ما الذي يصنع من ممثل ما، دون غيره من زملائه، بطلاً لعمل فني معين؟ ألحَّ عليَّ السؤال وأنا أتابع مجموعة من الوجوه التي باتت تحظى بالبطولة المطلقة فجأة، عاماً بعد آخر، وصار وجودهم "فرض عين"، في المواسم الرمضانية، الغريب أن استمرارهم لا يتعلق بمدى نجاح أعمالهم السابقة، لأن وجودهم له مقاييس وأسباب مختلفة، أبعد من مجرد الموهبة أو التميز والنجاح.
أبطال وضعتهم المصادفة في مأزق صعب للغاية هذا العام، مع وجود وجوه أخرى ثانوية في العمل تحمل ما يكفي من الموهبة والاجتهاد، والرغبة في إثبات الذات، تحولوا بأدائهم المميز إلى أبطال العمل الحقيقيين، يرسمون البسمة تارة والانبهار تارة أخرى على وجوه المشاهدين الذين راحوا يطالبون بضرورة إعطائهم مساحات أكبر، في السنوات القادمة مع تنبؤات لا نهائية بمستقبل باهر لهم، شعرت بالتشكك في إمكانية قدومه، حيث سبق لي الانبهار مرات عديدة بوجوه لم تلبث أن اختفت لعدم توافر أسباب البقاء.
ما هو مقياس البطولة؟
"لو النجاح بالتعب كان الحمار نام على سرير من دهب" واحدة من الأقوال المأثورة، تدعم القناعة الشهيرة "ذاكر تنجح غش تجيب مجموع" بت أوقن منهم وأنا أتأمل بعض الممثلين عاماً بعد آخر، يواصلون الظهور بإصرار، على الرغم من غياب القبول، فمثلاً لم يعد هناك شك أن الممثلة الشابة ياسمين صبري تفتقد للموهبة في مجال التمثيل، لكنها ومع ذلك حظيت بالبطولة المطلقة لعامين متتاليين وسط موجة انتقادات عنيفة، حاولت تخمين السبب الذي قد يدفع المنتج في كل مرة للإقدام على تلك الخطوة، ما الذي أغراه في العام الماضي، ربما هو الجمال، الذي تحظى به ياسمين، والذي أهّلها من قبل لتصبح الوجه الإعلاني لشركة كارتييه العالمية، عبر التعاقد الحصري معها، جمالها رشحها أيضاً لأن تكون الوجه الإعلاني لشركة العدسات لاصقة شهيرة حتى أنها ظهرت على غلاف مجلة فوغ العالمية، لكن هل الجمال مبرر كافٍ لمغامرة المنتج؟
ربما السبب هو الارتباط بواحد من مشاهير الأوساط الاقتصادية أو الفنية، ما إن يحدث الارتباط حتى تبدأ رحلة البطولة المطلقة، كما هو الحال مع رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة وزوجته ياسمين صبري، الأمر ذاته تكرر في حالة رجل الأعمال محمد حلاوة، الذي مثل ارتباطه بالفنانة الشابة ريهام حجاج نقطة تحولها إلى البطولة المطلقة، بمسلسل "كارما" في العام الماضي، وصولاً إلى "لما كنا صغيرين" هذا العام.
ريهام التي ارتبط ظهورها بعدة مشكلات تعلقت بترتيب الظهور على أفيش العمل بحيث ظهرت ريهام ومن خلفها محمود حميدة وخالد النبوي، إلا أن الاعتراضات دفعت الشركة لتعديل الأفيش بحيث تصبح هي خلفهم، لكن الفنانة نسرين أمين فعلت كما يقول المثل الشعبي "جابتها على بلاطة" في تصريح لها حين أكدت: "كلنا عارفين إن المسلسل بتاع ريهام!" وعلى المنوال ذاته جاء ارتباط الفنانة الشابة دينا الشربيني بالفنان عمرو دياب، نقطة انطلاق لها في البطولات المطلقة.
وفي بعض الأحيان لا يتعلق الأمر بالجمال، أو الحالة الاجتماعية، ولكن بالقاعدة الجماهيرية العريضة كما هو الحال مع محمد رمضان، فتتكرر البطولة حتى مع تكرار القصة والأداء وطاقم العمل، المهم المكسب.
