تنخرط الهند والصين منذ عدة أسابيع في مواجهةٍ حدودية في منطقة لداخ الواقعة بجبال الهمالايا. وسال الكثير من الحبر عن الأزمة، لكن السؤال الذي لم يُتناول كثيراً هو: ما تأثير النزاع الصيني الهندي على باكستان، منافسة الهند اللدودة وحليفة الصين الوثيقة؟
مايكل كوغيلمان، نائب مدير برنامج آسيا بمركز ووردو ويلسون الأمريكي، كتب مقال في مجلة The National Interest الأمريكية يشرح فيه الفرص التي تقدمها الأزمة بين الصين والهند إلى باكستان وكذلك المخاطر التي تشكلها على إسلام أباد.
مشهد مُذل للهند.. 10 آلاف جندي يتوغلون في أراضيها
بادئ ذي بدء، يُعَد هذا المشهد دون المستوى الأمثل بالنسبة لنيودلهي. إذ توغل بضعة عشرات من القوات الصينية على أقل تقدير داخل المنطقة الهندية التي لا نزاع على تبعيتها (أي المنطقة التي تعترف الصين والهند بأنها أراضٍ هندية) الشهر الماضي، مايو/أيار، وظلَّت هناك لقرابة أسبوعين. وتزعم بعض التقارير الإعلامية الهندية –ولو أنها غير مؤكدة- أن ما يصل إلى 10 آلاف جندي صيني عبروا إلى داخل الهند في مناطق مختلفة على طول "خط السيطرة الفعلي" وما يزالون على الأراضي الهندية.
فضلاً عن ذلك، نشرت الصين قواتٍ في المنطقة التي يدَّعي كلا الطرفين تبعيتها له. وكانت هناك أيضاً استفزازات صينية على نطاقٍ أصغر، بدءاً من اللجوء إلى تبادل اللكمات مع الجنود الهنود وحتى استخدام السيارات متعددة الأغراض للاصطدام بالمركبات العسكرية الهندية على طول الحدود.
ومع أنَّ حجم التحركات الصينية على طول الحدود ما يزال غامضاً، فمن الواضح أنَّ بكين تفرض ضغطاً عسكرياً قوياً على الهند ومطالبها الإقليمية.
تأثير النزاع الصيني الهندي على باكستان
وبالنسبة لإسلام أباد، التي تنظر من منظور المعادلة الصفرية التي غالباً ما تُغلِّف العلاقات الهندية الباكستانية، فإنَّ هذا أمرٌ جيد بشكل لا لبس فيه.
ويؤكد الضغط العسكري الصيني على الهند فائدة ثانية بالنسبة لإسلام أباد: تساعد المواجهة على تعزيز هدف جوهري للسياسة الخارجية الباكستانية، وهو ردع وتقويض الهند. فلأنَّ القوة العسكرية التقليدية الباكستانية أقل شأناً من الهند، سعت منذ فترة طويلة لتحقيق هذا الهدف على نحو غير تقليدي من خلال تكديس الأسلحة النووية وإيواء الوكلاء العنيفين الذين يستهدفون الهند ومصالحها في المنطقة الأوسع نطاقاً. لكن إسلام أباد تلجأ أيضاً لتكتيكاتٍ تقليدية أكثر تتضمَّن الاعتماد على حليفها الصيني الوثيق والأكثر قوة من أجل التصدي لمنافِستهما المشتركة.
تضع الاستفزازات الصينية على الحدود الشمالية للهند نيودلهي في حالة الدفاع في فنائها الخلفي في نفس اللحظة التي تتورط فيها الهند في خلافٍ حدودي منفصل مع نيبال شرقاً، بينما تواجه أيضاً تصاعدات جديدة للعنف في الغرب في منطقة جامو وكشمير قرب الحدود المتنازع عليها مع باكستان والمعروفة بـ"خط السيطرة".
