صراعات مثل حرب اليمن والحصار على قطر.
ثُمَّ كان طموح محمد بن سلمان الهائل لبناء مدينة مكافئة لدبي من الصفر، مشروع تطوير مدينة نيوم البالغة مساحتها 265 ألف كيلومتر مربع تقريباً، والتي ستكلف صندوق الاستثمارات العامة السعودي نحو 500 مليار دولار.
وبطبيعة الحال، تأتي الآن محاولته لـ "مسايرة الجيران" في ملكية نادي لكرة القدم بالـ "بريمييرليغ". وتسبَّبت محاولة الاستحواذ المحتملة على نيوكاسل يونايتد بقيمة 300 مليون جنيه إسترليني (369.7 مليون دولار تقريباً) بالفعل في انقسام بين الجهات المسؤولة عن الدوري الإنجليزي، في ظل انتقادات من منظمة العفو الدولية على خلفية سجل السعودية في حقوق الإنسان، وتقرير إدانة من منظمة التجارة العالمية بشأن دور المملكة في السماح بسرقة قرصنة تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات لشبكة قنوات beIn Sports القطرية.
السعودية غير قادرة على "بعث" نيوكاسل
مع ذلك، يبدو الكثير من مشجعي نيوكاسل مستعدين للترحيب بالمال السعودي؛ فلا يمكن أن يكون أحد أسوأ من مايك آشلي (المالك الحالي للنادي). لكنَّ أولئك الذين يراقبون تحركات بن سلمان ليسوا متأكدين كثيراً حيال ذلك. فصندوق الاستثمارات العامة السعودي من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، بإجمالي أصول يقدَّر بقرابة 300 مليار جنيه إسترليني (369.7 مليار دولار تقريباً)، لكنَّ قليلين يتوقعون ضخ موارد تضاهي مبلغ الـ 1.3 مليار جنيه إسترليني (1.6 مليار دولار) الذي استخدمته أسرة محمد بن زايد لتحويل مانشستر سيتي إلى قوة أوروبية كبرى.
يقول قطنش للصحيفة البريطانية، "نادٍ مثل نيوكاسل يحتاج إلى تجديد جذري، ومن شأن هذا أن يأتي في وقتٍ سيئ حقاً بالنسبة للسعودية. لا أعتقد أنَّ نيوكاسل سيحصل على ما يأمله. فالسعوديون يُخفِّضون الرواتب بنسبة 30%، بما في ذلك رواتب الأطباء. وليس لديهم مال لإنفاقه في الوقت الراهن. إنَّهم يعانون، وسجل محمد بن سلمان الحافل يُظهِر أنَّه متهور".
يستشهد قطنش بتقرير لصندوق النقد الدولي في فبراير/شباط 2020، يفيد بأنَّ المَلَكيات العربية في الخليج ستواجه ساعة حساب في ميزانياتها في غضون 15 عاماً؛ في ظل اقتراب الطلب على النفط من قمة مستوياته.
ويضيف قطنش، "كان التقرير ينظر إلى الاتجاهات طويلة المدى، وحدث هذا قبل انهيار أسعار النفط والجائحة، لذا يبدو فجأة أنَّ هذا التوقع متفائل للغاية. ومحمد بن سلمان يعرف هذا لأنَّه هو الشخص الذي يقوم بتلك الخطوات منذ وصل إلى السلطة، لأنَّه ظل يقول: (علينا أن ننوِّع الاقتصاد، علينا أن نستغني عن النفط). وكانت هناك محاولات للخصخصة من أجل توفير النقدية في مجالات أخرى، وهذا هو ما يقلقني بشأن مستقبل نيوكاسل. إنَّه يتحدث بكلام كبير، لكن في نهاية المطاف يعود إلى نفس الطريقة القديمة في عمل الأشياء، المتمثلة في الإنفاق بإسراف، وتلميع صورته، والتباهي. يمكن أن يسوء الأمر".
