كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، يوم الأربعاء 27 مايو/أيار، أنَّ المحكمة الجنائية الدولية طلبت من السلطة الفلسطينية إيضاحات ومعلومات إضافية حول تصريحات الرئيس محمود عباس الأخيرة، حول الانسحاب من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، على خلفية قرار تل أبيب بضم أجزاء من الضفة الغربية.
وبحسب الصحيفة العبرية فإنَّ ذلك جاء في إطار الإجراءات التمهيدية لفحص إمكانية فتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبتها "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية، حيث كانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنها تريد فتح تحقيق في قضية رفعها الفلسطينيون منذ عام 2015 بخصوص "جرائم حرب" يتهمون إسرائيل بارتكابها، في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والقدس الشرقية، وفي قطاع غزة.
ماذا يعني إلغاء الاتفاقيات بين السلطة وإسرائيل للمحكمة الدولية؟
بحسب صحيفة هآرتس، فإنه "في حال أجابت السلطة الفلسطينية بأنّ الاتفاقيات لاغية بشكلٍ رسمي، فإنَّ ذلك سيكون له تأثير على عدة مجالات أمنية ومدنية وقانونية، لأنَّ الادعاء الإسرائيلي قد يتضرَّر بغياب اتفاقيات مع الفلسطينيين، وسيتعيَّن على إسرائيل تقديم ادّعاء آخر للمحكمة".
وبيَّنت الصحيفة أنَّ المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، بنسودا، تعتمد على اتفاقيات أوسلو في تحقيقها، لكن في حال أصبحت الاتفاقيات لاغية فإنّه يتعيّن على المدعية إعادة النظر في ادعاءاتهم القانونية.
وتقول هآرتس إن الفلسطينيين سيواجهون مشكلة في هذه الحالة، لأنَّه سيتعين عليهم الدخول في تفاصيل الاتفاقيات التي أعلنوا أنّها لاغية. إذ طلب قضاة المحكمة الدولية معرفة وضع الاتفاقيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين حالياً، وذلك بعدما زعمت إسرائيل أن "اتفاقيات أوسلو تُثبت أنَّ السلطة الفلسطينية ليست دولة"، ما يعني أنَّ السلطة لا يمكنها أن تكون طرفاً في معاهدة تعمل محكمة الجنايات بموجبها، وتعتبر إسرائيل أنّه بذلك لن يكون بإمكان محكمة الجنايات الدولية النظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين.
"طلب ليس له سند قانوني"
لكن د. رامي عبده، مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يرى أن هذا الطلب حتى وإن أثير، فليس له أي سند قانوني أمام اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب، وانضمام الأخيرة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومن ضمنها "ميثاق روما" المشكل للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يمكنها من المطالبة بتحريك المسؤولية الجنائية تجاه القادة الإسرائيليين حول الجرائم التي ارتكبوها في الأراضي الفلسطينية، والمشار إليها في طلب الإحالة الذي تقدمت به فلسطين إلى مكتب المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف عبده لـ"عربي بوست"، أن التقييم الأوّلي يشير إلى أن التحقيقات بوقوع جرائم حرب تأتي وفق القانون الإنساني الدولي، وهذا لا يشترط أن تكون هناك اتفاقيات بين الأطراف المتنازعة، لكن التخوف من أن حدود الولاية القضائية للمحكمة الدولية على الأراضي الفلسطينية قد تكون مرتبطة باتفاقية أوسلو، التي تستند بشكل أساسي إلى أن أراضي السلطة الفلسطينية هي الأراضي المحتلة عام 1967، إذ مثلت اتفاقية أوسلو فرصة لأن يكون كيان فلسطيني معترف به أمام المجتمع الدولي.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، رحّبت السلطة الفلسطينية بتقرير مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، حول اختصاص المحكمة بالأرض الفلسطينية المحتلة. إذ كانت بنسودا أكدت على الحقائق التي تنسجم مع أن الولاية الجغرافية للمحكمة الجنائية، تقع على الأرض الفلسطينية المحتلة، والتي تشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة".
ضغوط على المحكمة الدولية.. كيف ستردُّ السلطة الفلسطينية؟
ويرى عبده عبده أن هناك ضغوطاً كبيرة جرت على المحكمة الدولية من أجل إبطاء التحقيقات بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وربما يكون الأمر الأخير الذي أثارته الصحف الإسرائيلية، أحد الوسائل للتأثير على قرار المحكمة، وإحداث تأثير سياسي على سير عملها، و"أعتقد أن هذا التأثير قد يفشل هذه المرة، لكنه قد ينجح بإبطاء وتيرة التحقيقات".
وشدَّد أنه يجب على السلطة الفلسطينية دراسة ردها على المحكمة جيداً بالتشاور مع الخبراء القانونيين، لأن ردها يمكن أن يُستغل باتجاهين، الأول إخضاع السلطة للقبول باتفاق أوسلو كمرجع لهذه التحقيقات، وهو ما سيؤثر على الاتجاه السياسي الجديد للسلطة الآن لمواجهة قرار ضم أجزاء من الضفة. الأمر الآخر هو التحلل من الالتزامات مع إسرائيل وفق أوسلو، ما سيعطي حصانة لقادة الاحتلال من هذه التحقيقات. هذا الأمر يحتاج لدراسة قانونية متأنية من قبل السلطة، يقول عبده.
يُذكر أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أكّد خلال حديثه باجتماع القيادة الفلسطينية، الأسبوع الماضي، أنّ "القيادة ومنظمة التحرير أصبحتا اليوم في حل من الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الاتفاقات الأمنية"، وذلك في أعقاب إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بأنّه سيبدأ بإجراءات تنفيذ ضم مناطق تعادل 30% من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل.