تصاعدت حالة الاستقطاب بين المكونات السياسية في الشارع السوداني بصورة غير مسبوقة، وانقسم الشارع بين مؤيد ومعارض للدعوة التي أصدرتها تشكيلات شبابية وثورية وحزبية، للتظاهر في 30 يونيو/حزيران الجاري.
أتت الدعوة للخروج في 30 يونيو/حزيران بهدف الضغط على حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية وتعيين الولاة المدنيين، وتكوين المجلس التشريعي، بينما يدعو فريق آخر إلى التظاهر؛ للمطالبة برحيل حكومة حمدوك نفسها.
وكانت تيارات شبابية مناوئة لحكومة الفترة الانتقالية في السودان، قد بادرت هي بالدعوة إلى التظاهرات، ولكن سرعان ما تبنّت مكونات محسوبة على الحكومة الانتقالية الدعوة إلى التظاهر؛،" في محاولة لقطع الطريق أمام الطرف الآخر.
وساند تجمُّع المهنيين السودانيين الذي قاد الحراك الشعبي ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الدعوة إلى التظاهر في 30 يونيو/حزيران الجاري، وهو ذاته ما فعلته عدة أحزاب سياسية داخل "الحرية والتغيير"، وأبرزها التجمع الاتحادي والحزب الشيوعي، بينما أعلن حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي مقاطعته للمظاهرات.
"تمرد" سودانية على الطريقة المصرية
ضبابية المشهد وعدم وضوح الجهات التي تتبنى الدعوة إلى التظاهر، أديا إلى حالة من الجدل حول أهداف هذه التظاهرات وماهية الكيانات التي تقف وراءها، خاصة بعدما أعلن المؤتمر الوطني- حزب الرئيس المعزول عمر البشير- أنه لن يشارك في التظاهرة.
فيما طالت الاتهامات بعض القادة العسكريين في مجلس السيادة السوداني، خاصةً رئيس المجلس الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمد حمدان حميدتي، بحجة أنهما يخططان للسيطرة على السلطة، وإقصاء المكونات المدنية عبر انقلاب عسكري، فيما رآه البعض تكراراً للسيناريو المصري الذي تعرض له الرئيس الراحل محمد مرسي.
ولفت الكاتب الصحفي المهدي عبدالكريم، إلى أن البرهان يسعى لتأسيس حركة تمرد سودانية، شبيهة بحركة تمرد المصرية، للتأثير في المشهد وتسهيل الانقضاض على السلطة.
وقال المهدي في مقال بصحيفة الراكوبة، إن "العسكريين في الحكومة الانتقالية مازالت تراودهم رغبة الانفراد بالسلطة، بإيعاز من المحور الإماراتي-السعودي-المصري، على نحو ما جرى في الانقلاب الذي قاده عبدالفتاح السيسي، خاصة بعد فشلهم في محاولة الاستيلاء على السلطة عبر فض اعتصام "القيادة العامة".
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت في تقرير نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، القوات التابعة للمجلس العسكري الانتقالي، بقيادة قوات الدعم السريع، بإطلاق النار على المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني، حيث لقي أكثر من 120 شخصاً مصرعهم.
ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الدكتور عثمان المرضي، تورّط بعض قادة مجلس السيادة من العسكريين في الدعوة إلى التظاهر في 30 يونيو/حزيران المقبل.
وأشار المرْضي، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن السودان شهد خلال الفترة الماضية عدة مظاهرات، ليست لها علاقة مباشرة بحلفاء النظام السابق، وهو ما يعني أن هناك جهات تدعو إلى التظاهر بالتنسيق مع العسكريين في السلطة.
وكشف أستاذ العلوم السياسية عن علمه بأن بعض الناشطين تداولوا مقطع فيديو أظهر مجموعة من المحتجين وهم يتحدثون مع جنرال رفيع أمام القيادة العامة للجيش السوداني، وأن أحد المحتجين قال للجنرال: "أنتم طلبتم منا التظاهر هنا، لكي تأخذوا السلطة من المدنيين، ونحن تظاهرنا لكنكم خذلتمونا".
وشدد المرْضي على أن الأحزاب الداعمة للحكومة الانتقالية سارعت بالدعوة إلى مظاهرات في 30 يونيو/حزيران؛ لقطع الطريق على نجاح المظاهرات التي دعت إليها أطراف أخرى تطالب برحيل حكومة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك.
المستفيد من خلف الستار
وخلافاً لما ذهب إليه المهدي والمرضي، فإن المحلل السياسي النور أحمد النور، استبعد وقوف عسكر السودان وراء الدعوة إلى التظاهر في مليونية 30 يونيو/حزيران، لكنه قطع بوجود مصلحة للعسكر في قيام ونجاح المظاهرة.
وقال النور لـ"عربي بوست"، إن بعض العسكريين في مجلس السيادة السوداني يمكن أن يوظّفوا المظاهرات لخدمة مشروعهم المرتبط بالأجندة الإقليمية لبعض دول الخليج، بالسيطرة كلياً على السلطة.
ولفت المحلل السياسي إلى أن مظاهرات 30 يونيو/حزيران، يمكن أن تهيئ الملعب السياسي السوداني لانقلاب غير تقليدي، يُجافي النسق المعروف للانقلابات، وذلك من خلال تغيير الحاضنة السياسية والشعبية للحكومة الحالية.
