أسهمت وسائل الإعلام المرئية في تقدم المجتمعات كونها مصدراً من مصادر تثقيف الإنسان وترفيهه، ويكُمن دور الإعلام المرئي في تغيير السلوكيات والمفاهيم وتبادُل المعلومات بين المجتمعات العالمية، حيث إن وسائل الإعلام المرئية تُسهم في رفع مستوى الوعي والثقافة لدى الإنسان، بدءاً بالفرد وانتهاءً بالمجتمع الدولي.
وتلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في حياتنا اليومية بشكل كبير، حتى إنها أصبحت أداة التوجيه الأولى للفرد، والتي تراجع أمامها دور الأسرة، وتلاشى أيضاً دور المدرسة، فأصبحت الأسرة والمدرسة والجامعة جميعها في قبضة الإعلام. وسائل الإعلام هي عصب الاتصالات بين الدول، حيث إن وسائل الاتصال المرئية بما فيها من التلفاز واليوتيوب تجتذب لها العين والأذن في آنٍ واحد.
وضمن خطط وسائل الإعلام صممت برامج رسوم متحركة "الكرتون" خصيصاً للأطفال، وتراها تتواجد على قنوات اليوتيوب بكثرة، وعدد مشاهدات الفيديو الواحد قد يتجاوز حاجز الـ100 ألف مشاهدة، ومن القنوات التي تبث هذا المحتوى قناة تُسمى "قصتي"، تستخدم إيحاءات جنسية فاضحة، وقبلات الفم، والمدهش والمخزي أنها تُبث باللغة العربية الفصحى.
فنجد الآن الكثير من الأهالي يضعون أطفالهم أمام التلفاز لمشاهدة فيلم، أو يعطونهم الموبايل للدخول إلى اليوتيوب من أجل إشغال الطفل، لتتمكن والدته من إنجاز الأعمال المنزلية، أو غيرها، ولا تمارس أي رقابة من الأسرة على الأطفال، حيث إنهم وجدوا التلفاز واليوتيوب بديلاً مؤنِساً عن أُم تخلَّت أو أب مشغول، فأصبحت مشاهدة اليوتيوب والتلفاز أهم النشاطات في حياة الطفل.
أصبحت الكثير من برامج الرسوم المتحركة تتضمن مشاهد عنف، وجنس، وقتال، والقبلات، والكلام الفاحش، والسلوك المشين، وهذا يرسخ في عقول الأطفال ويدفعهم إلى تعلمه ومحاولة تقليده، والبعض منهم يرتكب الجرائم لتحقيق رغباته، ويمكن القول إن العالم العربي شهد العديد من الجرائم التي كان أبطالها الأطفال.
كثيراً من الأُسر لا تنتبه لخطورة ما يشاهده أطفالهم، فهناك الكثير من مضامين الرذيلة، والفاسقة، والكلمات الخادشة للحياء التي تنتشر على قنوات اليوتيوب في الآونة الأخيرة، والتي تهدف إلى نشر الرذيلة بين الأطفال وتدمير المجتمعات، ولا شك أن الأطفال لديهم سرعة تفاعل رهيبة مع الشيء، والحرص على تقليد كل ما يشاهدونه، حيث إن الطفل يتعلم ويتفاعل بسرعة مذهلة، أي أن "حصيلة ما يتعلمه الطفل من معلومات ما بعد الفطام إلى سن البلوغ (الرابعة عشرة) تفوق كل ما يتلقاه بعد ذلك من علم ومعرفة بقية عمره، مهما امتد عشرات السنين".
لم يبقَ للطفولة أي براءة، ها هو عالم الطفولة قد شوّهوه وأضاعوا براءته، فكل هذا ما هو إلا صَهْرٌ للوعي، وتجريدٌ تام من الموروث الأخلاقي، والابتعاد عن الأنظمة الاجتماعية والتعاليم الإسلامية التي تراعي الحياء والعفة.
