أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب متلفز على هامش اجتماع القيادة الفلسطينية، أن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية باتتا في حِل من كل الاتفاقيات والالتزامات مع الجانب الإسرائيلي، ومن ضمنها الأمنية، رداً على إقرار إسرائيل مخططات لضم الضفة الغربية، سيبدأ تنفيذها مطلع يوليو/تموز المقبل.
حدد عباس خارطة طريق العلاقة التي ستنشأ بين السلطة وإسرائيل خلال المرحلة القادمة، من أبرزها إلزام إسرائيل بتحمّدُل جميع مسؤولياتها والتزاماتها كقوة احتلال في أرض فلسطين، وكل ما يترتب على ذلك من آثار وتبعات وتداعيات.
ولوَّح عباس بنية السلطة إدانة إسرائيل في المحاكم الدولية بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وانتهاك القانون الإنساني، مجدداً تمسُّكه بخيار حل الدولتين كمنطلق أساسي للسلام، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وصحيحٌ أنها ليست المرة الأولى التي يلوِّح فيها عباس بإنهاء التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، لكن اللهجة هذه المرة تبدو مرتفعةً أكثر من أي وقت مضى، وتبقى الضمانة الوحيدة لمدى لأن يؤتي ثماره هو تنفيذه على الأرض، والسؤال يبقى حول مصير العلاقات بين السلطة وإسرائيل في حال ما تم تنفيذ قرار عباس على أرض الواقع.
نبرة مرتفعة أكثر من أي وقت مضى..
ورغم أن لهجة عباس بدت مرتفعةً أكثر من مرات سابقة في الرد على الإجراءات الإسرائيلية، فإن المواقف الفلسطينية منها لم تكن بالسقف العالي ذاته، خاصة في ظل القناعات الفلسطينية السائدة بأن عباس ما زال يناور في مربع المفاوضات ذانه مع إسرائيل.
قال أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي شارك في اجتماع الأمس مع عباس، لـ"عربي بوست"، إن "المرحلة القادمة ستكون مختلفة عن سابقتها، حيث إن السلطة تتسلح بموقف عربي ودولي يدعم قرارات الرئيس بشأن وقف العمل بالاتفاقيات والمعاهدات كافة مع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي".
وأضاف أن "هنالك تنسيقاً على أعلى مستوى بين المملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية، لتنسيق المواقف بين البلدين للخروج بردٍّ قوي، متسلحاً بموقف دولي، خصوصاً من القارة الأوروبية لِلجم إسرائيل وإجبارها على إعادة النظر في مشروع الضم؛ لما له من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة".
الملف الأمني.. الحلقة الأبرز
يعد الملف الأمني الحلقة الأبرز في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والتي جاءت ضمن ترتيبات اتفاق أوسلو الموقَّع بين منظمة التحرير وإسرائيل في عام 1993، ويجري بمقتضاه تنسيق العمل الميداني والاستخباراتي بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، لملاحقة عناصر المقاومة واعتقالهم، وتجفيف منابع ومصادر تمويل الفصائل العسكرية في المناطق الفلسطينية.
مع العلم أن تهديد عباس بقطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل لم يكن الأول من نوعه، بل يأتي استكمالاً لتهديدات سابقة أطلقها منذ أن دخلت العلاقات بين السلطة وإسرائيل مرحلة القطيعة منتصف عام 2014، وبدأت السلطة منذ ذلك التاريخ باستخدام ورقة وقف التنسيق الأمني كورقة ضغط على إسرائيل، دون أن تنفذ تهديداتها على الأرض.
عادل شديد، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، قال لموقع "عربي بوست"، إن "الموقف الإسرائيلي من تهديدات رئيس السلطة، سيكون مبنياً على ما يُترجم من هذه التهديدات على الأرض، فالجهات الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل تراقب لأي مدى وأي درجة قد تلتزم أجهزة الأمن الفلسطينية بتعليمات عباس بوقف التنسيق الأمني".