والأزمة قد تلقي الضوء على أزمة كشمير وإسلام أباد قد تعيد إرسال مسلحين إلى هناك
وفي ظل انشغال الهند بالصين، فإنها في الحقيقة قد تواجه تحدياتٍ جديدة من المنافِسة باكستان. فهناك مخاطرة بإمكانية أن تستغل إسلام أباد الإلهاءات التي تشغل الهند على طول خط السيطرة الفعلي مع الصين من خلال إرسال مسلحين عبر خط السيطرة إلى جامو وكشمير لشن هجمات، أو بتشجيع أولئك الموجودين هناك فعلاً لعمل ذلك. وربما زادت فرص حدوث هذا السيناريو الآن بعدما أعلنت الهند إعادة نشر بعض قواتها المتمركزة في جامو وكشمير إلى لداخ.
فائدة أخرى لإسلام أباد هي أن الخلاف الحدودي أعاد جذب الانتباه الدولي إلى خطوة مهمة اتخذتها الهند العام الماضي وترفضها إسلام أباد وكانت نيودلهي تُفضِّل ألا يتحدث العالم عنها.
ففي أغسطس/آب 2019، ألغت نيودلهي المادة 370 من الدستور الهندي. وجرَّد هذا القرار، الذي تعتبره الهند شأناً داخلياً بحتاً، ولاية جامو وكشمير من وضعية الحكم الذاتي الخاصة وقسَّمتها إلى منطقتين جديدتين ضمن الأراضي الهندية الموحدة. تطالب باكستان بتبعية الأولى، وهي جامو وكشمير، لها. فيما تطالب الصين بتبعية أجزاء من الأخرى، وهي منطقة لداخ، موقع المواجهة الحالية، لها.
وفي حين أنَّ الدوافع وراء تحركات بكين في لداخ غير واضحة، فإنَّ أحد الأسباب قد يتمثل في عدم رضاها الطويل عن إلغاء نيودلهي للمادة 370. إذ تنظر بكين، شأنها شأن إسلام أباد، إلى الأمر باعتباره خطوة غير شرعية لتغيير وضع المنطقة المتنازع عليها، والتي ترى أنَّها تعود إليها، بصورة أحادية. ويعترف العديد من المعلقين الهنود بأنَّ إلغاء المادة 370 ربما كان عاملاً مهماً في الخلاف الحدودي الحالي.
لكن باكستان يبدو أن متضررة أيضاً من هذا النزاع
وعلى الرغم من هذه الفوائد المُعتَبَرة، فإنَّ باكستان تتضرر أيضاً من الخلاف الهندي الصيني. فضبط النفس النسبي من جانب نيودلهي أثناء المواجهة يُقوِّض سردية رئيسية سعت إسلام أباد لإبارزها على الصعيد العالمي –بكل إصرار وبلا هوادة- بشأن حكومة مودي: بأنَّه نظام يشبه النظام النازي ويرتكب إبادة جماعية وله مخططات توسعية.
لكن في حين حشدت الهند القوات على طول الحدود مع الصين، فإنَّها لم تذهب أبعد من ذلك كثيراً. وكانت رسالة نيودلهي العلنية رسالة تصالحية، وتعهَّدت مراراً بحل الأزمة دبلوماسياً.
وبالتأكيد سيُصوِّر الكثيرون في باكستان ضبط النفس ذاك باعتباره ضعفاً وانعكاساً للضآلة العسكرية الهندية في مقابل جارتها الأكثر قوة. هذا التفاوت صحيح بالتأكيد في معناه العام.
ومع ذلك، وجدت دراسة حديثة بجامعة هارفارد أنَّ الهند في الواقع تتمتع بـ"أفضلية في القوة التقليدية" في مناطقها الحدودية مع الصين، مُشيرةً إلى أنَّ الهند لديها خيارات للرد بقوة أكبر على الاستفزازات الصينية على الأراضي الهندية قرب خط السيطرة الفعلي.
كما أن التقارب الهندي – الأمريكي يؤثر على باكستان
بالإضافة إلى ذلك، تبرز المواجهة أهمية العلاقات الأمريكية الهندية.
ففي التعليقات العامة قبيل تقاعدها الشهر الماضي، انتقدت السفيرة أليس ويلز، كبيرة المسؤولين المعنيين بشؤون جنوب آسيا في الخارجية الأمريكية، التصرفات الصينية في لداخ وربطتها باستفزازات بكين في بحر الصين الجنوبي.
