وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يوم الخميس 28 مايو/أيار يستهدف منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الذي تقدمه تلك المواقع.
يهدف القرار التنفيذي إلى إزالة الحماية القانونية لتلك المنصات بموجب البند 230 من "قانون آداب الاتصالات" الأمريكي لعام 1996. وبإبطال ترامب البند 230، تصبح شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولة قانوناً عما ينشره الأشخاص على تلك المنصات التابعة لهم، بحسب تقرير لموقع Digital Trends الأمريكي.
القانون الذي يحمي حرية التعبير عبر شبكة الإنترنت موجود منذ أكثر من 20 عاماً، غير أنه لطالما تعرض لانتقادات سابقة من كلا الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، وحتى من المرشح الرئاسي الديمقراطي المفترض جو بايدن.
إليك ما تحتاج إلى معرفته عن البند 230، ومدى تأثيره في الكيفية التي تشكل بها استخدام الإنترنت في العصر الحديث.
ما هو البند 230؟
تأسس قانون "آداب الاتصالات" The Communications Decency Act بوصفه الباب الخامس من "قانون الاتصالات" الأمريكي لعام 1996، في وقت كانت فيه شبكة الإنترنت تنمو وتتوسع في خضم أول ازدهار تقني كبير في التسعينيات. وأُنشئ القانون في البداية للتحكم التنظيمي في بث محتوى المواد الإباحية على الإنترنت.
وأنشأ السيناتور الديمقراطي رون وايدن والنائب الجمهوري في الكونغرس، كريستوفر كوكس، البند 230، ضمن قانون آداب الاتصالات لحماية حرية التعبير عبر شبكة الإنترنت.
وقبل وقت طويل من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحالية، كان الهدف من البند 230 هو تنظيم العمل في مواقع مثل المنافذ الإخبارية وأقسام التعليقات والمنتديات عبر الإنترنت مواقع الويب الأخرى، حيث يمكن للأشخاص المشاركة بأفكارهم وآرائهم. وبدون البند 230، لم تكن معظم المواقع التي نستخدمها اليوم، وعلى رأسها "جوجل" و"فيسبوك"، لتكون على النحو الذي نعرفه.
يقول زوهار ليفكوفيتز، الرئيس التنفيذي لشركة L1ght المعنية بمكافحة المواد المسيئة عبر الإنترنت: "كان هذا البند مناسباً جداً قبل 20 عاماً لتنظيم التعامل مع مواقع إلكترونية معينة".
ما الحماية التي يوفرها هذا البند؟
ينص البند 230 على أنه: "لا يتم التعامل مع أي مزوّد بالخدمة أو مستخدم لخدمة كومبيوتر تفاعلية على أنه الناشر أو المتحدث باسم أي معلومات مقدمة من مزودي محتوى معلوماتي آخرين".
ومن ثم يحمي البند مواقع الويب من المسؤولية إذا نشر أحد مستخدميها شيئاً غير قانوني أو مثيراً للجدل، لذلك لا يمكنك مقاضاة شركة "تويتر" على محتوى تغريدة نشرها شخص ما، على سبيل المثال.
ولما كان البند يسمح بحرية التعبير دون مضايقات، فإن منصات التواصل الاجتماعي تحبذ بقاء البند 230 لأنها تعلم أنه يحول دون معاقبتها على أي تعليق أو مشاركة غير لائقة. ومع ذلك، لا تزال هذه المواقع تخضع المحتوى المقدم عبرها لعمليات تنظيم، خاصة المحتوى المتعلق بخطابات الكراهية والتهديدات بالعنف والإرهاب والمضايقات وغيرها، لأنها في النهاية شركات خاصة.
كان هذا القانون جوهرياً فيما يتعلق بإنشاء وسائل التواصل الاجتماعي لأن وجوده بصورته الحالية سمح للأشخاص بالتحدث بحرية ونشر الأعمال الإبداعية ومشاركة المعلومات عبر منصات الخدمة الأساسية.
على الجانب الآخر، فإن البند 230 مسؤول جزئياً عن السماح للشبكات الاجتماعية بأن تصبح أرضاً خصبة لممارسات التسلط عبر الإنترنت، ونشر خطاب الكراهية ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة والتحرش ولغة التهديد، وغيرها.
هل يلغي الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب البندَ 230؟
إن الأمر التنفيذي لترامب بإبطال البند 230 لن يجعل القانون يختفي بطريقة سحرية ما ليذهب هذا التشريع بدون رجعة. فشركات مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"جوجل" ستخوض مواجهة ضد الأمر بلا شك، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لاتخاذ قرار في نظام المحاكم الفيدرالية. وفي نهاية المطاف، فإن الكونغرس فقط لديه السلطة لتغيير القوانين.
ومع ذلك، فبعيداً عن ترامب، فإن هناك سياسيين آخرين، مثل المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن والسيناتور الجمهوري جوش هاولي، قد دعوا إلى إجراء تغييرات على هذا التشريع.
يقول ليفكوفيتز إنه على الرغم من أنه لا يوافق على دوافع ترامب بشأن الأمر التنفيذي الذي أصدره، فإن قراره يمثل خطوة نحو مناقشة المحتوى الضار المحتمل نشره عبر هذه المواقع.
وقال: "لست متأكداً ما إذا كان هذا الأمر التنفيذي هو السلوك الصحيح، ولكن دعونا ننطلق منه لبدء محادثة حول كيف يمكننا حل هذه المشكلة التي يشهدها مجال المواقع الإلكترونية".
ماذا سيحدث إذا اختفى البند 230؟
يجادل كثير من معارضي إلغاء البند 230 بأن إلغاءه سيمثل عائقاً أمام حرية التعبير عبر الإنترنت ويدمر صورة الإنترنت التي نعرفها.
ولا تريد شركات التقنية الإلكترونية أن تخضع للمقاضاة، ومن ثم إذا باتت مسؤولة عن كل تغريدة أو مشاركة تنشر عبرها، فمن المرجح أن تضع هذه الشركات آليات لمراجعة المحتوى بحثاً عن أي مواد تشهيرية قبل نشرها. أي إن الأمر سيشكل بصورة أساسية نهايةً للمحتوى المنتج من المستخدمين على الشبكات الاجتماعية التي تعتمد عليه.
من الناحية النظرية، ستصبح التغريدات المباشرة الحية live-tweeting، على سبيل المثال، أمراً شبه مستحيل، إذ سيتعين على مشرفي المحتوى في تويتر مراجعة كل تغريدة قبل نشرها. والأمر نفسه ينطبق على كل مشاركة على موقع "فيسبوك" أو فيديو على موقع "يوتيوب"، إذ سيتعيّن على مشرفين بشريين أو خوارزميات مراجعة تلك المواد قبل نشرها للجمهور. ومع وجود مليارات من المستخدمين والمشاركات، سيصبح الاضطلاع بهذه المهمة الهائلة أمراً مستحيلاً.