أنهت تركيا حظراً على تداول الليرة كانت فرضته على ثلاثة بنوك دولية بعد اتهامات وجهتها أنقرة لتلك البنوك تتعلق بالتسبب في انخفاض العملة المحلية بسبب مضاربات، فما هي آلية تقييم عملات الدول والعوامل التي تؤثر في ذلك التقييم؟ ومتى بدأ تقييم العملات وعلى أي أساس يتم؟ وهل يمكن لبنوك أن تتلاعب باقتصاد دول وربما تسقطها؟
ماذا حدث؟
أنهت الهيئة المشرفة على عمل البنوك في تركيا حظراً فُرض على تداول الليرة على بي.إن.بي باريبا وسيتي بنك ويو.بي.إس، بحسب خطاب أرسلته الهيئة للبنوك الثلاثة أمس الإثنين 11 مايو/أيار، وذلك بعد أن أوفت بالتزاماتها الخاصة بالنقد الأجنبي، وجاء في الخطاب الذي اطلعت عليه رويترز وأكد متحدث باسم الهيئة فحواه، أن البنوك التي استهدفها الحظر الخميس الماضي بعد تسجيل الليرة مستوى قياسياً منخفضاً جديداً مقابل الدولار "أوفت بالتزاماتها في إطار زمني معقول".
وقال الخطاب إن التحقيق الذي تجريه الهيئة في شأن البنوك الثلاثة مستمر، لكنه لم يذكر تفاصيل، وكان الحظر ضمن عدد من الإجراءات التي تبنتها الحكومة الخميس لحماية العملة بعد أن هوت إلى 7.259 ليرة للدولار، وهو أضعف مستوى لها على الإطلاق.
وبحسب وكالة أنباء الأناضول، بدأت الهيئة إجراءات بحق مؤسسات مقرها لندن وحصلت على سلطات أكبر لملاحقة التلاعب في السوق، وكانت الهيئة قد أعلنت أن البنوك الثلاثة عجزت عن أداء التزامات بالليرة في مواعيدها وإن الحظر شمل وحدات لها في دول أخرى.
ماذا فعلت تلك البنوك؟
وتفصيل ما قامت به تلك البنوك هو أنها قامت بحجز كميات كبيرة من الدولار وليس لديها ما يغطي من العملة المحلية أي الليرة، مما أدى لقلة المعروض من الدولار في السوق المحلية وبالتالي ارتفعت قيمته مقابل الليرة، ثم تقوم تلك البنوك ببيع الدولار وتحقق أرباحاً هائلة دون أن تدفع سوى واحد في الألف كضمان، وبعد حظر تلك البنوك قامت برد الدولارات التي كانت قد احتجزتها، وهو ما أدى لرفع الحظر، لكن التحقيقات مستمرة، حيث إن تلك القصة أكثر تعقيداً بكثير وتشمل "مضاربين في العملة".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وجه الخميس اتهامات للمضاربين الأجانب بأنهم وراء الهبوط الكبير لليرة، ومع إصدار هيئة الرقابة على المصارف قراراً بحظر التعامل مع البنوك الثلاثة، تصاعدت حالة الجدل في وسائل الإعلام المحلية حول تورط مؤسسات مالية مجهولة مقرها لندن في التلاعب بالعملة التركية من خلال شراء العملات الأجنبية من السوق دون أن يقابلها غطاء من الليرة.
متى بدأت تجارة العملات؟
بدأت تجارة العملات بصورتها الحالية من خلال مبادرة أمريكية في يوليو/تموز 1944، وكان الدولار هو العملة الأساسية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأثناء تلك الفترة تم تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي ذلك الوقت تم تحديد قيمة الدولار بالمقارنة مع الاحتياطي من الذهب وكانت تلك القيمة هي 35 دولاراً لكل أوقية من الذهب، وتم على هذا الأساس تحديد باقي العملات في كل الدول.
لكن في سبعينيات القرن الماضي سمحت الولايات المتحدة بتعويم الدولار في سوق تبادل العملات الأجنبية وكانت تلك هي البداية الفعلية للاتجار في العملات، شأنها شأن أي سلعة أخرى.
