مع تخفيف الإجراءات الهادفة لوقف تفشي وباء كوفيد-19 في دبي، يتحضّر قطاع السياحة فيها للانطلاق من جديد، إلا أن متطلبات الحماية من الفيروس تؤخّر عودة عامل الإبهار الذي تشتهر به الإمارة الخليجية.
وفي أحد المطاعم الراقية بدبي، أصبح يقدم الطعام بصحون ورقية، والشراب بأكواب بلاستيكية، في حين يتقيد العاملون بوضع كمّامات وقفازات ضمن إجراءات الحماية من فيروس كورونا المستجد، وقد تم ترك مسافة مترين بين طاولات المطعم المعروف بأجوائه الصاخبة ليلاً والواقع في إحدى ناطحات السحاب.
وتقول وكالة فرانس برس التي رصدت مشاهد عودة الحياة التدريجية في مطاعم دبي الفاخرة: ردّد النادل على مسامع الزبائن "في المرة القادمة، يمكنك إحضار سكينك وشوكة خاصة بك إذا رغبت في ذلك"، في ابتعاد عن تجربة تناول الطعام الفاخرة النموذجية في مدينة تشتهر بخدمات الـ5 نجوم.
العودة التدريجية في دبي
يحذّر خبراء في قطاع الضيافة من أنه قد يتعيّن إعادة ترتيب الأولويات في هذه الخدمات السياحية في الوقت الحالي، بينما لا يزال خطر الفيروس موجوداً. ومنذ أسابيع، ترسم دبي وهي إحدى الإمارات السبع في الدولة الخليجية، عودتها التدريجية إلى موقعها الاعتيادي على خريطة السياحة العالمية كواحدة من أكثر المدن زيارة.
وقد اختارت بعض المطاعم تسريع العودة إلى فترة ما قبل أزمة الفيروس عبر استخدام أدوات المائدة الاعتيادية والأكواب الزجاجية. لكن رغم ذلك، يشعر مغترب سويدي بأنّ الأجواء لا تزال مختلفة عمّا كانت عليه قبل نحو أربعة أشهر في ظل إجراءات الحد من انتشار الفيروس وبينها تعليق التنقل بين الساعة 23,00 و06,00. وقال لوكالة فرانس برس: "التجارب الفخمة ليست فخمة حالياً"، مضيفاً "لا أعتقد أن الأمور ستعود لطبيعتها قبل وقت طويل".
تجارب جديدة
على النقيض من جاراتها، لا يشكّل النفط مصدر إيرادات رئيسياً للإمارة التي تدير أكثر الاقتصادات تنوّعاً في المنطقة الغنية بالخام. وينظر إلى دبي على أنّها مركز رئيسي للتجارة والخدمات.
واضطرت المدينة الثرية، موطن أطول مبنى في العالم برج خليفة، إلى إغلاق مراكز التسوق الشهيرة والمطاعم الراقية والأسواق التقليدية لمدة شهر لمكافحة انتشار الفيروس.
تقول كارين يونغ من معهد "أميركان إنتربرايز"، إن المعايير العالمية المرتبطة بالسفر والرفاهية والترفيه يجب أن تتغير، متوقّعة أن تكون هناك نزعة نحو المزيد من الخصوصية والتجارب الفردية في مجال البيع بالتجزئة والضيافة.
وأوضحت: "إنه وقت مناسب لاستكشاف تجارب جديدة مع الزبائن. فالمطاعم والنوادي المزدحمة قد تكون خارج المعادلة حالياً، بينما يتواجد الطهاة المتخصّصون في المنازل وكذلك الخبراء في مجال التسوق". مشددة على أنّه لا يمكن نتوقع عودة الحياة إلى طبيعتها "في أي وقت قريب، ومسار التعافي يجب أن يشمل بعض التجديد".
عودة للحياة بنسبة 100٪
وقبل أسبوع، أعلنت دبي السماح بعمل المراكز التجارية والشركات والمؤسسات الخاصة بنسبة 100% في إطار تخفيف القيود التي فرضت لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن وضع الكمّامات لا يزال إجبارياً، بينما يمنع دخول الأشخاص الذي تقل أعمارهم عن 12 عاماً وتتجاوز 60 عاماً المراكز التجارية والمقاصد الترفيهية والنوادي الرياضية.
