من أقوى اقتصادياً الصين أم أمريكا؟ أصبحت إجابة هذا السؤال معقدة للغاية، حتى بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية الدولية.
فقد أصدر برنامج المقارنات الدولية، الذي يستضيفه البنك الدولي، تقريراً عن قياس مستويات الأسعار والناتج المحلي الإجمالي في 176 دولة، وجاءت النتائج صادمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
من أقوى اقتصادياً الصين أم أمريكا؟ الأمر يتوقف على طريقة احتساب شطيرة ماكدونالدز
للمرة الأولى، يجد برنامج المقارنات الأولى أنَّ إجمالي الدخل الحقيقي للصين أعلى بقليل من مقابله في الولايات المتحدة.
وبالنسبة لمماثلات القوة الشرائية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 19.617 تريليون دولار في 2017، بينما وقف الناتج المحلي الأمريكي عند 19.519 تريليون دولار في نفس العام.
ويتفوق حجم الاقتصاد الأمريكي على الصيني إذا احتسب وفقاً للقيمة الاسمية، أي يتم احتساب قيمة الناتج المحلي الصيني مقوماً بالعملة الصينية جنيه، ثم يحول للدولار.
أما الطريقة الثانية في الحساب، التي يتفوق فيها الاقتصاد الصيني على الأمريكي في الحجم، فهي أن يكون الناتج المحلي وفقاً للقيمة الشرائية (مماثلات القوة الشرائية).
وإذا أردنا توضيح الفارق بينهما، فإن أفضل مثال هو شطيرة ماكدونالدز الشهيرة التي تنتج وتباع في كل أنحاء العالم تقريباً بأسعار مختلفة.
في الطريقة الأولى، أي وفقاً للقيمة الاسمية، سنفترض أن شطيرة هامبورغر الشهيرة تتكلف في الولايات المتحدة أربعة دولارات، وتُكلف في الصين دولاراً واحداً.
فإذا كانت الصين تنتج مليار شطيرة هامبورغر سنوياً، فإن قيمتها تحتسب ضمن الناتج المحلي بمليار دولار، وفقاً لقيمتها في السوق الصين أي دولار لكل شطيرة.
ولكن في الطريقة الثانية، أي وفقاً للقوة الشرائية، فإن قيمة شطيرة الهامبورغر تحتسب وفقاً للقيمة الشرائية لها في الأسواق العالمية، وتحديداً للسوق الرئيسي للدولار، أي الولايات المتحدة.
وبالتالي فإن مليار شطيرة هامبورغر تحسب على أساس سعرها في الولايات المتحدة، أي 4 دولارات للشطيرة بإجمالي 4 مليارات دولار.
وبالقياس على كثير من قطاعات الاقتصاد، فإن طريقة الحساب وفقاً للقيمة الشرائية تعطي نتائج أعلى بالنسبة للدول النامية، التي تكون أسعار الخدمات والسلع بها رخيصة غالباً، مقارنة بالدول الغنية ذات الأجور المرتفعة.
عندما نأتي للحديث عن دخل الفرد يظهر فارق هائل
لكن الهوة تزداد بين بكين وواشنطن لصالح الأخيرة، حين يُقسَّم دخل الصين الكلي على عدد سكانها الضخم.
فعلى الرغم من أنَّ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في الصين تجاوز نظيره في مصر، لا يزال في رتبة متوسطة عالمياً ويأتي خلف البرازيل وإيران وتايلاند والمكسيك، حسب الصحيفة البريطانية.
ولا بد من النظر إلى مفهومي إجمالي الدخل القومي ونصيب الفرد من الدخل القومي كل على حدة؛ لأنَّ لكلٍ منهما تأثير مميز على الجيوسياسات. ويعكس قياس برنامج المقارنات الدولية لنصيب الفرد من الدخل القومي أنَّ الصين ضمن الدول النامية (من حيث مستوى معيشة المواطن).
لكن حين يتعلق الأمر بقوة الصين السياسية ونفوذها في المؤسسات الدولية، ما يهم أكثر هو إجمالي الدخل القومي.
بهذه الطريقة الاقتصاد الصيني يماثل نصف قوة نظيره الأمريكي
وحين أصدر برنامج المقارنات الدولية آخر تقرير له منذ 6 سنوات، أثار موجة من الضجة الإعلامية صاحبتها عناوين رئيسية مثل "الصين على وشك التفوق على الولايات المتحدة بوصفها قوة اقتصادية رائدة هذا العام" في The Financial Times.
وأظهرت مقارنات برنامج المقارنات الدولية، التي تعود لعام 2011، أنَّ الناتج المحلي الإجمالي للصين يرتفع سريعاً عن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وبعد ذلك بوقت قصير، أفيد بأنَّ التفوق قد حدث بالفعل، على الأقل وفقاً لإحصاءات النمو الوطنية المدرجة ضمن معايير السنوات الست لبرنامج المقارنات الدولية.