من الذي يسيطر على سوق تجارة العملة؟
نظرياً لا توجد قيادة مركزية أو هيئة موحدة لسوق تجارة العملات، أي أنها لا تخضع لسيطرة دولة أو بنك بعينه، لكن على أرض الواقع هناك أربعة بنوك دولية كبرى تمثل أكبر أسواق تجارة العملة حول العالم وبالتالي لها تأثير ونفوذ ضخم على تلك التجارة، وهذه البنوك الأربعة هي JPMorgan، CITI، Deutsche Bank، UBS، ونلاحظ هنا أن بنكين من الأربعة (يو بي إس وسيتي) محل اتهامات الحكومة التركية.
وعلى الرغم من أن تجارة العملة متاحة للجميع سواء أفراداً أو شركات أو بنوكاً أو دولاً شأنها شأن التداول على أسهم الشركات في البورصة، إلا أن تجارة العملة تحديداً تعتبر تجارة مغرية أكثر وهو ما يدفع كثير من الناس للاتجار فيها، رغم أن تحليل بيانات أسواق تجارة العملة (Forex) تظهر أن أكثر من 70% من المتاجرين في العملة حول العالم يخسرون منها أكثر مما يربحون.
من هم المضاربون في العملة؟
المضاربون في تجارة العملة على الأرجح لا يكونون أفراداً بل بنوكاً أو مؤسسات مالية ضخمة لديها أهم عنصرين في تلك التجارة وهي المعلومات والأموال الكافية لإحداث تأثير قوي على سعر العملة هبوطاً أو صعوداً، ومن ثم تحقيق أرباح خيالية.
ويعتبر سوق العملات فوريكس هو أكبر سوق مالي على الإطلاق حول العالم، وتجارة العملة متقلبة للغاية ولها سمات فريدة وسوقها مفتوح 24 ساعة كل يوم على مدار السنة، وهو ما يجعلها جذابة ومغرية للمضاربين في البورصات بشكل عام، وهو ما يجعل عملات الدول عرضة لتقلبات تلك السوق بصورة أكثر من غيرها من أي سلعة أخرى.
لذلك يمكن لبنك كبير أن يستهدف عملة دولة ما عن طريق شراء الدولار بكثرة من وسحبه من السوق المحلي لتلك الدولة مما يؤدي لزيادة الطلب عليه وارتفاع سعره مقابل العملة المحلية للدولة، وهو ما ينعكس على قيمة ما تدفعه تلك الدولة مقابل وارداتها وارتفاع سعر صادراتها مما يقلل الطلب عليها وهكذا يختل الميزان التجاري للدولة وتتعرض لمصاعب اقتصادية، وربما يؤدي ذلك لاضطرابات اجتماعية أيضاً نتيجة لانتشار البطالة وزيادة نسبة التضخم.
ما هي حرب العملات؟
ولهذا تتدخل الدول لدعم عملاتها المحلية وهو ما يمكن أن يقود إلى ما يعرف بحرب العملات التي تعتبر عنصراً رئيسياً في الحروب التجارية، ولنا في الصين والولايات المتحدة الأمريكية أبرز نموذج على تلك النوعية من الحروب.
فالولايات المتحدة تتهم الصين بدعم اليوان لتظل قيمته السوقية منخفضة عن قيمته الحقيقية في مواجهة الدولار على مدار سنوات طويلة وهو ما ينعكس في الفائض الضخم في ميزان التجارة لصالح الصين، وتحافظ الصين على ذلك من خلال شراء الأصول الدولارية الأمريكية لتحافظ على سعر الدولار مرتفعاً بصورة أكبر من قيمته الحقيقية.
بينما يرى البعض الآخر أن اللوم يقع على الخزانة الأمريكية لأنها توفر الدولار بسهولة حول العالم مما يزيد من السيولة الدولارية حول العالم، لكن واشنطن ترد بأن تلك السياسة تهدف إلى الاحتفاظ بسياسة نقدية مستقلة تعتبر حجر الزاوية في تجنب الانكماش أثناء الأزمات المالية، وهو ما يصب في صالح اقتصادات باقي الدول التي تشتري المنتجات الأمريكية.