في الوقت الذي توجّه الحكومات جلّ جهودها لمحاربة فيروس كورونا الفتاك، وتنفق في ذلك مليارات الدولارات لشراء أطقم الوقاية ومعدات الفحص والتجهيزات الطبية اللازمة لمكافحة فيروس كورونا، وهو ما جعل خلافات كبيرة بين المتصارعين في العالم تتراجع من أجل توحيد الجهود الإنسانية في مكافحة الوباء الذي لا يستثني أحداً. أقول في نفس الوقت، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نواب في الكونغرس الأمريكي إن الإدارة الأمريكية تتجه لبيع صواريخ موجهة بقيمة 478 مليون دولار إلى السعودية، رغم معارضة الكونغرس.
في حين كشفت وكالة رويترز للأنباء نقلاً عن وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون عن صفقة سلاح صادقت عليها الخارجية الأمريكية عبارة عن 84 صاروخاً اعتراضياً من نوع (باك-3) ونظم (إم.إس.إي) ومعدات خاصة بالتطوير بقيمة 800 مليون دولار، وفي تعليق لوكالة التعاون الأمني على هذه الصفقة قالت الوكالة إنه سيزيد قدرات الكويت على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وسيضمن أمن بنيتها التحتية النفطية ذات الأهمية الحيوية، وأشارت الوكالة قريبة الصلة من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة إلى أن البرنامج سيسمح بتنفيذ مناورات مع الجيش الأمريكي ومنع تغيير توازن القوى في المنطقة.
فهل هي استعدادات حرب ما بعد كورونا؟
لا شك أن منطقة الخليج كانت قبل دخول العالم في بيات وباء كورونا من المناطق الأكثر سخونة والمرشحة لتكون بؤرة توتر كبير في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، ولعل كورونا جاء -برداً وسلاماً- ليهدئ من وتيرة الصراع المتزايد في واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم والمرتبطة بتوليد ونقل نسبة كبيرة من الطاقة التي يستهلكها العالم، ومما لا شك فيه أن السلاح الأمريكي يعد القوام الأساسي لتسليح الجيوش الخليجية مجتمعة، فمنذ نشأة الجيوش في الخليج وهي تعتمد بشكل كبير على الراعي الأمريكي، تزايد هذا الاعتماد بعد التدخل غير المبرر للعراق في الكويت. التدخل الذي أسفر عنه اتفاقيات أمنية بين أمريكا وأغلب دول الخليج، مخلفة قواعد أمريكية في كل دول الخليج، وكذا اتفاقيات بالتدريب والتسليح مع تلك الدول، ولعل التدريبات المشتركة بين القوات الأمريكية مع الجيوش الخليجية سواء برية أو بحرية تستخدم في الغالب السلاح الأمريكي أو سلاح غربي لأمريكا شراكة فيه، إنما هي خير تأكيد على تنفيذ هذه الاتفاقيات.
الصفقات الأخيرة للسلاح الأمريكي لكل من السعودية والكويت يمكن ألا تخرج عن ثلاث فرضيات: الأولى أن التصعيد الإيراني خلال الأشهر الماضية في الخليج العربي إما مباشرة عبر سلاح بحريتها أو غير المباشر من خلال أذرعها في كل من اليمن والعراق، كانت أحد الأسباب في طلب الكويت والسعودية هذه الأسلحة. وهو رد فعل طبيعي لحماية مصالح الدولتين والحفاظ على استمرار تدفق النفط للعالم عبر تأمين سلامة الملاحة في الخليج، وهو ما يأتي في إطار خطة الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية وإعادة تموضعها، ما يحتم على تلك الدول الاعتماد أكثر على نفسها في حماية مصالحها.
والفرضية الثانية، وهي لا تبعد كثيراً عن الأولى هي تلك الحالة الاقتصادية التي يعيشها العالم بعد جائحة كورونا والتي تأثرت بها أمريكا بشكل مباشر من خلال الإغلاق وتراجع النمو الاقتصادي من جرائه، فيريد ترامب المقبل على انتخابات رئاسية بعد أشهر قليلة أن يقدم مزيداً من الوظائف من خلال بيع الأسلحة وترجمة مردودها إلى وظائف أو ضخ ذلك المردود في القطاع الصحي الذي بدأ يعاني بعد تزايد حالات الإصابة بالفيروس بشكل مضطرد، وفقدان الملايين لوظائفهم في أمريكا وهو ما قد يدفع ترامب إلى إشعال حرب في الخليج من أجل بيع المزيد من السلاح كما ذكرنا وإسكات المعارضين بحجة الدفاع عن حلفاء مهمّين في الخليج ومزودي الولايات المتحدة بنسبة مهمة من احتياجاتها للطاقة.والفرضية الثالثة من وجهة نظري وتخص السعودية تحديداً، وهي محاولة تهدئة الغضب الأمريكي بعد فتح السعودية خط المفاوضات مع روسيا لشراء الطائرة المقاتلة الروسية المتقدمة سو 35 والمنافسة للطائرة الأمريكية لوكهيد مارتن إف-35 وهو ما وتر العلاقات بين أمريكا والسعودية في الفترة الماضية بشكل ما، وهو ما كان يظنه ولي العهد ورقة ضغط يمكن أن يكسب بها أرضاً في لدى الولايات المتحدة التي تضغط عليه بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، لكن وفيما يبدو أن من حسب حسابات هذه الخطوة لم يكن قد وضع في معادلة القرار عناصر كثيرة أقلها احتياج السعودية للوجود الأمريكي لحمايتها من الخطر الإيراني المتصاعد على حدودها الجنوبية بعد الإخفاقات المتتالية وانسحاب شركائها في اليمن وكشف ظهرها.
وعلى الرغم من الاحتمالات المطروحة، فإن منطقة الخليج العربي ستظل مهددة بتجاذبات القوى الفاعلة في المنطقة طالما بقي الحصار مضروباً على أحد مكوناته والذي ضرب واحدة من الاتحادات الأنجح في المنطقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.