لكن تلك النتائج استندت إلى قراءة البيانات من منظور مماثلات القوة الشرائية. لكن المشكلة المألوفة لدى الاقتصاديين الدوليين، هي أنَّ الناتجين الصيني والأمريكي يُقاس كل منهما بعملة البلد المعني.
فكيف يمكن للمرء إذاً أن يترجم الأرقام بحيث تكون قابلة للمقارنة بين الدولتين؟
الحل الواضح هو استخدام سعر الصرف المعاصر: ضرب الناتج المحلي الإجمالي الصيني المقاس باليوان في سعر صرف الدولار مقابل اليوان، بحيث يتم التعبير عنه بالدولار. ونجد أنَّ الاقتصاد الأمريكي (19.519 تريليون دولار) أكبر بنسبة 50% من الاقتصاد الصيني (12.144 تريليون دولار)، وفقاً لأحدث الأرقام.
حلاقة تعطي الصين ميزة نسبية
وعلى النقيض من ذلك، يعد قياس الناتج المحلي الإجمالي من حيث مماثلات القوة الشرائية أكثر ملاءمة لمقارنة مستويات المعيشة لأنه يفسر حقيقة أنَّ العديد من السلع والخدمات أرخص في الصين مما هي عليه في الولايات المتحدة.
وعموماً، فإنَّ قيمة يوان واحد داخل الصين أكبر بكثير من قيمته في الخارج. وفي حين أنَّ بعض السلع المتداولة دولياً لها أسعار مماثلة، فإن أشياء مثل حلاقة الشعر -وهي خدمة لا يمكن تصديرها أو استيرادها بسهولة- أرخص في الصين منها في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنَّ مقياس مماثلات القوة الشرائية له العديد من الاستخدامات، فإنَّ تقييم القوة الجيوسياسية ليس أحدها. إلى جانب أنه ليس مفيداً في الإجابة على السؤال الأساسي الذي يركز عليه معظم المُعلِّقين، وهو: كيف تعادل القوة الاقتصادية للصين نظيرتها في الولايات المتحدة في سياق التنافس الأوسع على الهيمنة العالمية.
هل أصبح نفوذ بكين الاقتصادي مماثلاً لأمريكا؟
هناك اعتبارات أكثر صلة بالموضوع، منها على سبيل المثال: كم من المال يمكن للصين أن تساهم به في صندوق النقد الدولي والوكالات المتعددة الأطراف الأخرى، وكم قوة التصويت التي يجب أن تحصل عليها في المقابل.
وهناك اعتبار آخر يتمثل في وجهة نظر الدول الأخرى ذات المطالب التنافسية في منطقة بحر الصين الجنوبي: كم عدد السفن التي يمكن للصين شراؤها وبناؤها ونشرها؟ وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الجيوسياسية، من المفيد الاستناد إلى الناتج المحلي الإجمالي للصين بأسعار الصرف الحالية.
فالمسألة لا تتعلق بكمية الخدمات المحلية التي يمكن للمستهلكين الصينيين شراؤها، بل ما الذي يمكن أن يشتريه اليوان في الأسواق العالمية.
من المؤكد أنَّ البعض يشير إلى أنَّ صندوق النقد الدولي نفسه يستعرض الناتج المحلي الإجمالي للدول في صورة مماثلات القوة الشرائية لخدمة أغراض محددة للغاية في توقعاته الاقتصادية العالمية. لكن صندوق النقد الدولي لا يتخذ موقفاً من السؤال المتعلق بأي الاقتصاديات أكبر.
كيف يقيم صندوق النقد الدولي اقتصاد البلدين، ومتى سيتم نقل مقره من واشنطن إلى بكين؟
أقرب تقييم لصندوق للاقتصاديات هو صيغته التي توجه تخصيص حصص الدول الأعضاء. وهنا، يُحسَب الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للآتي: 60% منه وفق أسعار الصرف السوقية و40% وفق أسعار مماثلات القوة الشرائية. (يمثل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي نصف الصيغة الإجمالية، في حين تمثل المقاييس الأخرى، مثل الانفتاح التجاري، النصف الآخر.)
ويأخذ صندوق النقد الدولي أحجام حصص الدول الأعضاء على محمل الجد. فعلى سبيل المثال، إذا حصلت الصين على حصة أعلى من الولايات المتحدة، فإنَّ بنود اتفاقية الصندوق تتطلب منه نقل مقره من العاصمة الأمريكية واشنطن إلى بكين.
وللوقت الحالي، تتمتع الصين بنفوذ أقل بكثير من الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي. لكن في عهد الرئيس دونالد ترامب، تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها في المنظمات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة الصحة العالمية (حتى في خضم جائحة فيروس كورونا المستجد). وبالتالي، لا يجب أن يندهش أحد لأن الصين تتوجه لملء هذا الفراغ.