وأضاف أنه "على المستوى السياسي، فلا يبدو أن سقف التحدي الفلسطيني كافياً للجم إسرائيل بإعادة النظر في مشروع الضم، مقابل المكاسب الاستراتيجية التي ستجنيها إسرائيل من هذا المشروع".
إسرائيل لم تُفاجأ بتهديدات عباس..
مع العلم أن إسرائيل لم تبدِ مفاجأتها بتهديدات عباس بتحميلها المسؤوليات كافة باعتبارها قوة احتلال، وقد ردت على هذه التهديدات بصدور مزيد من الأصوات الإسرائيلية التي تطالب بضم جزئي للضفة الغربية، على مستوى الخدمات المدنية كالتعليم والصحة والبلديات.
موقع "واللا" الإسرائيلي نقل عن مسؤول أمني إسرائيلي، قوله إنه لم يطرأ تغير على التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن يبقى هنالك احتمال ضئيل لأن يقطع أبو مازن الاتصال مع إسرائيل.
أظهر عباس على غير العادة، تسلُّحه بقرارات المجلسين الوطني والمركزي التي أُقرت في آخر دورة عُقدت في العام 2015، ضرورة إعادة النظر في العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع إسرائيل، ولكن ذلك لم يكن كافياً أمام بعض الفصائل في الساحة الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين رفضتا المشاركة في هذا الاجتماع.
موقف الفصائل الفلسطينية من تصريحات عباس..
نايف الرجوب، وزير الأوقاف السابق والقيادي في حركة حماس من الضفة الغربية، قال لـ"عربي بوست" إن "خطاب عباس ما زال يحتاج لتطبيق على الأرض، لنرى مدى صدق وجدّية السلطة بوقف العلاقات مع إسرائيل، ونحن في حماس نؤكد وندعم هذه التوجهات في حال تم الالتزام بها، لكن التجارب السابقة للسلطة تعطينا إشارة بأن تهديداتها لا تتعدى كونها تصريحات إعلامية، هدفها امتصاص غضب الشارع، ليس أكثر".
أما حسن عبدو، الكاتب والمحلل السياسي من غزة والمقرب من حركة الجهاد الإسلامي، فقال لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية تفتقد استراتيجية حقيقية لإدارة الصراع مع إسرائيل فيما يخص معركة ضم الضفة الغربية، فتارة تهدد بحل اتفاق أوسلو، وهذا يعني إنهاءها وحلها، وعلى النقيض من ذلك تخرج تصريحات تؤكد أن السلطة بشكلها الحالي نتاج لثمرة جهود وتضحيات للشعب الفلسطيني، وليس من المنطق إنهاؤها".
وأضاف أن "السلطة باتت الآن في موضع اختبار حقيقي أمام الفصائل والشارع الفلسطيني الذي يترقب أن يرى تنفيذ تهديدات السلطة على الأرض، وليس أقل من ذلك وقف ملاحقة نشطاء المقاومة، وترك الشارع لينتفض دون أن تقوم الأجهزة الأمنية بملاحقة المشاركين بهذه الاحتجاجات، والاتفاق على برنامج نضال مع فصائل أخرى كحركتي حماس والجهاد الإسلامي".
أمام ذلك تستعد الحكومة الفلسطينية لعقد اجتماع موازٍ مساء الأربعاء 20 مايو/أيار؛ لبحث تنفيذ قرارات عباس، في حين أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، أن قرارات الرئيس دخلت حيز التنفيذ بدءاً من اليوم.
مع العلم أن تهديدات عباس تتناغم مع مواقف الملك الأردني عبدالله الثاني، الذي تحدَّث قبل أيام، بأن بلاده ستكون في حالة صِدام مع إسرائيل في حال نفَّذت مشروع الضم، رافضاً أن يكون الأردن وطناً بديلاً لفلسطين بأي حال من الأحوال.