مثّلت موجة الحرارة المرتفعة في القطب الشمالي التي أوصلت درجات حرارة سيبيريا إلى نحو 37 درجة مئوية في أول أيام الصيف علامة تعجّب! فمن العجيب أن تقارب حرارة البلاد القطبية الباردة من حرارة دول الخليج.
نعرف جميعاً التفسير الذي يحذر منه العلماء منذ نحو 30 عاماً، وهي ظاهرة "الاحتباس الحراري"، فمنذ تسعينيات القرن الـ 19، تنبّأ العلماء بأنّ ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيُؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، خاصةً في القطب الشمالي حيث يزيد ذوبان الثلوج والجليد البحري من احترار المنطقة.
ولطالما أشارت النماذج المناخية طوال القرون الثلاثة الماضية إلى ظاهرة "تضخيم القطب الشمالي" التي ستنشأ نتيجة زيادة تركيزات الغازات الموجودة في الغلاف الجوي (الغازات الدفيئة) التي تقوم بامتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض (الأشعة تحت الحمراء) وتقلل ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء، ما يساعد على تسخين جو الأرض.
الآن، بعد موجة الحرارة المرتفعة في القطب الشمالي يُمكن القول إنّ تضخيم القطب الشمالي يحدث الآن على نحوٍ كبير.
إذ ترتفع حرارة القطب الشمالي بمعدلٍ يُساوي نحو ضعف معدل ارتفاع حرارة كوكب الأرض إجمالاً. ولا يخفى الأمر على أحد حين تضرب موجات حارة من هذا النوع بلاده كما حذرنا العلماء طويلاً.
1- موجة الحرارة المرتفعة في القطب الشمالي تتزايد
تصل موجات القطب الشمالي الحارة الآن إلى كوكبٍ دافئ مقارنةً بكواكب أخرى، لذا باتت تحدث بمعدلٍ أكبر من السابق.
إذ سجّلت منطقة غرب سيبيريا موسم الربيع الأشد حرارة على الإطلاق هذا العام، وفقاً لبرنامج كوبرنيكوس لرصد الأرض بالاتحاد الأوروبي.
وليس من المتوقّع أن تنتهي موجة الحرارة غير المعتادة هذه قريباً. كما تنبّأ منتدى مناخ القطب الشمالي بدرجات حرارة أعلى من المتوسط في غالبية أنحاء القطب الشمالي حتى أغسطس/آب على الأقل.
2- الموجات الحارة لا تكون مجرد موجات وتذهب!
لماذا تبقى الموجة الحارة ولا تبرح مكانها؟ لم يخبرنا العلماء بإجابةً كاملة حتى الآن، ولكن يُمكننا النظر إلى الأنماط المناخية المرتبطة التي استعرضها موقع The Conversation الأسترالي، علها تفسر الأمر.
إذ تقول القاعدة إنّ الموجات الحارة ترتبط بأنماط التيار النفاث غير العادية، والتيار النفاق هذا هو تيار الهواء الذي يتحرك بسرعة عبر المستويات العليا من الغلاف الجوي، وموجة سيبيريا الحارة ليست استثناءً لهذه القاعدة.
التأرجح المستمر للتيار النفاث في سيبيريا وضع المنطقة وسط ما يصفه خبراء الأرصاد الجوية بـ"السلسلة البارومترية"، وبطريقة أبسط فإن تأرجح التيار النفاث شمالاً بهذه الطريقة، يسمح بدخول هواء أكثر دفئاً إلى المنطقة، ورفع درجة حرارة السطح.
ويتوقّع بعض العلماء أن يؤثر ارتفاع درجات حرارة الكوكب على التيار النفاث، لأنه يتحرك بفضل التباين في درجات الحرارة. ولأن ذلك التباين يتقلص مع الاحترار السريع للقطب الشمالي، لذا يتباطأ التيار النفاث بالتبعية.
لكن هل هذا بالضبط هو ما نشهده الآن؟ العلماء لا يعرفون ذلك بعد.
3- الجليد البحري أصبح على شكل الجبنة السويسرية مع استمرار الذوبان!
نُدرك أننا نشهد آثاراً كبيرة لهذه الموجة الحارة، خاصةً فيما يتعلق بذوبان الجليد البحري السريع.