فتحي بطل "البرنس"
وجوه عديدة جاءت عبر مسلسل البرنس، إلا أن "أحمد زاهر" استطاع وحده أن يجذب مشاعر المشاهدين، عبر قدراته الاستثنائية في تقديم قدر من الحقد والغل الإنساني نفذ إلى قلوب المشاهدين إلى الدرجة التي أكد معها "أنا بيجيلي مكالمات ناس بتشتمني وتهددني بالقتل".
بشكل أو بآخر أصبح فتحي هو البطل الحقيقي للمسلسل، تكره شره، وتضحك لبؤسه، وتفرح لضربه وتشعر بالضيق من خيانته، تأسرك حركته ويخطف عينيك طوال المشهد حيث يمتعك بكل طلة يقدمها. كل هذا في الوقت الذي ظل فيه محمد رمضان "رضوان" ثابتاً على رتم واحد، ممل وبائس، فضلاً عن طول فترة البقاء في السجن، وبطء انتقامه المعروف سلفاً، ما ترك الساحة خالية ليتألق فيها فتحي وكأنه البطل الحقيقي.
البطولة للجميع.. في "100 وش"
ربما هي المرة الأولى التي ينتبه فيها الجمهور بهذا القدر لوجوه جديدة، بعضهم تألق من قبل في أعمال شهيرة مثل إسلام إبراهيم في البرنامج الشهير SNL بالعربي، وبعضهم لم يحظَ بمساحة كافية قبل "100 وش"، مثل شريف دسوقي (سباعي) ودنيا ماهر (نجلاء).
في حالة "100 وش"، البطولة جماعية، و الشخصيات الثانوية على الخط ذاته مع نيللي كريم وآسر ياسين، لكن الأمر ليس خارجاً عن إرادة صناع العمل كما هو الحال في بقية الأعمال، في الحقيقة الأمر بالكامل متعمد من مخرجة العمل كاملة أبو ذكري التي أفردت لكل وجه مساحة كافية لإبراز موهبته وتقييمه، ليس باعتباره "سنيد" أو شخصاً ثانوياً، ولكن باعتباره بطلاً في حد ذاته، ربما لهذا جاء المسلسل باعتباره الأفضل هذا العام، والأقل تعرضاً للانتقاد والسخرية.
بدا هذا واضحاً في احتفاء النقاد بالمسلسل الذي اعتبروه حالة تستحق الاحتفاء فيما راحوا يفندون الوجوه، فمثلاً كان أكثر ما لفت انتباه الناقد محمود قاسم في مسلسل "100 وش"، هو أداء الممثل الشاب إسلام إبراهيم "بمجرد ظهوره على الشاشة يبعث جو من الكوميديا، بداخله طاقة متفجرة من الضحك".
حالة الحفاوة ذاتها أحاطت بالممثل شريف دسوقي، الذي راح يتلقى التهاني عن دوره المميز "سبعبع"، الذي أضحك مشاهدين، شبعوا من البكاء، تارة في الاختيار، وتارة أخرى في البرنس وخيانة عهد، فراحوا يكتبون عنه في منشورات خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره السهل الممتنع، بعدما استطاع إضحاك الجميع على الطريقة المصرية "وهو سايب إيديه"، فيما حظيت الفنانة دنيا ماهر بشهرة استثنائية بسبب جملتها "معنديش لا قريب ولا حبيب ولا غريب"، لتتحول إلى موضوع كوميكس مواقع التواصل ونموذج في الوحدة والبؤس.
أحمد الرافعي وضياء عبدالخالق هما "الاختيار"
تعبيرات وجه بشوشة، هادئة، مثيرة للريبة والخوف والاطمئنان في الوقت ذاته، حلقة واحدة فقط كانت كفيلة بإثارة انتباه الجمهور لممثل يراه بعضهم للمرة الأولى، حين قدم الممثل الشاب أحمد الرافعي دور مفتي الجماعة الإرهابية، عمر رفاعي سرور، "لتشتعل من بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بصوره، فيما راح بعض المهتمين بالبحث عن صفحته الشخصية وخلفيته لتحدث الصدمة، بسبب منشور سابق له حول وفاة المفكر المصري فرج فودة، حيث وصف وقتها الرافعي موته بـ "النفوق". لتبدأ حالة من الجدل الشديد حول الفارق بين الفنان ومعتقداته وهل يجب الخلط بينهما أم لا، لكن هذا لم ينفِ حالة الحفاوة التي لاقاها حتى من ممثلين لم يقابلهم من قبل: "أحمد الرافعي، إيه الحلاوة دي بجد ممثل شاطر أوي وحاسة إنه هيكون نجم كبير أوي وفاهم الشخصية أوي بجد من جوه ومن برا وأكتر حاج فرحتني إنه خريج فنون مسرحية، أنا ماعرفهوش بس اللي يعرفه يقول له برافو انت جامد ورفعت راسنا" قرأت تعليق الفنانة داليا مصطفى عقب مشاهدتها للمسلسل فعلمت أن انبهاري لم يكن رأياً شخصياً.
