ما مسافة التباعد الاجتماعي الآمنة لفيروس كورونا؟ سؤال يزداد أهمية مع اتجاه أغلب دول العالم لتخفيف الإغلاقات واستعادة أنشطة الحياة رغم استمرار خطر المرض.
وهو أيضاً سؤال لا تسهل إجابته ويثير خلافاً بين العلماء والحكومات والبرلمانات، ففي بريطانيا تتعرض الحكومة لضغوط من قبل أعضاء البرلمان والشركات من أجل تقليل مسافة التباعد الاجتماعي الآمنة إلى أقل من مترين، والتي تفرضها القواعد الحالية، وهي المطالبات التي تستهدف أن يكون استئناف العمل أكثر سهولة، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
ما مسافة التباعد الاجتماعي الآمنة لفيروس كورونا؟ إليك ما يقوله العلم
"مسافة متر واحد تُعد آمنة للتعامل بين الناس".
هذا ما تقوله منظمة الصحة العالمية.
وهي الإرشادات التي اتبعتها بعض الدول في حين فضلت دول أخرى اختيار مسافات أكبر، من بينها المملكة المتحدة.
ويتساءل العديد من العلماء عما إذا كان هذا التخفيف آمناً أم لا في ضوء الافتقار إلى المعلومات الكافية عن المسافة التي يمكن أن ينتشر فيروس كورونا خلالها.
ولكن الأكيد أنه كلما اقتربت من الشخص المصاب، زاد خطر انتقال الفيروس إليك.
إليك مسافة التباعد الاجتماعي في الدول التي نجحت في محاصرة المرض
– مسافة التباعد الاجتماعي في الصين، والدنمارك، وفرنسا، وهونغ كونغ، وليتوانيا، وسنغافورة متر واحد فقط.
– مسافة التباعد الاجتماعي في كوريا الجنوبية 1.4 متر.
– مسافة التباعد الاجتماعي في أستراليا، وبلجيكا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، وهولندا، والبرتغال 1.5 متر.
– مسافة التباعد الاجتماعي في الولايات المتحدة هي 1.8 متر.
– مسافة التباعد الاجتماعي في كندا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة هي متران.
الأمر لا يتعلق بالمسافة بالمسافة فقط
التوقيت أيضاً يعتبر عاملاً أساسياً في انتقال العدوى، فكلما قضيت وقتاً أطول بالقرب من شخص مصاب، زاد خطر انتقال العدوى.
وقيل أيضاً إن طول مدة بقائك قريباً من شخص مصاب تزيد من فرص إصابتك بالفيروس.
لذلك تقول الحكومة البريطانية إنه إن كان من الضروري إجراء مقابلة وجهاً لوجه مع شخص ما، "فينبغي أن تكون لمدة 15 دقيقة أو أقل من ذلك، ما أمكن".
ويضيف أن: "قضاء ثانيتين على بعد متر واحد أمر خطير، وهو يماثل قضاء دقيقة واحدة على بعد مترين".
ويقول عالم كبير إن مدة الوقت عامل مهم ومؤثر.
ورجح علماء يقدمون المشورة الطبية للحكومة البريطانية أن قضاء 6 ثوانٍ على بعد متر واحد من الشخص الذي تتعامل معه يساوي قضاء دقيقة كاملة مع شخص تتعامل معه على مسافة مترين.
كما أشاروا إلى أن التعامل مع شخص يعاني من السعال أكثر خطورة. فالتعامل مع شخص لديه سعال من على بعد مترين ينطوي على نفس درجة المخاطر التي يشكلها التحدث إلى شخص لمدة 30 دقيقة من نفس المسافة.
إليك ما قالته أحدث الأبحاث عن أقصر مسافة يمكن الوصول إليها مع المحافظة على سلامتك
نشرت مجلة لانسيت الطبية المرموقة دراسة أجرى العلماء فيها تقييماً للدراسات الحديثة التي تناولت كيفية انتشار فيروس كورونا.
وخلصت الدراسة إلى أن التباعد عن الآخرين لمسافة متر على الأقل هو الطريقة الأفضل للحد من فرص انتقال العدوى.
