لا تزال تداعيات وباء كورونا وتراجع أسعار النفط على الموازنة العامة للسعودية تتكشف رويداً رويداً، ويبدو أن إجراءات التقشف الاجتماعي التي اتخذتها الرياض لم تكن بصعوبة قرارات أخرى تتعلق بشراء الأسلحة، فكيف تتعامل المملكة مع أولوياتها الأمنية والعسكرية؟
موقع Business Insider الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "جائحة كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط يعنيان أن السعودية سوف يتوجب عليها أن تعيد التفكير في أولوياتها العسكرية"، ألقى الضوء على تداعيات وباء كورونا وانهيار أسعار النفط على صانع القرار في السعودية في مجالٍ غايةً في الحساسية.
الأمن مقابل التقشف
بينما تواجه تناقص الإيرادات في الربع الأول من عام 2020، قد تخفض الرياض أو تؤجل مشترياتها الكبيرة من الأسلحة، إضافة إلى تعديل الجداول الزمنية لمدفوعات وتسليمات صفقات الأسلحة الموجودة بالفعل في موازنتها العسكرية.
ويتوقع الآن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، بما يصل إلى 3.2% في عام 2020. وقد أذنت المملكة فعلياً بخفض الإنفاق بحوالي 26.6 مليار، ورفعت ضريبة القيمة المضافة بثلاثة أضعاف، وأنهت بعض أنواع الرهن العقاري وإعانات بدل المعيشة.
فمنذ أن تولّى الملك سلمان الحكم في 2015، خفضت السعودية باستمرار حصتها من الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لتنخفض من 13.3% في 2015 إلى 8% في 2018، كما انخفض إنفاق الجيش السعودي انخفاضاً أكبر عن طريق جهود الرياض الرامية إلى الإنهاء التدريجي لدورها في الحرب الأهلية باليمن.
وسوف تظل السعودية ملتزمة بضمان أن يدعم الإنفاق العسكري عقدها الاجتماعي مع مواطنيها السعوديين، وأن تكون قادرة على مجابهة التهديدات الداخلية.
ومن أجل الحفاظ على الأمن الداخلي لا يرجح أن تأذن الرياض بخفض كبير في موازنة تمويل رئاسة أمن الدولة في المملكة، التي تعد مسؤولة عن الحماية الشخصية لشخصيات بارزة من العائلة الملكية، أو من موازنة تمويل الحرس الوطني السعودي، الذي تسيطر عليه القبائل السعودية.
إذ ليس من المرجح أن تغير المملكة من هياكل الأجور والمعاشات للموظفين السعوديين في أقسام أخرى من الجيش السعودي؛ كي تضمن أن يتمكن الجنود وعائلاتهم من الصمود أمام الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها الجائحة.
وبالرغم من هذا، قد تستهدف السعودية خفض عدد قليل من الجنود في جيشها مع مرور الوقت، مثلما فعلت بين عامي 2010 و2015 (إذ انخفضت أعداد أفراد الجيش من 233,500 إلى 227,000)، وذلك عن طريق الإنقاص عبر التقاعد وخفض أعداد التجنيد.
وسوف تواصل السعودية كذلك اعتمادها على الولايات المتحدة لتقود ردع التهديدات الخارجية الرئيسية في المنطقة، مثل التهديدات القادمة من إيران.
قطاع الدفاع السعودي
وحتى إذا أبطأت أو أرجأت تطوير قطاع الدفاع لديها فسوف تواصل السعودية على الأرجح عملها نحو تحقيق هدفها بموجب رؤية 2030، المتمثل في تطوير صناعة أسلحة مستقلة تستطيع داخلياً تلبية احتياجات المملكة الدفاعية خلال السنوات الـ10 القادمة.
وليس من المرجح أن يتحقق هذا الهدف، نظراً إلى أن صناعات الأسلحة المحلية في السعودية لم تلبِّ إلا 2% فقط من احتياجاتها الدفاعية في 2018، لكن الشركات المملوكة للدولة مثل الهيئة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية يرجح أن تحصل برغم ذلك على دعم متواصل من الدولة، بسبب دورها المحوري في توسيع نطاق اقتصاد السعودية غير المعتمد على النفط، وهو هدف رئيسي آخر من أهداف رؤية 2030.
ويوظف قطاع الدفاع بالفعل آلاف السعوديين، وسوف يحفز هذا الرياض على مواصلة دعم الهيئة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية، والشركات المحلية الأخرى لضمان قدرة هذه الشركات على الاستمرار والنمو وخلق مزيد من فرص العمل.
والأرجح أن الرياض سوف تتجنب إبرام صفقات سلاح جديدة من الخارج، وسوف تفضّل الانتظار حتى يتيح لها تحسن الظروف الاقتصادية شراء نظام أسلحة باهظ الثمن، وسوف تواصل المملكة كذلك تأجيل مدفوعاتها لصفقات الأسلحة القائمة بالفعل، بما فيها اتفاقها مع الولايات المتحدة لشراء أسلحة أمريكية بقيمة 110 إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2027.
أنفقت السعودية فعلياً 4 مليارات دولار في عقود صفقات الأسلحة الأجنبية على مدار العامين الماضيين، وهو أقل بكثير من متوسط الإنفاق السنوي المتوقع، المُقدّر بـ11 مليار دولار سنوياً، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، قالت أيضاً شركة الدفاع المستقرة في الولايات المتحدة General Dynamics، إن الرياض كانت متأخرة عن دفع حوالي 3.4 مليار دولار مقابل مشتريات من مركبات مدرعة خفيفة كندية، ما يشير إلى أن السعودية قد تفكر في إبطاء مدفوعات العقود الدولية الأخرى بخلاف عقودها مع الولايات المتحدة.
وبخلاف احتمالية طول مدة التعافي من جائحة كوفيد-19 وانخفاض الأسعار، قد يواجه كذلك تطوير الدفاع في السعودية عن قريب تحدياً يتعلق بتولي السلطة في الولايات المتحدة إدارة أقل مودة مع المملكة.
وخضعت العلاقات الأمنية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والسعودية لتدقيق مكثف في واشنطن بسبب سجل حقوق الإنسان المثير للجدل في المملكة، وفي تصويت من الحزبين في عام 2019، اتخذ الكونغرس الأمريكي خطوة نحو حظر مبيعات الأسلحة في حالة الطوارئ، وهو ما اعترض عليه ترامب في نهاية المطاف.
أما جو بايدن، الخصم الرئيسي لترامب، والمرشح الافتراضي للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المنتظر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد أظهر شواغل مماثلة بشأن العلاقة الوثيقة بين البيت الأبيض والرياض. وقال بايدن، ضمن تصريحات أخرى، إنه سيجعل المملكة "منبوذة"، وذلك خلال نقاش في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وفي حالة نجاحه في هزيمة ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فسوف تكون الرياض أقل اعتماداً على مبيعات الأسلحة الأمريكية.