هل يجرؤ وزراء صحة دول العالم على محاسبة الصين؟ هذا هو السؤال الرئيسي المطروح على ما يمكن وصفه بأهم اجتماع صحي في التاريخ في ضوء أن القضية الأساسية المطروحة أمامه هي مقترح للتحقيق في مصدر فيروس كورونا.
وهذا الاجتماع التاريخي هو اجتماع جمعية الصحة العالمية وهي بمثابة الهيئة الرئيسية لصنع القرار في منظمة الصحة العالمية، ويحضرها ممثلو 194 دولة عضوة بالأمم المتحدة، وعادة ترسل الدول وزراء صحتها، للمشاركة في الاجتماع الذي يعد بمثابة مجلس الأمن الدولي للصحة.
وبدأت اجتماعات هذه الدورة لجمعية الصحة العالمية التي تحمل رقم 73 ، الإثنين 18 مايو/أيار، وتستمر يومين عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد؛ وذلك نظراً إلى الظروف العالمية الحالية لانتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
ولم تتضح نتائج الاجتماعات بعد حتى مثول التقرير للنشر.
لا شيء يعلو فوق كورونا
وستُخصّص الجمعية هذا العام، هذه الدورة بالكامل تقريباً لتعزيز التنسيق العالمي لمواجهة جائحة كوفيد-19، التي أصابت أكثر من 4.7 مليون شخص وتسببت في وفاة 315.000 شخص.
ويحمل اجتماع هذا العام أهمية خاصة، إذ يأتي في الوقت الذي اجتذبت فيه منظمة الصحة العالمية اهتماماً عالمياً غير مسبوق؛ لدورها التنسيقي والاستشاري خلال الجائحة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقد انتقدت الدول المؤثرة، لا سيما الولايات المتحدة، منظمة الصحة العالمية؛ لبطء استجابتها، وزعمت أنها متحيزة للصين. وقد أوقفت الولايات المتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية رداً على إخفاقاتها المزعومة في التعامل مع كوفيد-19.
مقترح للتحقيق في مصدر فيروس كورونا، فما تفاصيله والدول التي تقف وراءه؟
يدعو المقترح الرئيسي في المؤتمر، والذي قُدِّم بالفعل قبل انعقاد الجمعية، بدعم من 122 دولة، منها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي والمجموعة الإفريقية والمملكة المتحدة وروسيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، إلى مراجعةٍ منهجية لتعامل العالم مع كوفيد-19.
وجاء فيه: "الشروع، في أقرب وقت مناسب، وبالتشاور مع الدول الأعضاء، في سلسلة من الإجراءات للتقييم النزيه والمستقل والشامل… لمراجعة الخبرة المكتسبة والدروس المستفادة من الاستجابة الصحية الدولية لكوفيد-19 بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية".
ولم يتطرق مشروع المقترح إلى الصين أو ووهان (المدينة التي اكتُشف بها الفيروس لأول مرة) بالاسم. لكنه يحث المجتمع الصحي الدولي على:
"… تحديد المصدر الحيواني للفيروس ومسار انتقاله إلى البشر، ومن ذلك الدور المحتمل للمضيف الوسيط، وذلك عن طريق بعض الجهود مثل البعثات الميدانية العلمية والتعاونية".
ويؤكد المقترح أهمية أن تكون مواجهة الجائحة عالمية.
إذ إن المقترح "… يدعو إلى توزيع جميع المنتجات والأدوات الصحية الأساسية عالية الجودة والآمنة والفعالة ويسيرة التكلفة، وضمن ذلك مكوناتها وعناصرها اللازمة للتعامل مع جائحة كوفيد-19، بشكل عادل ومنصف باعتبار ذلك أولوية عالمية".
رد بكين.. جعلت من أستراليا عبرة للآخرين
كانت أستراليا هي أول من طرحت هذا المشروع، ولكن بشكل مختلف أثار غضب بكين.
فقد اعتبرت بكين الدعوات إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في مصدر كوفيد-19 محاولة لتحميلها مسؤولية ظهور وتفشي المرض على مستوى العالم. وعندما اقترحت أستراليا إجراء تحقيق عالمي لأول مرة، الشهر الماضي، قالت الصين إنها "تشعر بقلق بالغ إزاء ذلك وتعارضه بشدة".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، غنغ شوانغ، بعدها: "تتعامل الصين، منذ بدء تفشي المرض، بطريقة منفتحة وشفافة ومسؤولة، واتخذت سلسلة من الإجراءات الحاسمة والقوية وفي الوقت المناسب".
ويُشار إلى أن أستراليا تزعمت الدعوات العلنية لإجراء تحقيق ونجحت حتى الآن في حشد دعم 62 دولة، لكن هذا أدى إلى مزيد من التوترات في العلاقات الأسترالية الصينية.
إذ اقترحت بكين فرض تعريفات جمركية ضخمة على الشعير الأسترالي، وأوقفت بعض واردات اللحوم الأسترالية، في خطوة أدانتها كانبرا واعتبرتها ضغوطاً اقتصادية للتخلي عن موقفها.
هل يجرؤ وزراء صحة دول العالم على محاسبة الصين؟
ولكن مع تزايد الدعم الدولي لإجراء تحقيق، خففت الصين من لهجتها الحادة بشكل كبير. وأشارت وزارة الخارجية الصينية إلى أنه تجب دراسة المقترح الذي صاغه الاتحاد الأوروبي؛ لمناقشته في جمعية الصحة العالمية من منظور مختلف عن المقترح الأسترالي الأولي.
والفارق بين المشروع الأسترالي الأول والمشروع الأوروبي اللاحق، أن الأسترالي كان يهدف -على وجه التحديد- إلى التحقيق في الصين، حيث بدأ الوباء، في حين لا تذكر نسخة جديدة قدَّمها الاتحاد الأوروبي الصين بالاسم. ومع ذلك، تقول مصادر أسترالية إنها لا تزال تعتقد أن الصياغة العامة ستسمح بتدقيق حول الصين.
وقبل الاجتماع، أُعلنَ أن الاتحاد الأوروبي يستعد للاضطلاع بدورٍ رئيسي للدفع من أجل تحقيقٍ بشأن منشأ الفيروس حين تُعقد جمعية منظمة الصحة العالمية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، في مؤتمر صحفي دوري، الأسبوع الماضي: "ليسا الشيء نفسه. ولا يجب النظر إليهما معاً من زاوية سياسية".
هل ستكون تايوان قضية رئيسية؟
من المرجح أن تكون مشاركة تايوان في الاجتماع قضية خلافية، وثمة خوف كبير من أن يضيع وقت الاجتماع الثمين- الذي لن يزيد على يومين بأي حال- في الخلافات حول السماح لممثلي حكومة تايبيه بحضور الاجتماع.
وجدير بالذكر أن حكومة تايوان كانت أول حكومة في العالم تنشر تدابير وقائية للحد من انتشار فيروس كورونا، واعتُبرت الجزيرة قصة نجاح عالمية: إذ لم تسجل سوى 440 حالة إصابة و7 حالات وفاة، رغم أنها تبعد 180 كيلومتراً فقط عن الصين التي بدأت بها الجائحة.
وقد طلب الحلفاء الدبلوماسيون لتايوان، مثل غواتيمالا وهندوراس ونيكاراغوا وباراغواي، رسمياً دعوة تايوان لحضور الاجتماع لتولي دور المراقب. وصرح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، علناً أيضاً بأنه يريد مشاركة تايوان في الاجتماع.
وفضلاً عن اعتبار تايوان دولة ناجحة في مواجهة كوفيد-19، يعد طلب الولايات المتحدة حضورها جزءاً من صراع أكبر بين واشنطن وبكين على التأثير داخل منظمة الصحة العالمية.
ومن المقرر أن تصوت الدول الأعضاء على انضمام تايوان إلى الجمعية. ويتطلب حضورها تأكيداً بالإجماع، ولكن يبدو أن الصين ستمنع حضورها.
ويُشار إلى أنه منذ انتخاب الرئيسة التايوانية المؤيدة للاستقلال عن الصين تساي إنغ ون، عام 2016، اعترضت الصين بصفة متكررة على انضمام تايوان إلى هيئات الأمم المتحدة. وشاركت تايوان في جمعية الصحة العالمية بدور المراقب من عام 2009 إلى عام 2016، عندما كان صديق بكين، ما يينغ جيو، يتولى الرئاسة، ولكنها لم تتلقَّ دعوة للمشاركة من حينها.
ما القضايا الأخرى المطروحة للنقاش؟.. مجاملة الصحة العالمية للصين
اجتماع جمعية الصحة العالمية هذا العام سيكون سياسياً بامتياز- أي سيمر دون كثير من التعليقات العامة- بسبب أزمة كوفيد-19 القائمة حول العالم، والقدرات المختلفة لتعامل الحكومات معها.
وسيكون دور منظمة الصحة العالمية نفسها، وتعاملها مع الجائحة، موضع تدقيق شديد أيضاً، بعد اتهام الولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا، من بين دول أخرى، إياها بالبطء في الاستجابة للتفشي الأوَّلي للفيروس والتحيز إلى الصين.
وتحمَّل رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الجزء الأكبر من الانتقادات، لا سيما من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال إن المنظمة "متحيزة إلى الصين"، وإنها قدَّمت للولايات المتحدة "توصية خاطئة" باستمرار فتح حدودها.
ويُشار إلى أن منظمة الصحة العالمية تعرضت لانتقادات لتعاملها مع جوائح سابقة.
إذ أعلنت عام 2009 تفشي إنفلونزا الخنازير H1N1 جائحة، وهو قرار انتقدته بعض الحكومات في وقت لاحق؛ بزعم أنه دفع الدول إلى اتخاذ تدابير مكلِّفة لمواجهة مرض كان أخف مما تنبأت به المنظمة.
كما واجهت المنظمة ورئيستها آنذاك، مارغريت تشان، انتقادات حادة، لعدم استجابتها بالسرعة الكافية لتفشي فيروس إيبولا المميت بغرب إفريقيا والذي بدأ في ديسمبر/كانون الأول عام 2013.
وستناقش جمعية الصحة العالمية لعام 2020 أيضاً خطة عمل عالمية للقاحات والأمراض الاستوائية المُهمَلة والقضاء على شلل الأطفال.