إذ يتمتّع الجليد على طول شواطئ سيبيريا بمظهرٍ يُشبه الجبنة السويسرية في صور الأقمار الصناعية الآن، مع مساحات شاسعة من المياه المكشوفة التي يُفترض في الطبيعي أن تكون ما تزال مُغطاةً بالجليد.
فضلاً عن أن حجم الجليد البحري في بحر لابتيف شمال روسيا سجّل أدنى مستوياته في هذا الوقت من العام منذ بدء عمليات الرصد بالأقمار الصناعية.
كما يُؤثّر فقدان الجليد البحري على درجات الحرارة، ويخلق حلقةً ارتجاعية. لأنه في الطبيعي، يعكس الغطاء الجليدي -والثلج- الطاقة الآتية من الشمس، ما يساعد في الحفاظ على برودة المنطقة. لكن في غياب الغطاء العاكس، يمتص قاع المحيط -والأرض- الحرارة، ما يزيد درجة حرارة السطح.
إذ وصلت درجات حرارة سطح البحر إلى معدلات مرتفعة بشكلٍ غير معتاد في بعض أجزاء ساحل سيبيريا، وستُؤدّي مياه المحيط الدافئة إلى زيادة ذوبان الجليد.
4- مخاطر ذوبان الثلج على الأراضي أيضاً
يتمثل مصدر القلق الأكبر على اليابسة في احترار التربة الصقيعية، وهي الأراضي المتجمدة بشكلٍ دائم، وهي تُغطّي غالبية التضاريس القطبية الشمالية.
وحين تذوب التربة الصقيعية أسفل المنازل والجسور؛ يُمكن للبنية التحتية في هذه المناطق أن تغرق أو تميل أو تنهار، ويُواجه سكان ألاسكا هذه المشكلة منذ سنوات. إذ كان ذوبان التربة الصقيعية هو السبب في انهيار خزانٍ نفطي أواخر مايو/أيار 2020 بالقرب من نوريلسك في روسيا، ما أدّى إلى تسريب آلاف الأطنان من النفط إلى النهر.
وفي دراسةٍ نُشِرَت العام الماضي (2019)، وجد الباحثون أن مواقع اختبار التربة الصقيعية حول العالم ارتفعت حرارتها بنحو نصف درجة فهرنهايت في المتوسط على مرّ 10 سنوات، منذ 2007 وحتى 2016.
سيبيريا؛ شهدت الارتفاع الأكبر، حيث زادت درجات حرارة بعض المناطق بمعدل 1.6 درجة، وستزيد موجة سيبيريا الحارة الحالية من تفاقم ظاهرة احترار التربة الصقيعية وذوبانها -خاصةً في حال استمرارها.
5- الخطر يهدد بعودة حرائق الغابات
تزيد الحرارة الشديد من خطورة اندلاع حرائق الغابات، التي تُغيّر المسطحات الطبيعية جذرياً بعدة طرق. إذ إنّ الغابات الأكثر جفافاً تكون أكثر عرضةً للحرائق، خاصةً بسبب البرق. وحين تحترق الغابات، تمتص التربة الداكنة المكشوفة المزيد من الحرارة وتُعجِّل بالاحترار.
وقد شهدنا حرائق غابات شديدة بطول القطب الشمالي لعدة سنوات. وفي هذا العام، تكهّن عددٌ من العلماء بأنّ بعض حرائق سيبيريا التي اندلعت العام الماضي ربما واصلت حرق مستنقعات الخث في الشتاء، قبل أن تُعاود الظهور.
المؤسف، أن تغيرات الطقس لا تكون استثنائية، بل نمطاً مزعجاً
لا شكّ أنّ موجة سيبيريا الحارة وتأثيراتها ستخضع لدراسةٍ واسعة النطاق بالنسبة للعلماء، رغم أن عدداً كبيراً من الناس سيتجاهلون الحدث بوصفه نتاجاً لنمط الطقس غير المعتاد المستمر.
لكن يجب أن نحذر دائماً حين نُفكّر مُطوّلاً في حدثٍ مناخي واحد؛ لأن الموجات الحارة تحدث. ولكن هذا الحدث يُمثّل جزءاً من نمطٍ مزعج يتكرر باستمرار.
"ما يحدث في القطب الشمالي هو أمرٌ بالغ الجدية، لذا يجب أن يدُق ناقوس الخطر لجميع المهتمين بمستقبل الكوكب كما نعرفه"، كما قال مارك سيريز، الأستاذ الباحث في الجغرافيا ومدير المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية.