يبدو أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني سيواجه أخطر قراراته على مدى عهده الممتد لـ21 عاماً، كما يقول المحللون لموقع Voice of America الأمريكي، وذلك في حال مضت إسرائيل قدماً في خططها الرامية إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية في 1 يوليو/تموز، كما كان قد أعلن ذلك سابقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولما كان الأردن أحد شريكي السلام العرب الوحيدين بالنسبة للدولة اليهودية، يقول المحللون إن مثل هذا التحرك الإسرائيلي يمكن أن يثير رداً متقلباً من الشعب الأردني، الذي يعتبر معظمه من أصول فلسطينية، ويوقع على شهادة وفاة حل الدولتين، الذي أيده الملك الأردني بهدف حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الممتد منذ عقود.
الضم المتوقع في الأول من يوليو
يشاهد المحلل الأردني أسامة الشريف زيادة المعارضة داخل إسرائيل ضد تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية، التي احتُلت منذ عام 1967، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية ومناطق يسكنها في الأساس الفلسطينيون. أدان الفلسطينيون أي خطط ضم، وحثوا المجتمع الدولي على فرض عقوبات على إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطين.
ويقول الشريف إن أعضاء من حكومة الوحدة في إسرائيل، إضافة إلى جنرالات سابقين في الجيش ومسؤولين أمنيين سابقين، حذروا من التكاليف السياسية والتهديدات التي ستنال من أمن إسرائيل على المدى الطويل. وعارض آخرون الخطة التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأنها تدعو كذلك إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
وأوضح الشريف في حديثه مع موقع Voice of America أن نتنياهو ربما يتوجب عليه التراجع عن قراره. وأضاف: "يبدو الآن أننا نتحدث عن "الضم المُخفف"، وهي نسخة مُقلصة بدرجة كبيرة من النسخة التي كانت يقترحها نتنياهو فعلياً. يعد نتنياهو انتقائياً، فيأخذ ما يريد من خطة ترامب للسلام ويترك الباقي. إذا حدث الأمر في الأول من يوليو/تموز، فسوف يكون رمزياً للغاية، قد يقتصر على بسط الهيمنة على مستوطنتين إسرائيليتين تحيطان بالقدس. وسوف يستثنى على الأرجح غور الأردن في هذه المرحلة. الأمر كله يمر بتغيير اتجاه بسبب الانقسامات".
الملك يرفض اتصالات نتنياهو المتكررة
في الشهر الماضي، أشار الملك عبدالله خلال حديثه مع مجلة Der Spiegel الألمانية إلى أنه "في حال ضمت إسرائيل فعلياً الضفة الغربية في يوليو/تموز، فقد يؤدي هذا إلى صراع مع المملكة الأردنية الهاشمية". وأوضح أنه كان يدرس "جميع الخيارات".
يقول بروس ريدل، الباحث البارز في معهد بروكينغز بواشنطن، إن هذه الخيارات قد تتضمن إلغاء معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المبرمة في 1994، بجانب الاتفاقات الأمنية، وإضافة إلى إنهاء اتفاق بقيمة 10 مليارات دولار، ويقضي بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن، وهو اتفاق لم يلق قبولاً شعبياً، أو قد تتضمن سحب السفير الأردني من تل أبيب.
وحول الغضب الأردني، تقول صحيفة يديعوت أحرنوت الثلاثاء، نقلاً عن مسؤول سياسي كبير في القصر الأردني، إن الملك عبدالله رفض التحدث إلى نتنياهو بعد إبلاغه بأنه يريد التحدث معه حول خطة الضم، ويروي المسؤول الكبير أنه "عندما اتصل نتنياهو بمكتب الملك، قيل له ببساطة إن الملك ليس موجوداً، وإن الملك لم يرد على الهاتف طوال الساعات اللاحقة".
مساعٍ أردنية قبل فوات الأوان
في الوقت ذاته، بذل الأردن مساعي حثيثة لمحاولة استباق خطوة الضم، وتحركت كذلك الضغوط الدولية. فقد وصفت ألمانيا خطة إسرائيل الرامية إلى ضم الضفة بأنها "تتعارض مع القانون الدولي"، وقالت إن منعها يعد "أولوية".
فيما حذر السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، إسرائيل من أن "الضم سوف يقلب على الفور طموحات إسرائيل بتطوير العلاقات مع العالم العربي ومع الإمارات، رأساً على عقب".
وقال الشريف إن الملك عبدالله خفّف من حدة خطابه "لأنه يشاهد كذلك النقاشات على الجانب الإسرائيلي حول موضوع الضم".
أضاف الشريف: "الأردن، ومصر، والسعودية، والإمارات، عبروا جميعاً عن مستويات مختلفة من رفضهم للضم وعواقبه الوخيمة على استقرار المنطقة، ناهيك عن ذكر رد الفعل الفلسطيني في نهاية المطاف".
إذ يعتقد الأردن وبلاد عربية أخرى أن الضم سوف يغلق الباب أمام مستقبل قابل للاستمرار لإقامة دولة فلسطينية، وقد يشتعل معه تصعيد غير مسبوق من جانب الفلسطينيين.
الانقسام الإسرائيلي
وفي إسرائيل، يواجه نتنياهو مشكلة مزدوجة حول ضم الضفة، فالإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، يعارضون مثل هذا الضم الكامل وتوقيته الآن، خوفاً من استفزاز العالم العربي، ويحثون نتنياهو على القبول بضم جزئي.
على الجانب الآخر، فإن رئيسي "أزرق وأبيض"، وزير الحرب بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي يرفضان أيضاً الضم على نطاق واسع، ومستعدان لخطوة محدودة، خطوة لن تؤدي إلى إشعال النار في الإقليم، ولن تضر بالعلاقات مع الأردن. كما يرفض الاثنان إعلان نتنياهو في 1 يوليو/تموز، الذي سيفاجئ الجميع، ويريدان منح جميع الأنظمة -الجيش الإسرائيلي، والأجهزة الأمنية ووزارة الخارجية- الوقت للتحضير وإعداد الأرض والساحة الدولية.
في غضون ذلك، أدت الأزمة السياسية في الائتلاف إلى تأجيل البت بالجدل حول قضية الضم. في اجتماع لحزب الليكود الإثنين، إذ قال نتنياهو: "لا أعرف بالضبط موقف الأزرق والأبيض من الضم. لم أحصل على أي إجابات". بينما قال غانتس إن "خطة ترامب مهمة، وتقدم نهجاً واقعياً لكيفية بناء مستقبل مستقر في المنطقة، واعتزم الترويج لها قدر الإمكان بأكثر طريقة مسؤولة"، مضيفاً أن "الخطة تعني القيام بذلك بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين، وبالطبع مع الشركاء المحليين، مع توافق في الآراء في المجتمع الإسرائيلي، وبالتنسيق الكامل والدعم من الولايات المتحدة".
توصية أردنية أخيرة للإسرائيليين
أوضح الأردن مراراً أنه لن يوافق على ضمٍّ من أي نوع -لا ضماً كبيراً ولا صغيراً- لأنه يراه انتهاكاً للقانون الدولي، واحتلالاً للأراضي الفلسطينية. وتقول "يديعوت أحرنوت"، أن مسؤولون في المملكة، أوصوا الإسرائيليين "بقراءة ما كتبه سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة، في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتعمق".
وكان سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، قد نشر مقالاً الجمعة الماضية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يحذر فيه من أن ضم إسرائيل المعتزم لأجزاء من الضفة الغربية "سيقوض التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي والإمارات". وجاءت هذه الرسالة بعنوان "ضم أو تطبيع". وتعد تحذيراً غير مسبوق من بلد لا تجمعه علاقات بإسرائيل، ولكن العلاقات معه لها إمكانات فريدة على ما يبدو، كما تقول صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
ورأت الصحيفة في مقالة العتيبة المنشورة بالعبرية "رسالة هامة يجب الوقوف عندها"، إذ بدت وكأنها "تحذير من زميل أكثر من كونه خصماً". وجاءت بنبرة معتدلة دون تهديدات. وهذه النقطة مهمة لأنها تترك مجالاً للمناورة في سياق الضم ومناقشات "التطبيع". ولم يبدُ أنها ترسم خطاً أحمر، بل بدت أشبه بهذا النوع من التأنيب اللين الذي اعتادت عليه دول الخليج. وهذا يعني أن "الضم قد لا يعطل العلاقات بالكامل"، كما تقول الصحيفة.