في بيرغامو لا شيء يوحي بالغرابة، بينما الفريق القادم من العاصمة، الملقب بالنسور، يصارع هذه المرة لأجل التاج، لا شيء في الحقيقة يدفعك للتخلي عن أي نقطة ثمينة في السباق، حتى السلحفاة التي سابقت الأرنب ذات مرة، كانت واثقة، لم تحمل كيساً مثقوباً، لكن الأرنب هذه المرة ربما يعيد القصة، يوفنتوس الذي يبدأ بطيئاً يُنهي السباق أولاً، بينما الآخرون هم الممثلون في الخلفية.
حسناً.. دعنا لا نستبق الأحداث فكل شيء في الملعب، يمكن للأرنب أن يحقق المفاجأة، قبل السفر عبر المستقبل، سنركب رحلة تكتيكية في رحاب بيرغامو، فما الذي حدث؟
على أرض الحقيقة..
الهيكل غير مختلف إطلاقاً، غاسبيريني خاض اللقاء بثلاثي خلفي يتقدمهم أربعة في الثلث الثاني، بين الخطوط هناك مالينكوفسكي ثم بابو الحر، بينما هذه المرة كان زاباتا المهاجم المحطة ورأس الحربة في آن واحد، في غياب للقاء الثاني توالياً لايليستش.
سيموني كان وفياً لعادته، ثلاثي خلفي يتقدمهم لاعب ارتكاز محوري ثم رباعي مختلف المهام في الثلث الثاني، أما الثنائي الأمامي فيقدمان خدمة جليلة لبعضيهما وللفريق للوصول نحو الثلث الثالث.
السؤال التكتيكي المتمحور حول اللقاء: كيف صنع أحد الفريقين التفوق على الآخر في معرض فلسفي يدور حول الفكرة من اتخاذ القرار وتقسيم اللقاء إلى عدة فترات؟
الوهم المباع
كل شيء حدث سريعاً، قبل أن تلفظ الربع ساعة الأولى أنفاسها، ومن خطأين فرديين، هدف عكسي ثم تغطية سيئة تفوق لاتسيو بهدفين، وفي الحقيقة هذان التحولان يدرسان في افتكاك الكرة والسرعة في اتخاذ القرارات، سيموني فضّل اللعب على ردة الفعل، وأمام تسرّع أتلانتا مرّ كل شيء سريعاً في لمح البصر.
لكن فريق بيرغامو سيطر سيطرة مطلقة بالضغط العالي، كانوا متفوقين في افتكاك الكرة وفي الصراعات الهوائية واسترجاع الكرة الثانية بالانتشار العالي في مناطق التغطية خلف حامل الكرة، بينما في الضغط الفارق خلق بالمجازفة بوضعيات كـ 3 ضد 2 أو بتكافؤ 3 ضد 3 مع دفع حامل الكرة إلى أقصى الطرف ثم إجباره على الخطأ في التمرير.
كانت منطقة الضغط الأولى ممتدة حتى الحارس وتبدأ من أول لمس للكرة، بينما الثانية كانت تنطلق وضعيتها من الميد بلوك حتى الحارس مرة أخرى، لاتسيو بالانتشار حاولت أفكارهم خلق وضعيتين بالكرة الطولية التي بلغ عددها 72، مجبرين على لعبها أمام الضغط العالي.
هاتان الوضعيتان كانتا مبنيتين على فكرتين: أولاً خلف ظهر دفاع أتلانتا المتقدم، وثانياً في المنطقة الفاصلة بين خطوط الضغط حالة تباعدهما، السؤال هنا: ما الذي يفسّر نجاعة ضغط أتلانتا؟ في موقع هوسكورد أن 135 تمرية من مجمل تمريرات لاتسيو كانت منطقتها في الثلث الأول الخاص بهم، بينما الثلث الثالث هو الأقل.
ماذا لو أخذت منك لعبتك المفضلة؟
من المعلوم أن سيموني يمتلك مدرباً خاصاً بالدفاع، الحركة التي يتقنها الفريق، والتي لأجلها يلعب سيموني بثلاثي خلفي هو لأجل لعبة استباق المهاجم أو لاعب خط الوسط نحو الكرة قبل استلامها، أو استباقه حتى لا يستلم في أفضل الظروف، كانت هذه الطريقة إحدى نقاط القوة ضد خصم كاليوفي مثلاً أو أي فريق يفضل اللعب وظهره إلى المرمى.
هذه الفكرة هي ما صنعت الفارق لأتلانتا في مجموعة من الوضعيات، كان تشيرى دائماً مرغماً على الركض بمعدل أسرع وبخطوات أكبر نزولاً إلى الخلف للاستلام في مسحة وتوقيت أكبر، لكن دون جدوى؛ لأن رقابة رجل لرجل من الصعب الانفلات منها بسهولة حالة تباعد الخطوط، وحالة اختيار ترك الكرة للخصم واللعب على التحولات.
فماذا لو هزمتك في لعبة الاستباق نحو الكرة؟ لا فائدة من هروبك للاستلام، بل وماذا لو منحتك بعض الأمل لتصيبني في مقتل من منطقة الظهر؟ ثم كنت أذكى في تضييق نطاق تمريرتك نحو زميلك فأخطات واستعدت الكرة.. الحوار كان هكذا في غالب الأحيان في المنتصف الأول.
وحتى التنوع في التمرير كان لصالح أتلاتنا كما يبين الجدول في التعليق، وكذلك المقياس الحراري.
القطعة الناقصة
كأن تسكب الماء في الرمل، خسر لاتسيو معظم المعارك في محاولة شن هجوم منظم من الخلف، الفريق خنق في كل المناطق سواء على الأطراف أو في العمق، ولم يكن هناك مهرب من الرقابة العالية، حتى بدخول كايسيدو الذي يجيد اللعب بالظهر إلى المرمى والحفاظ على الكرة تحت الضغط بل والدوران بها، فكان رد الفعل أن يراقب بلاعبين في غالب الأحيان.
تلك الأماكن العالية في الضغط، مكّنت أتلانتا من افتكاك الكرة دائماً إما في الوسط أو في مناطق أقرب، كانت هذه مؤكدة بإحصائية دقة تمرير لاتسيو التي بلغت 75 فقط، أما خسارة مجموعة من الصراعات الهوائية حتى في الوضعيات المريحة للعب الكرة الطولية كان فيها الفوز لأتلانتا بفضل توقع مسار الكرة، ثم اتخاذ وضعية جسد مناسبة للفوز بالصراع الهوائي.
حاول سيموني أن يحول السالب إلى موجب بتسريع أنماط اللعب عبر الكرات العمودية المباشرة التي غلبت على تكتيك الفريق في الصعود بالكرة، وبالفعل نجحت هذه الفكرة في بعض الأحيان في الشوط الأول لولا أن جاسبيريني غيّر من تمركز خطوط الفريق نوعاً ما للفوز بالكرة الأولى نحو الثلث الأول، أو بفكرة أخرى بُنيت عبر تضييق مساحة الممر وقراءة مسار الكرة ثم اعتراضها مسبقاً.
أين فاز غاسبيريني؟
في لعبة مركبة كان أتلانتا فريقاً مثالياً في صناعة الفارق بالزيادة العددية، ثم التحرك المستمر، هذه المهمة منحت لبابو غوميز المتحرر في تحريك المنظومة والاستلام من أي مكان يراه مناسباً، ثم مالينوفسكي الذي يأخذ خطوة عرضية يستلم بعدها وظهره إلى المرمى ثم يراوغ بنفس الوضعية، بالاتكاء على البابو أو زاباتا أو القادمين من الخلف، هذه التقنية العالية كانت محور تفوق لأتلانتا في الثلث الأخير.
نقطة القوة كانت أيضاً في تعدد خيارات التمرير، فمن مجمل 700 تمريرة، كانت كلها متنوعة، عبر اليمين ثم اليسار، إلى الخلف أو إلى الأمام في الغالب، ثم باعتمادها على التمرير العرضي المنوم ثم فجأة بتمريرة إلى العمق، أو اختراق أحد اللاعبين إلى العمق، وبعدها إما الخروج إلى الطرف أو التسديد، أو إيجاد الحل بالتمريرات المفتاحية التي بلغت 19 تمريرة مفتاحية.
أما النقطة الأخيرة فهي متعلقة بالذهنية، كيف لفريق يخسر هدفين في أول ربع ساعة ثم يعود؟ وليست أي عودة، لقد تحكّم الفريق بكل فترة على حدة، وأجبر لاتسيو على اللعب ببلوك متأخر دون خوف من التحولات التي يمتازون بها، بل وفوق ذلك بدفاع متقدم أمام أحد أخطر الفرق بالمرتدات، لن يكون سهلاً أن تخاطر بكل هذا؛ إلا أن تكون ذا استعداد بدني وذهني، وواثقاً من قدراتك التكتيكية وأعضاء الفريق.
المنعطف الأخير
يقف جاسبيريني بعد هذا الانتصار على بُعد 8 نقاط من الثاني لاتسيو و4 خلف الثالث إنتر، العجوز لا يشبع، وبلا شك سيطمع في تحقيق مركز أفضل من المركز الرابع سابقاً، هو الآن يجهز الخطط، والأكثر من ذلك أن السعادة تعود لتعانق مدينة بيرغامو، وترسل رسالة لنسور العاصمة بأن بعض السباقات تبدأ في الجولات الأخيرة، شريطة عدم الانخداع بكيس قمح مثقوب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.