ومؤخراً، في الأول من يونيو/حزيران، أصدر النائب إليوت إنغل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، بياناً شجب فيه "العدوان الصيني المستمر" على خط السيطرة الفعلي. وبحث الرئيس دونالد ترامب في اليوم التالي المواجهة في مكالمة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وتؤكد هذه التدخلات الأمريكية رفيعة المستوى في الخلاف حدة التنافس الأمريكي الصيني، الذي يزيد بدوره رغبة أمريكا القوية في تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الهند، وهي الشراكة التي يُحرِّكها إلى حدٍّ كبير القلق المشترك حيال الصين.
ولا يمكن أن يستبعد المرء احتمالية تقديم واشنطن مساعدة هادئة للهند خلال الأزمة؛ فكانت الهند قد استفادت خلال آخر المواجهات الصينية الهندية بشأن هضبة دوكلام في 2017 من معلومات استخباراتية أمريكية.
وأي تأكيد على الشراكة الأمريكية الهندية هو تطور غير مُرحَّب به في باكستان، لاسيما في الوقت الذي تحاول فيه إسلام أباد الاستفادة من تحسّن علاقتها مع واشنطن -وهو التحسن الذي يعود في معظمه إلى الدور الباكستاني في تسهيل المحادثات بين المفاوضين الأمريكيين وحركة طالبان- من أجل الدفع إلى علاقاتٍ وفاقية أعمق.
إنَّ نهاية الأزمة –وتداعياتها على باكستان- ليست واضحة بعد. ولدى كل طرف الأسباب التي تدفعه لتجنُّب الصراع، ومن المقرر عقد مباحثات قريباً لمحاولة تهدئة الأزمة.
وإن اتفق الطرفان على العودة إلى الوضع السابق، قد يكون ذلك مشكلة بالنسبة للمصالح الباكستانية؛ لأنَّه قد يعني قدرة الهند على مواصلة بناء الطرق الحدودية، وهي تطويرات للبنية التحتية كانت على الأرجح هي ما حفَّز التحركات الصينية الأخيرة.
وهذه الطرق مبعث قلق كبير بالنسبة للصين، بل وكذلك لباكستان. فهذه الطرق تعزز قدرة الهند على إبراز القوة قرب خط السيطرة الفعلي، بما في ذلك بالقرب من منطقة أكساي تشين، وهي جزء من منطقة لداخ التي تقع تحت سيطرة الصين لكن تطالب الهند بتبعيتها لها. ولأنَّ هذه أخبار سيئة للصين، فهي أخبار سيئة لباكستان كذلك.
لكن إن سارت المفاوضات الرامية لتهدئة الأزمة على نحوٍ مختلف.
وكان يتوجَّب على الهند الموافقة على تقليص بنائها للطرق أو الحد منه، سيكون هذا مفيداً للصين، وبالتبعية مفيداً لباكستان.
وقد يكون لبكين يدٌ طولى عند الذهاب للمباحثات، بالنظر إلى الاستفزازات التي قامت بها في الأسابيع الأخيرة.
وكما يقول أحد المحللين الهنود فإنَّ "الصين ستتفاوض من موضع قوة، وستحاول فرض شروط غير مقبولة –لا مزيد من تطوير البنية التحتية الحدودية على الجانب الهندي- لاستعادة الوضع السابق وفق شروطها".
في الوقت الراهن، من السهل لباكستان أن تشعر بالإعجاب من وضع الصين صديقتها الكبيرة للهند عدوتها الكبيرة في خانة اليك في أعالي الهيمالايا. وقد تستمتع بالمشهد السيئ للهند، الأمر الذي سيؤدي لتعزيز أهداف السياسة الخارجية الباكستانية، ويوفر فرصة لتسليط الضوء على السياسات الهندية التي تزدريها في كشمير.
لكن ليس كل ما يرشح عن المواجهة الهندية الصينية وردياً بالنسبة لباكستان. بل على العكس: إنَّها تُقوِّض الرسالة العامة لباكستان بشأن الهند، وتعزز علاقة نيودلهي مع واشنطن.
وما زلنا بانتظار أن نرى ما الذي تعنيه النتيجة التي ستخرج عن الأزمة بالنسبة لباكستان.