يتفق كريغ مع هذا، ويصف بن سلمان بأنَّه "شخصية يافعة للغاية ومتهورة لا تفهم فعلاً كيف تدير حكومة أو دولة" في ظل إسراعه بمحاولاته لتحويل السعودية عن كونها "دولة بوليسية مستبدة للغاية، لا يسبقها في ذلك إلا إيران وكوريا الشمالية".
وفي حال موافقة الدوري الإنجليزي في الأيام المقبلة على الصفقة، سيستحوذ صندوق الاستثمارات العامة على حصة تبلغ 80% من النادي، ومن المُرجَّح أن يتولى ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، رئاسة الفريق.
وتؤكد مصادر The Telegraph في منطقة الشرق الأوسط أنَّ الرميان ضمن "الدائرة المقربة" لولي العهد، ووصفت المصادر المستشار الرئيسي بأنَّه أكثر هدوءاً وخبرة مقارنةً بمحمد بن سلمان.
وقال كريغ: "السعوديون في الواقع هم الأكثر شغفاً بكرة القدم في الخليج".
وفي غضون ذلك، ستحصل شركة رائدة الأعمال أماندا ستافيلي، PCP Capital Limited، على حصة 10% من أسهم الفريق، وستستحوذ عائلة روبين براذرز، وهي واحدة من أغنى عائلات بريطانيا، على الـ10% المتبقية.
فشل السعودية يصب في صالح الإمارات
في الوقت نفسه، توجد فائدة استراتيجية للإمارات ومُلّاك مانشستر سيتي في رؤية السعوديين يخوضون نفس المغامرات الخارجية، لكن فشل السعوديين فيها يجعل الإماراتيين يبدون بارعين.
يقول قطنش للصحيفة، "هناك عدم استقرار حقيقي في السعودية في حين أنَّ الإماراتيين مُخطِّطون ماليون جيدون جداً. لقد بنوا هذا على مدار 40 عاماً في وسط الصحراء، ولديهم الآن مداخيل كبيرة غير مرتبطة بالنفط. لكنَّ السعوديين ليس لديهم تلك المداخيل، ومع ذلك ها هم يدخلون هذا المشروع طويل الأجل في نيوكاسل".
يقول محلل شؤون الشرق الأوسط ومحرر موقع Arab Digest بيل لو، إنَّ محمد بن زايد أثبت نفسه مراراً باعتباره "الرأس الأكبر والأكثر حكمة. وعلى العموم، أرى أنَّ بن زايد فهم جوهر بن سلمان. فبن سلمان يتوق إلى أن يكون مركز الاهتمام. لذا قال بن زايد: (حسناً، كن أنت مركز الاهتمام). ويجلس هو في الخلفية. وأعتقد أنَّه تلاعب بمحمد بن سلمان بفعالية شديدة. وأظن أنَّه يشجعه في تلك المشروعات الفخمة. فمحمد بن سلمان منجذب لتلك المشروعات الضخمة".
أما الأستاذ كريغ من جامعة كينغز كوليدج، فيختم حديثه للصحيفة البريطانية بالقول إنَّه تحدث مع سعوديين نافذين، "ويقولون إنَّ الإماراتيين أوقعوا بهم لأنَّ السعوديين هم مَن يتلقون معظم الانتقاد في العالم الغربي، وهي انتقادات صحيحة في معظمها، في حين أسس الإماراتيون تلك السمعة النظيفة، على الرغم من حقيقة أنَّهم متورطون في الحرب في اليمن وليبيا، وانتهاكات حقوق الإنسان بحق المواطنين البريطانيين في دبي".
من جانبه، يقول بيل لو إنَّ الـ "بريمييرليغ" الآن في "مأزق صعب". ويختم حديثه لـ The Telegraph، "لقد تضررت سمعة هذا الرجل جداً بقتل جمال خاشقجي، ولن يزول هذا".