ومن المعروف أن الطفل يقلد كل ما يشاهد أمامه أو يسمعه نظراً لفطرته الصافية، فيميل إلى تقليد الشخصيات في لباسها وحركاتها وتصرفاتها، فيسرق ويخدع ويكذب ويحتال، ويضرب الآخرين، ويسخر، ناهيك عن سلوكيات الحقد وحب الانتقام التي من الممكن أن تنمو لديه.
وعندما يصبح الطفل مولعاً بمشاهدة اليوتيوب والتلفاز، وخاصة البرامج، بالطبع سيصدقها ويتعلق بها أكثر من تعلقه بوالديه، وبالتالي تتلاشى علاقة الطفل بأسرته، حيث إنهم اكتفوا بالرسوم والفيديوهات عن حكايات الوالدين والجدة، فلا تسامر ولا ضحكات بين الإخوة، كل منهم يشاهد برنامجه الخاص به، لا يتحدثون عن المدرسة ولا الدراسة، ولا يكونون على استعداد لتقديم الامتحانات، علاقاتهم بالأصدقاء محدودة، وهذا يعيق تشكل شخصية الطفل ويضعف من قدرته على المطالعة والحوار مع الآخرين. يمكن من خلال الرسوم المتحركة التي تتضمن مشاهد جنسية أن تجعل الغريزة الجنسية لدى الطفل تتحرك في سن مبكرة وتقتل فيه الطهارة والبراءة، فالطفل الذي يشاهد هذه الإيحاءات الجنسية قد يندفع نحو ممارستها ويسقط في الرذيلة، ما يدفعه لمعرفة الأكثر والأكثر من خلال أصدقائه أو أقربائه أو الصحف والمجلات، أو حتى الفيديوهات الموجودة على قنوات اليوتيوب، وبالتالي تقوم بكسر حاجز الحياء بين الجنسين، وتشوه أدوار كل منهما في الحياة، وهذا ما يُفسر لنا مشاهد العري والاختلاط المحرم، التي بدأت تنتشر في المجتمعات.
يقول الباحث والتربوي محمود استانبولي: "لا تجوز مشاهدة الرسوم الكرتونية إذا كانت عارية أو إباحية، سواء كانت متحركة أو ثابتة، لما في ذلك من الدعوة إلى الرذيلة وسوء الأخلاق، ودعوى التعلم من هذه المناظر القبيحة لا يجعل النظر إليها حلالاً".
وتؤكد الكاتبة كوثر كمار أن مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة لساعات طويلة تؤدي إلى الوقوع في فخ الإدمان، وفق ما أكدته دراسة أجراها علماء جامعة "جون هوبكنز" بالولايات المتحدة. وتأتي هذه الدراسة لتعزز نتائج العديد من الدراسات الأخرى، التي أظهرت غالبيتها التأثير السلبي الفادح على الأطفال من جراء قضاء ساعات طويلة أمام التلفزيون. كما كشفت دراسة بريطانية أن الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام التلفزيون، وخصوصاً البرامج المخصصة للكبار، يعانون من ضعف وتدهور واضحين في قدراتهم اللغوية عند وصولهم إلى سن الدراسة، وفسرت الدراسة هذه الظاهرة بأنها نتيجة احتواء برامج الكبار على ألفاظ كثيرة وعبارات متنوعة، لا يفهم الطفل معناها، ولا يستطيع مجاراتها بما يملك من قدرات لغوية بدائية.
وللحدِّ من هذه الآثار المترتبة على مشاهدة الرسوم المتحركة التي تحتوي على الرذيلة، يمكن أن تتم مشاهدة الأفلام بحضور الأهل وجلوسهم مع أطفالهم وقت المشاهدة، بالإضافة إلى تحديد وقت للمشاهدة لا يزيد عن ساعتين، واختيار البرامج التثقيفية المفيدة، ومحاولة إشغال الطفل بتنمية مهاراته عن طريق القراءة واللعب وركوب الخيل والسباحة، وممارسة الرياضة أو الرسم، وتشجيع الطفل على تكوين علاقات اجتماعية مع أصدقائه، وزيادة التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.