وتصل احتمالات انتقال عدوى فيروس كورونا إلى 13.00% عند التعامل مع الآخرين من على بعد متر، لكن خطر الإصابة يتضاءل إلى 3.00% فقط عند التعامل من مسافة أبعد.
وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن كل متر إضافي من التباعد حتى ثلاثة أمتار يقلل فرص الإصابة بحوالي النصف.
ما الأساس العلمي للحفاظ على مسافة مترين مع الآخرين؟
يرجع تاريخ قواعد التباعد الاجتماعي إلى أبحاث أُجريت في الثلاثينيات من القرن العشرين.
وكشف العلماء في ذلك الوقت أن رذاذ السوائل الذي يخرج مع السعال والعطس يتبخر بسرعة في الهواء أو يسقط على الأرض.
وأشاروا إلى أن أغلب هذا الرذاذ يسقط على الأرض بعد قطع مسافة تتراوح بين متر ومترين.
لذلك، يُعتقد أن الخطر الأكبر يأتي من انتقال العدوى عن طريق شخص يسعل أمامك من مسافة قريبة، أو بسبب لمس الأسطح التي تعرضت للرذاذ المتساقط عليها جراء السعال ثم لمس الوجه بالأيدي بعد ذلك.
هل يستطيع الفيروس التحرك لمسافات أطول؟
يرى بعض العلماء أن التقارب ولمس الأسطح هما المساران الأساسيان لانتقال العدوى.
لكنّ فريقاً آخر من الباحثين لديهم مخاوف حيال إمكانية انتقال الفيروس عبر الهواء أيضاً في شكل جزيئات دقيقة تسمى "أيروسولات" أو "رذاذ متطاير".
ووفقاً للفريق الثاني، قد يحمل الهواء الذي يخرج من فم وأنف شخص ما أثناء التنفس الفيروس لمسافات أطول.
استخدمت ليديا بورويدا، الأستاذة بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، كاميرات فائقة السرعة لالتقاط صور للسعال وما يحدث معه من سقوط بقع متناهية الصغر تنطلق لمسافة 6 أمتار.
وقدرت دراسة أُجريت في مستشفيات في الصين، عثرت على آثار لفيروس كورونا في غرف رعاية عادية وفائقة لمرضى كوفيد-19، أن أفضل مسافة آمنة لتفادي الإصابة بالفيروس هي حوالي أربعة أمتار.
لكن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة قال إن "دور الرذاذ المتطاير في نقل العدوى لا يزال غير مؤكد".
والذي لم نعرفه حتى الآن هو ما إذا كان بإمكان فيروس يتحرك لأكثر من مترين في الهواء أن يظل معدياً بعد قطع هذه المسافة.
وهناك مسألة لا تقل أهمية عن المسافة.. المكان الذي يوجد فيه المصاب
هناك اتفاق على نطاق واسع على أن انتقال العدوى يكون أسهل في الأماكن المغلقة أكثر منه في الأماكن المكشوفة حيث الهواء الطلق.
وأجرى باحثون في اليابان دراسة استقصائية لتتبع مصادر العدوى لدى 110 حالات من المصابين بفيروس كورونا.
ورجحت هذه الدراسة أن خطر الإصابة يزداد بنحو 19 ضعفاً في الأماكن المغلقة مقارنة بفرص انتقال العدوى في الأماكن المكشوفة.
وفي دول عدة، من بينها المملكة المتحدة، يُنصح الناس بارتداء أغطية وجه أو كمامات في المواصلات العامة، و"الأماكن المغلقة التي لا يمكن فيها اتباع قواعد التباعد الاجتماعي دائماً".
لماذا لا توجد إجابات قاطعة في هذا الشأن؟
ظهر فيروس كورونا منذ أشهر قليلة، ورغم أن هذه فترة وجيزة، فإن العلماء تمكنوا من التوصل إلى كم هائل من المعلومات عن الفيروس.
لكن لا يزال أمامهم طريق طويل، وسوف يظل السؤال بشأن مسافة التباعد الاجتماعي الدقيقة بلا إجابة قاطعة.
وسوف يتطلب ذلك دراسات تُجرى بعناية تتناول كيفية انتقال الفيروس وإلى أي مدى يبقى نشطاً، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً.