بعد 6 أعوام من الدعم المتواصل وإنفاق مئات ملايين الدولارات، ورغم فشل خليفة حفتر الذريع في تحقيق أيٍّ من أهدافه في ليبيا، لا تزال دولة الإمارات تواصل إنفاق أموالها الطائلة لدعم الجنرال الانقلابي منذ عام 2014. إذ كلفها ذلك خرق حظر أقرّه مجلس الأمن الدولي عام 2011، على تصدير السلاح إلى ليبيا، بدعمها حفتر بأسلحة ثقيلة واستراتيجية تملك بعضها وتحصل على البعض الآخر من دول أخرى، في محاولة منها للإطاحة بالحكومة الليبية المعترف بها دولياً.
وبعد سيطرة جيش حكومة الوفاق الإثنين الماضي على قاعدة "الوُطية" الجوية غرب العاصمة طرابلس، بتحريرها من حفتر ومصادرة عتاد عسكري كبير وصواريخ وأنظمة دفاع جوي روسية كانت تملكها الإمارات، اتجهت الأنظار مجدداً إلى فاتورة الأموال التي تنفقها أبوظبي من أجل حرب السيطرة والنفوذ في ليبيا، وعن الأسباب التي تقف وراء ذلك.
ما الفاتورة التي دفعتها أبوظبي في ليبيا؟
وفقاً تقارير للأمم المتحدة ومصادر أخرى، فإن أبوظبي تستخدم، منذ 2014، علاقاتها الإقليمية والدولية، إضافة إلى الدعم المادي، للإطاحة بالحكومة الشرعية في ليبيا وتنصيب حفتر مكانها في البلد الغني بالنفط.
ووثق تقرير لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، الدعم الذي قدمته أبوظبي لحفتر، وعرض الأسلحة التي زودته بها:
- تضم الأسلحة، التي دفعت أبوظبي ثمنها وأرسلتها إلى ليبيا، أنظمة دفاع جوي روسية من طراز (بانتسير-إس 1)، بـ14,7 مليون دولار، ومروحيات من طراز "سوبر بوما"، بـ15 مليون دولار تم شراؤها من دولة جنوب إفريقيا، وطائرات مسيّرة مسلحة إماراتية الصنع من طراز "يابهون" بـ25 مليون دولار، وطائرات مسيّرة مسلَّحة روسية من طراز "أورلان"، التي تساوي تكلفة الواحدة منها 100 ألف دولار.
- كما زودته بطائرات نقل أفراد "سوفييتية" من طراز "أنتونوف أن-26" و"إيلوشين إل-76″، وطائرات مسيرة مسلحة صينية من طراز "لونع وينغ" بمليوني دولار، وصواريخ "بلو أرو 7" صينية، وصواريخ "GP6″، وصواريخ "هوك" أمريكية الصنع بـ20 ألف دولار، وناقلات جند مدرعة إماراتية.
- كما توفر الإمارات مقاتلين أجانب وتدفع رواتبهم للقتال بصفوف حفتر، وبينهم مئات المرتزقة الروس وميليشيات "الجنجويد" السودانية ومتمردين من تشاد.
- ونقلت شركات تابعة للإمارات 11 ألف طن وقود طائرات خاص بالأغراض العسكرية إلى الميليشيات غير الشرعية في ليبيا، رغم الحظر الدولي.
- وأظهرت تفاصيل وثائق سرية أعدتها لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بخصوص ليبيا، بأن شركة إماراتية أسست شركة واجهة في الأردن، بهدف دعم حفتر واشترت من خلالها 6 مروحيات وقاربين، لشن هجمات على السفن التي تمر قرب السواحل الليبية.
مئات طائرات الشحن وتجنيد جيوش من المرتزقة
- وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بخصوص حجم الإنفاق العسكري الدولي بين عامي 2015 و2019، احتلت الإمارات المرتبة الثامنة عالمياً خلال هذه الفترة. وأفاد التقرير بأن حصة الإمارات من واردات السلاح بلغت 3,4%، رغم كونها دولة صغيرة بمساحة 83 ألفاً و600 كيلومتر مربع، وعدد سكان حوالي 10 ملايين نسمة فقط.
- كما دعمت الإمارات القوات غير الشرعية في ليبيا بمروحيات من بيلاروسيا. واشترت الإمارات، قبل فترة قريبة، من الولايات المتحدة 4569 مدرعة عسكرية من طراز MRAP بـ556 مليون دولار، لاستخدامها في حماية القوات وتوصيل المساعدات.
- كما أرسلت أبوظبي إلى ليبيا معدات عسكرية جوية ومركبات مدرعة وأسلحة ثقيلة عديدة يستخدمها حفتر في استهداف المناطق السكنية؛ ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب أضرار مادية واسعة.
- ووفقاً لأنظمة تتبع الرادار، أرسلت أبوظبي أيضاً أسلحة بواسطة المئات من طائرات الشحن، بين 12 يناير/كانون الثاني و26 فبراير/شباط الماضيين.
- لم تكتفِ أبوظبي بالمشاركة في القصف الجوي للجيش الليبي الموالي لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، بل وفرت لحفتر دعماً مالياً بأشكال مختلفة سواء من خلال تمويل صفقات سلاح لحساب الأخير مع أطراف ثالثة، خاصة مع شركات لدول في أوروبا الشرقية، أو دول حليفة مثل مصر وفرنسا.
- كما قامت أبوظبي بتجنيد مرتزقة أفارقة سواء من "الجنجويد" السودانيين أو من جماعات المعارضة المسلحة في تشاد ودارفور السودانية.
ما الذي تريده الإمارات من ليبيا؟
منذ إعلانه تشكيل ما يسمى "الجيش الوطني الليبي" عام 2014 والانقلاب على حكومة الوفاق وشن "معركة الكرامة" ضدها بحجة "محاربة الإرهاب الإسلاميين الجهادي المتشدد"، أصبح تدخل أبوظبي في ليبيا بدعمها للميليشيات حفتر واسع النطاق، كما انضمت مصر إلى الإمارات في هذا الدعم، ثم تحول الدعم الإماراتي تدريجياً إلى احتلال وبقاء دائم في الأراضي الليبية، عبر السيطرة المباشرة على قاعدتي "الجفرة" و"الخادم" الجويتين.
وكانت آخر فصول الحرب التي شنها حفتر بدعم إماراتي واسع قد بدأت قبل عام، حين هاجم حفتر العاصمة الليبية طرابلس، التي تعد أحد آخر المعاقل المتبقية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، حيث كان هدفه متمثلاً في الاستيلاء على المنطقة الحضرية الثمينة، التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة، والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، وخسر الكثير منذ ذلك الحين، وتحولت من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، خصوصاً بعد التدخل التركي الداعم للحكومة المعترف بها دولياً، وعدم حصوله على أي دعم دولي يشرعن حربه على الوفاق.
وحرصت الإمارات على تعويض ضعف ميليشيات حفتر على الأرض، إذ شنَّت أكثر من 900 غارة جوية على طرابلس الكبرى في العام الماضي، باستخدام طائرات صينية مقاتلة بدون طيار، وطائرات مقاتلة فرنسية الصنع في بعض الأحيان، لكن التدخل التركي أسفر عن خسارة الإماراتيين لزمام المبادرة في ليبيا، وألقت أبوظبي باللوم في هذه الخسارة على عدم كفاية القوة النارية وقوات المرتزقة التي حُشِدَت في العام الماضي.
فاتورة باهظة الثمن مفتوحة منذ 6 أعوام
ومن أجل أهداف سياسية وأطماع بالسيطرة والنفوذ، ما تزال الإمارات تدعم حفتر رغم كل خساراته، على أمل تقديمه كقيادة معادية للإسلاميين، باستنساخ تجربة السيسي في مصر عام 2013، إذ ترى أبوظبي في حفتر "حصناً" ضد الإسلاميين في شمال إفريقيا، وتراه شخصاً يمكنه معارضة الجماعات الإسلامية المدعومة من قطر وتركيا، والقضاء على أي دور للإسلاميين في مستقبل ليبيا القادم.
لكن 6 أعوام من الدعم الإماراتي المستمر وإنفاق مئات ملايين الدولارات لحفتر دون أي نتائج تذكر على الأرض، أدى في غضب كبير في الإمارات نفسها، إذ باتت الإمارات الأخرى في الدولة الخليجية منزعجة بشدة من تحول الإمارات من دولة كانت مركز جذب استثماري وسياحي بمنطقة الخليج إلى دولة يقترن اسمها بالأزمات السياسية والتدخلات الخارجية في المنطقة.
فخلال اجتماع سري عُقد في 1 أغسطس/آب الماضي -كانت وكالة الأناضول التركية نشرت تفاصيله استناداً لما وصفته بمصدر مقرب من جهات إماراتية مطلعة- حول السياسات الخارجية للدولة وتدخلها في شؤون دول المنطقة، جمع حكام الإمارات التي تشكل الدولة، أعرب محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي رئيس الوزراء نائب رئيس الدولة، عن انزعاجه من السياسات الخارجية للدولة.
وقال بن راشد: "علينا أن نعيد النظر في سياساتنا الخارجية. إننا ننفق مئات الملايين من الدولارات كل يوم. فما المقابل؟!". داعياً إلى إعادة النظر في السياسات الخارجية العدائية للدولة، مشدداً على أن تلك السياسات تكلف الدولة الكثير ولا تعود عليها بأي نفع. وأشار بن راشد إلى أن قوات خليفة حفتر في ليبيا، التي تدعمها الإمارات، لم تحقق أي تقدُّم في محاولتها السيطرة على طرابلس، مضيفاً: "منذ أعوام، ونحن ندعم حفتر دون جدوى، علينا البحث عن بدائل سياسية وليست عسكرية".