في المسلسل ذاته تألق الفنان الشاب ضياء عبدالخالق في شخصية أبو عبدالله، قائد الإرهابيين، نبرة صوته، تعبيرات وجهه، وجسده، ظلت بعيدة عن المبالغة الفجة، علقت بأذهان المشاهدين الذين استمتعوا بـ "التمثيل" وليس "الأداء".
في حين أثنى الناقد الصحفي محمد عبدالرحمن قائلاً: "التقدير مهما تأخر يصل في موعد لا يعلمه إلا الله، وفي كل موسم يحظى أحد الموهوبين بتقدير ربما لو حصل عليه مبكراً لاختلفت المسيرة، كل شيء بأوان، وهذا الموسم هو أوان "أبو عبدالله" في الاختيار، و"فرج العقاد" في الفتوة، كل التحية لفنان حقيقي اسمه ضياء عبدالخالق"، الرأي ذاته تبناه الناقد الفني أحمد سعد الدين حيث اعتبر أن ضياء عبدالخالق هو رقم واحد، فيما أثنى عليه الفنان صلاح عبدالله معتبراً أن دوره نجاح كبير.
هبة مجدي نالت من "فرصة تانية"
لم تحظَ ياسمين صبري في بطولتها لـ "فرصة تانية" في دور "ملك" بكم الإعجاب والمتابعات، بل والكوميكس التي حظيت بها زميلتها هبة مجدي، التي لعبت دور مريم، والتي حرصت هذه المرة على أن تقدم دوراً بدا مختلفاً وسط كل العبث الدائر في المسلسل، تنتقل فيه من دور الزوجة المقهورة ضعيفة الشخصية أمام زوجها المتسلط، إلى امرأة قوية متحكمة تعلم ما تقول وتتقن إدارة أمورها فيما بدا تحولها مثيراً لإعجاب المشاهدين، لأنه بضدها تتمايز الأشياء، فقد برز أداء الفنانة الشابة بالمقارنة مع الأداء البارد لبطلة العمل ياسمين صبري، في مقارنة جاءت بالتأكيد في صالح هبة مجدي.
هل يستمرون؟
لا أنسى أبداً المخرج والممثل المبدع مجدي عبيد، صاحب شخصية "أبو الروس" في مسلسل حديث الصباح والمساء، الذي أبهرني أداؤه وقت عرض المسلسل وما زال يبهرني في كل مرة، كيف قدم شخصية الرجل قصير القامة، معتل البنية بهذا القدر من الجدية والتميز، توقعت أن أراه في مسلسلات لاحقة كما هو الحال مع شخصيات مثل إبراهيم فرح، الذي قدم شخصية الشيخ عبدالقادر في المسلسل الشهير "الخواجة عبدالقادر"، أو على الأقل أن تواصل ممثلة بحجم وقدرة عائشة الكيلاني عملها، أو حتى يحظى ممثلون بحجم محمود حميدة وخالد النبوي بما يكفي من الاحترام لتاريخهم في أبسط الأمور "صورة الأفيش"، لكن "المقاييس" السائدة لا تعترف بالموهبة قدر الجمال الشكلي، والمكانة الاجتماعية والعلاقات مع صناع لا يهمهم الكيف بقدر الكم، لذا ورغم كل الرؤى المتفائلة والتشجيع العنيف، أشعر بالخوف على مستقبل هؤلاء، هم جيدون لكن المحظوظ منهم فقط هو سوف يستمر في وسط لا يعرف سبيلاً للموهبة والتميز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.