استنزفت الإمارات العربية المتحدة، جزءاً هاماً من سيولتها المالية خلال السنوات العشر الماضية، على التسلح والانفاق على الحروب والانقلابات في المنطقة، في وقت لم تشارك فيه البلاد بأية عمليات عسكرية رسمية، إلا في اليمن.
لكن التدخلات الإماراتية في دول مثل ليبيا على سبيل المثال، جعل منها ممولاً رئيساً للحرب هناك وتصاعد حدة التوترات السياسية والأمنية، ضد جهود دولية لإطفاء نار الحرب المشتعلة منذ سنوات.
وبلغت واردات الإمارات 4.98 مليار دولار آخر خمسة سنوات، أي منذ 2015 وحتى 2019، بالتزامن مع دخولها حرباً في اليمن ضمن تحالف دولي. ولا تشمل تلك البيانات، أية نفقات إضافية على قواتها العسكرية، أو تمويل أية توترات سواء في ليبيا أو اليمن.
بذخ في الإنفاق على التسلح رغم الأزمة الاقتصادية
تُظهر بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، أن الأرقام تأتي، على الرغم من تراجع واردات الإمارات من الأسلحة 46% في 2019 إلى 644 مليون دولار، بعد ارتفاعها 24% في 2018 عند 1.2 مليار دولار.
ومنذ 26 مارس/آذار 2015، يشن التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات عمليات عسكرية في اليمن ضد الحوثيين بعد بسط نفوذهم على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى بقوة السلاح.
وحسب مسح لوكالة "الأناضول" استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على قرابة ثلثي قيمة الأسلحة التي استوردتها الإمارات خلال الفترة المذكورة، حيث بلغ نصيبها 3.37 مليارات دولار، تمثل 67.7% من واردات السنوات الخمس. وتُعد الإمارات أحد أكبر الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة في 2016.
والإمارات، ثالث أكبر منتجي النفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بعد السعودية والعراق، بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً. وتتضرر إيراداتها منذ منتصف 2014، وتعمق ذلك مع فقدان الخام ثلثي قيمته خلال الربع الأول من 2020، في أسوأ أداء فصلي على الإطلاق بسبب جائحة "كورونا".
وتوقع مصرف الإمارات المركزي ،الأربعاء، انكماش اقتصاد البلاد 3.6% هذا العام بعد تباطؤ النشاط الاقتصادي بسبب جائحة فيروس كورونا. وتوقع البنك انكماش نمو غير قطاع الطاقة 4.1% في 2020، والناتج الإجمالي لقطاع النفط والغاز 2.4% هذا العام.
ولمواجهة "كورونا" كانت حكومة أبوظبي قد أعلنت عن حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 13.5 مليار دولار، كما اتخذت حكومة دبي مجموعة من الإجراءات لدعم قطاعات الطيران والعقارات.
2015 ذروة التسلح الإماراتي
سجلت واردات الإمارات من الأسلحة ذروتها في عام 2015 عند 1.22 مليار دولار، ثم تراجعت 22% إلى 955 مليون دولار في 2016. وفي 2017 ارتفعت 1% إلى 965 مليون دولار، و24% إلى 1.2 مليار دولار في 2018، بينما انخفضت 46% إلى 644 مليون دولار.
وتطورت حصة الولايات المتحدة من 66.4% في 2015، إلى 69% في 2016، و62.5% في 2017، و76.5% في 2018 (أعلى حصة من الواردات العالمية)، فيما بلغت 59.5% في 2019.
في المقابل، وبتاريخ 19 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت إمارة أبوظبي عن إصدار سندات سيادية متعدّدة الشرائح، بقيمة إجمالية بلغت سبعة مليارات دولار أميركي (نحو 25.7 مليار درهم).
بينما في 2 يونيو/حزيران الجاري، أعلنت أبوظبي، إصدار سندات سيادية متعدّدة الشرائح بقيمة إجمالية بلغت 3 مليارات دولار، وذلك من خلال إعادة فتح برنامج إصدار السندات الذي طرحته مؤخراً.
هل تتراجع وتيرة الإنفاق الإمارات على الحروب والانقلابات في المنطقة؟
على الرغم من فشل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا و هزائمه المتتالية، فمن المتوقع أن تواصل الإمارات، إنفاق المزيد من الأموال لدعم قوات حفتر وتسليحه بأسلحة ثقيلة ونوعية من مخازنها، أو توريدها من دول أخرى لصالحه بغطاء دبلوماسي فرنسي ودعم لوجستي روسي.
وبصفته الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يستحوذ على حقول نفط إمارة أبوظبي التي تشكل ما يصل إلى 6% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، حسب تقارير.
وعلى الرغم من صغر مساحتها تستحوذ دولة الإمارات على ما يصل إلى 3.4% من حجم الإنفاق العسكري في العالم، وهي ثامن أكبر دولة بحجم الإنفاق العسكري في العالم ما بين عامي 2015 و2019.
ومن المتوقع أن تخفض الإمارات حجم إنفاقها العسكري هذا العام بسبب تداعيات أزمتي جائحة كورونا وحرب الأسعار، ما يلقي بظلاله على الأداء العسكري المتوقع لأتباعها في ليبيا أو اليمن. وهو ما سينظر إليه على أنه هزيمة لمشروع الإمارات في هذه الدول.
وبحسب الأناضول، دفعت الإمارات خلال السنوات الماضية لتمويل حروبها الخارجية – من دول غير الولايات المتحدة – أثمان أنظمة دفاع جوي روسية من طراز "بانتسير"، ومروحيات من جنوب إفريقيا وأعداد أخرى من جمهورية بلاروسيا، وطائرات مسيرة روسية وصينية، بالإضافة إلى طائرات نقل عسكري روسية الصنع، مع كميات من الذخيرة والصواريخ المضادة للدروع من عدة مصادر بينها الأردن.
إلى جانب ذلك، توفر الإمارات مقاتلين أجانب "مرتزقة" من جنسيات عدة تتولى نقلهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حفتر، بينهم مرتزقة "فاغنر" الروسية وميليشيا الجنجويد السودانية ومن تشاد وجنوب إفريقيا وكولومبيا ودول أخرى.
ماذا تريد الإمارات بعد إنفاق كل هذه الأموال، وماذا جنت؟
التدخلات الإماراتية في دول المنطقة، المصحوبة بإنفاق مالي كبير تتعدى دعم الانقلابات العسكرية، كما في دعم الانقلاب في مصر عام 2013، إلى خوض حروب الوكالة في الصومال وأفغانستان ضد تنظيمات جهادية، وإلى اليمن لدعم القوات الانفصالية في عدن والجنوب، وإلى ليبيا لدعم خليفة حفتر في حربه على الحكومة الليبية، وإلى دول أخرى لتأمين وحماية مصالح الإمارات وشركاتها العابرة للحدود.
وأدى الإنفاق المالي الإماراتي المتزايد على حروبها الخارجية إلى أزمة اقتصادية فاقم منها عاملان آخران، هما: جائحة كورونا التي تسببت بإغلاق كامل للنشاط الاقتصادي، وحرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا التي أدت لتراجع حاد بالأسعار، حيث تشكل عائدات النفط أكثر من 90% من إيرادات دولة الإمارات. ودفع تراجع إيرادات النفط الإمارات للاقتراض وإصدار سندات سيادية بقيمة 7 مليارات دولار.
وقد تحاول الإمارات القفز على خسارتها "الحتمية" في ليبيا من خلال تشجيع حفتر على فرض أمر واقع في الشرق الليبي بما يشبه حالة التقسيم، أو السعي باتجاه تقسيم ليبيا إلى دولتين أو أكثر، مع استمرار استحواذه على الثروات النفطية ودعم تتويجه كمصدر شرعي للنفط إلى الأسواق العالمية، بما يضمن للإمارات مساحة أكبر من عمليات إنتاج النفط وتسويقه من مناطق الهلال النفطي، لتعويض ولو جزء يسير من خسائرها الضخمة.