في وقتٍ متأخر من مساء يوم الأحد 24 يونيو/حزيران، نزل الفريق البرتغالي لكرة القدم بفندق ميركيور، الذي بُني مؤخراً، وهو عبارة عن قطعة معمارية حديثة وغريبة، يجمع بين اللونين الأبيض واللبني، ويشبه فرشاة الأسنان المرنة فليكس. وفي لمح البصر دون أي مقدمات، أصبح الفندق محاطاً بمشجعي كرة القدم من عدة دول، إذ وقف الروس والبرتغاليون والإيرانيون معاً يهتفون إجلالاً للاعب الذي حاز الحذاء الذهبي ثلاث مرات.
لكن من الواضح أنَّ معبود كرة القدم كان رجلاً عادياً لديه احتياجاتٌ أيضاً. فلوَّح بيديه، ورفع إصبع الإبهام محيياً الجماهير، وأومأ مشيراً إلى أنَّه يحتاج إلى النوم، وبهذا أرسل الجماهير العاشقة لكأس العالم إلى منازلهم لبضع ساعاتٍ على الأقل.
بحلول صباح اليوم التالي، وضعت الشرطة حداً فاصلاً ثانياً من الحواجز.
ومكث بعض المعجبين ومعهم كاميرات قنوات الأخبار في أماكنهم عند الفندق، على أمل مشاهدة النجم ولو للحظات.
وخارج الفندق قال إدواردو مارتينيز (18 عاماً)، لصحيفة The Independent البريطانية، إنَّه سافر من مدينة غوادالاخارا في المكسيك من أجل رؤية بطله. فكيف له أن يُضيِّع فرصة رؤية "اللاعب الأكثر كمالاً في العالم؟". وقال ميشيل ألفيس (27 عاماً) الكلام نفسه. كان يحمل لافتةً مكتوباً عليها أنا أحبُّ كريستيانو رونالدو، وسافر لنفس المسافة تقريباً من تورونتو بكندا ليشاهد اللاعب البرتغالي.
أمَّا سيافوش عُميدي (28 عاماً)، فكان يشجع الفريق المنافس في الواقع. كان يرتدي قميص إيران، لكنَّ رمز كريستيانو رونالدو "CR7" المطبوع على مقدمة القميص أظهر ولاءاته المتنافسة التي يُكنها في داخله. وقال إنَّه قطع تلك المسافة ليرى لاعباً ظلَّ يعشقه لعشر سنوات، وجاء ليراه يُحرِز أهدافاً.
كذلك استعدَّ سكان المدينة بكل نشاط وحيوية لاستقبال اللاعب.
إذ ظهرت العديد من الصور الزيتية للنجم في جميع أنحاء المدينة قبل المباراة. ورُسِمَت واحدة على حائط مبنى يضم مجموعة من الشقق، موجود على الطريق من المطار. وراهن أشخاصٌ على أنَّه سيتوقف عندها لأخذ صورة سيلفي (لكنَّه لم يفعل).
ربما لا يحاول هو البحث عني، ولكنَّني سأصل إليه
هناك أيضاً مارينا بوغومولوفا (44 عاماً)، وهي سيدة من سارانسك، أعلنت أنَّها "عروس رونالدو الروسية" بعد قليلٍ من إعلان استضافة المدينة للمباراة. وأخبرت صحيفة The Independent أنَّها تركت القليل للصدفة، إذ إنَّها شرعت في حملةٍ قاسية للياقة البدنية، وفقدت ما يزيد على 90 كيلوغراماً من وزنها استعداداً لـ"اللقاء".
لم تتمكن بوغومولوفا من لقاء محبوبها أثناء الحدث، ولكنَّ عزيمتها لم تُثبَّط: "ربما لا يحاول هو البحث عني، ولكنَّني سأصل إليه. ربما ليس في سارانسك".
اختيار مدينة ريفية صغيرة لتلعب دور المضيف لأفضل لاعبي كرة القدم بالطبع أثار الدهشة. أثناء العطاءات، احتلت المدينة المرتبة 64 ضمن المدن الأكثر ازدحاماً بالسكان في روسيا، وهي تتمتع بمستوى متماثل فيما يتعلق بالبنية التحتية. وكانت هناك الكثير من الأماكن المعروفة والملائمة بصورةٍ أكبر لاستضافة مباريات كأس العالم، أكثر من هذه المدينة التي لا تملك حتى فريقاً لكرة القدم يستحق الذكر.
حتى إنَّ الكثير من الروس لم تتردد على مسامعهم مدينة سارانسك من قبل. ومَن سمعوا عنها ربطوها بكونها عاصمة جمهورية مورودوفيا، وهي منطقة ذات موروثٍ معروف للغاية: "السجون". فنظراً لأنَّ مورودوفيا كانت قلب نظام معتقلات الغولاغ في عهد ستالين، فإنها لا تزال تضم عشرين مستعمرة تتسم بأنظمةٍ أمنية مشددة.
ولكن هذه القرية غير مؤهلة حتى لاستضافة الفريق
لكنَّ سارانسك تتمتع بميزاتٍ واضحة: حكومة محلية على وفاقٍ ممتاز مع الكرملين، إضافةً إلى إدلاء أغلبية ساحقة من سكانها المحليين بأصواتهم من أجل الرئيس.
ولم يكن من الغريب ظهور بعض المشكلات بالمدينة مع بداية كأس العالم. إذ أدى عدم توفر الإقامة لجميع الزوار إلى إثارة الكثير من النقد ضد المدينة المضيفة. استؤجرت جميع غرف فنادق المدينة القليلة على الفور، واستأجر المشجعون مجموعةً من الشقق المتوسطة مقابل مئات الدولارات في الليلة الواحدة. في الواقع بدت المدينة حتى غير مؤهلة لاستضافة العدد الكبير من الزائرين المتدفقين. وأثناء مباراة بيرو ضد الدنمارك، التي أقيمت يوم 16 يونيو/حزيران، أبلغت المتاجر عن وجود نقصٍ في الخبز، كذلك شهدت المطاعم القليلة طوابير طويلة من الزبائن.
ولكنها تتميز بالجمال والحياة
لكنَّ الدفء والسحر الذي تتمتع به تلك المدينة الروسية حولَّها إلى مكانٍ جذاب. تتميز المدينة بالجمال وتعج بالحياة، وتملأ الموسيقى والرقص أجواءها. وتقدم فرقة تسمى Hip Hop Tigers عروضاً، إضافة إلى النسخة الروسية من أغنية Hippy Hippy Shake، ما قد يمثل مدى التطور الذي وصلت إليه المدينة. ولكن مع ذلك فهي تقدم أجواءً من البهجة، من شأنها أن تضفي دفئاً على قلوب الأكثر انتقاداً.
شهد ملعب موردوفيا أرينا الصغير بعضَ المباريات الأكثر حماسةً. وكانت مباراة بيرو قبل تسعة أيام استكمالاً لتقليد جمهورها، الذي انطوى على الاحتشاد الهائل في الملعب. ووصلت حشود الجماهير بالمدينة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وكان غالبيتهم من الإيرانيين.
ماذا عن رونالدو؟ لعب دور اللئيم كما هو متوقع، فقد حالفه الحظ وأفلت من الطرد من الملعب. ومنحت ركلة الجزاء التي ضيَّعها فرصةً للإيرانيين للصعود. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافياً؛ إذ غادرت إيران البطولة بفارق الأهداف. سنفتقد الفريق الإيراني.
اقرأ أيضا
"عربي بوست" في مسقط رأس محمد صلاح: عمدة القرية متحدثاً إعلامياً باسمه.. وأسرته تعاني من النجومية