وتوقع النور أن تقود المظاهرات المقبلة، إلى رسم واقع سياسي جديد، ربما يؤدي إلى إبعاد قوى اليسار من الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية؛ لكونها ظلت تهاجم العسكريين باستمرار، وتنتقد تدخُّل الإمارات والسعودية في الشأن السوداني.
هنا يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الدكتور عثمان المرضي، إن المشهد في 30 يونيو/حزيران سيكون مقسوماً بين طرفين، وإذا تمكنت التيارات المناوئة للحكومة من حشد عدد أكبر من، أو يساوي عدد المتظاهرين الداعمين للحكومة، فإن ذلك سيولّد واقعاً جديداً في السودان.
ولفت المرضي إلى أن العسكريين في مجلس السيادة، إن فشلوا في السيطرة كلياً على السلطة، فالراجح أن يلجأوا إلى تعديل موازين القوة السياسية، بتقليص دور أحزاب اليسار كحاضنة سياسية لحكومة حمدوك، أو ربما تهيئة الملعب السياسي لمصالحة تنضم بموجبها بعض التيارات الإسلامية التي دعمت الثورة، إلى الحكومة.
لكن أستاذ العلوم السياسية عاد وشدد على أن العسكر يمكن أن يضحوا بالطرفين خارج المعادلة السياسية، وأن ينفردوا هم بالسلطة، من منطلق أن حالة الاستقطاب بين المكونات السياسية يمكن أن تقود إلى الفوضى.
العسكر في دائرة الاتهام
حالة التشابه بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني المصرية وثورة ديسمبر/كانون اﻷول السودانية، في بعض التفاصيل، جعلت كثيرين ينظرون بريبة شديدة إلى ما وراء تظاهرات 30 يونيو/حزيران في السودان.
فالكاتب الصحفي والمحلل السياسي، حسين ملاسي، يرى أن هناك تشابهاً إلى حد التطابق، بين ما حدث في مصر وما يمكن أن يحدث بالسودان يوم 30 يونيو/حزيران.
وقال ملاسي لـ"عربي بوست"، إن "تكرار سيناريو 30 يونيو/حزيران المصرية ونموذج السيسي في السودان يبدو الآن أقرب من أي وقتٍ مضى".
وأضاف: "هم لا يريدون استنساخ ما حدث في مصر فقط، بل يريدونه في التاريخ نفسه".
ولفت ملاسي إلى أن السيناريو المصري جرى في أكثر من مشهد بالسودان، بداية من خروج المصريين رفضاً للتوريث، وخروج السودانيين رفضاً لتعديل الدستور بما يسمح للرئيس السابق عمر البشير بالترشح مجدداً، مروراً بفض اعتصام رابعة بالقاهرة، وفض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم.
وأكد حسين أن هناك أكثر من شاهد على وجود علاقة بين العسكر والدعوة إلى التظاهر من بعض المكونات الشبابية والحزبية، منوهاً إلى أن آخر مظاهرة شهدتها الخرطوم برهنت على أن العسكر، إما أنهم وراء التظاهر، وإما أنهم راضون عنه، طامعون في توظيفه لخدمة أهدافهم.
وقال: "ذلك لأن المتظاهرين تسللوا إلى وسط الخرطوم على الرغم من الحظر الشامل بسبب جائحة كورونا، كما أنه لم يتم قمعهم بالسلوك ذاته الذي يبرز من الأجهزة الأمنية السودانية تجاه المحتجين".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه لم يصدر -حتى الآن- أي تحذير عسكري تجاه مظاهرة 30 يونيو/حزيران المرتقبة، ولو من باب التخويف من انتشار فيروس كورونا المستجد، وهو ما يُفهم منه أن هناك درجة من غض الطرف عنها، إن لم تكن من تدبير العسكر.
وتوقع حسين ألا يلجأ المتظاهرون إلى منح العسكر في السودان تفويضاً لتسلُّم السلطة، إنما منحهم تفويضاً لتعديل الوثيقة الدستورية التي تأسست عليها الشراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، واستبعد وقوع انقلاب شامل، "لأن ذلك صعب".
وأضاف: "يمكن أن يُقْدم العسكريون على تغيير الحاضنة السياسية للحكومة، مع الإبقاء على رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، وتشكيل حكومة تصريف أعمال لا علاقة لها بقوى الحرية والتغيير".
إلى ذلك، أعلن المؤتمر الشعبي، أحد أبرز أحزاب الإسلاميين في السودان، تأييده لمظاهرات 30 يونيو/حزيران، لكنه شدد في الوقت ذاته على أنه لن يدعم أي انقلاب عسكري يترتب عليها.
وقال الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، عبدالوهاب سعد: "إننا ندعم الحركة الجماهيرية التي تسعى لإسقاط الحكومة الحالية، لكننا نحذرهم في الوقت نفسه، من القوة التي سرقت الثورة سابقاً، والتي تسعى للسيطرة على مليونية 30 يونيو/حزيران، للانفراد أكثر بالسلطة".
لا تعليق
على الجهة الأخرى رفض اللواء الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة، التعليق على الاتهامات الموجهة إلى المجلس حول وجود تنسيق بين العسكر وبعض المكونات الشبابية الداعية إلى التظاهر في 30 يونيو/حزيران.
واكتفى أبو هاجة في حديثه مع "عربي بوست"، بالقول إن الوقت غير مناسب للتعليق على أي شيء يخص مظاهرات 30 يونيو/حزيران.