وتدفّق العديد من السكان على الشواطئ وتناولوا الطعام في المطاعم وزاروا مراكز التسوق خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعدما أعلنت دبي عن السماح بفتح مراكز التسوق بكامل طاقتها.
وعادت المياه إلى نافورة دبي، أحد أشهر مناطق جذب السياح في المدينة، لتتأرجح على وقع الموسيقى في محيط برج خليفة.
السياحة شريان الحياة لدبي
وتمثّل السياحة شريان حياة لاقتصاد الإمارة منذ أكثر من عقدين. وقد استقبلت أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، وكانت خطتها تستهدف 20 مليون سائح هذا العام قبل أن يعرقل الوباء حركة السفر حول العالم.
ووفقاً لشركة الأبحاث "إس تي آر غلوبال"، فإنه من المحتمل أن يفقد قطاع الفنادق 30٪ من وظائفه في دبي في الأشهر المقبلة، إلى أن يتعافى الطلب ويعود إلى ذروته.
وكان هلال المري المدير العام لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي توقّع في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ المالية في أبريل/نيسان الماضي أن تتراجع نسبة السفر الجماعي، الأمر الذي سيكون له تأثير على قطاع السياحة بشكل عام.
وتتجه المراكز التجارية في دبي نحو اعتماد نموذج عدم الملامسة، ما يعني تعليق الاستشارات في مراكز التجميل وعدم السماح للزبائن بتجربة الملابس قبل شرائها.
وكانت الفنادق من جهتها أعادت فتح أبوابها ولو بشكل جزئي قبل عطلة عيد الفطر في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، معلنة عن عروض للمقيمين في دبي بهدف التعويض عن غياب السياح الأجانب. إلا أن برك السباحة التي عادة ما تعج بالشبان والشابات، بقيت مغلقة.
وبينما يفكّر القطاعان العام والخاص في طرق لتوفير ظروف عمل آمنة تحترم قواعد التباعد الاجتماعي، يبدي كثيرون حذرهم. وقال المغترب السويدي: "أفكر مرتين في ما يستحق أن أدفع ثمنه خصوصاً وأن صحتي قد تكون الثمن".
الانكماش صاحب اليد العليا في دبي
وأظهر مسح أجرته "آي.إتش.إس ماركت" ونشرته "رويترز" سيطرة الانكماش على أنشطة القطاع الخاص في دبي خلال مايو/أيار الماضي، رغم تخفيف بعض القيود التي فرضتها الإمارة لاحتواء كورونا. وبلغ مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات في دبي 46 نقطة الشهر الماضي، مقابل 41.7 في أبريل/نيسان، ليظل دون مستوى 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش. وقال ديفيد أوين الاقتصادي في "آي.إتش.إس ماركت" إنه رغم ارتفاع مؤشر مديري المشتريات من المستويات المتدنية القياسية في أبريل/نيسان، إلا أن أحدث مسح يشير إلى أن الطريق أمام تحسن الأوضاع الاقتصادية لا يزال طويلاً.
ورغم رفع القيود على النشاط الاقتصادي جزئياً، فإن ضعف الطلب الاستهلاكي ورد فعل السوق البطيء حال دون إحراز الشركات تقدماً نحو تغطية الخسائر. وأضرت جائحة كورونا بشدة بقطاعات اقتصادية حيوية في دبي مركز السياحة والتجارة والنقل في الإمارات، وهي لا تمتلك ثروة نفطية مثل جارتها الأغنى أبوظبي تقيها من التداعيات.
واستمرت الشركات في تقليص الوظائف في مايو/أيار لتقليل خسائرها للحد الأدنى، رغم تخفيف القيود المفروضة على الأسواق والشركات بنهاية أبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار، بعد بضعة أسابيع من تطبيقها. وقال أوين: "علينا أن ننتظر لنرى المدة التي سيستغرقها تعافي اقتصاد دبي بعد كوفيد ـ 19، مستبعداً تحسن الأنشطة قبل العام المقبل. وكان "بنك أوف أميركا" قد قال في مذكرة بحثية نهاية مايو/أيار، إن دبي قد تشهد انكماشاً بنسبة 5.5٪ في 2020، إذ توقع أن تنخفض الإيرادات على غرار ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2009.