يوشك التدهور الاقتصادي السعودي أن يزداد سوءاً. وتحت عبء هبوط أسعار النفط وحالة الإغلاق لوقف تفشي فيروس كورونا المستجد، قررت المملكة زيادة الضرائب وخفض الإنفاق وتقول الحكومة السعودية إنَّ إجمالي الإنفاق العام سيبقى متماشياً عامةً مع القيمة المُحدَدة في ميزانية 2020 وهي تريليون ريال سعودي (266 مليار دولار)، إلا أنَّ زيادة ضريبة قيمة المضافة لثلاثة أضعافها وخفض بدلات وعلاوات الموظفين الحكوميين سيقوض الاستهلاك وبالتالي يضر القطاع الخاص الذي يمثل أساس رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
ومن شأن زيادة ضريبة القيمة المضافة أن يساعد في السيطرة على عجز الموازنة، غير أنه سيقلل تنافسية المملكة مقارنة بدول الخليج الأخرى في محاولات اجتذاب المزيد من الاستثمار الأجنبي، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
يقول جيمس ريف، كبير الاقتصاديين في مجموعة Samba Financial السعودية: "هذه الإجراءات جذرية وتؤكد خطورة التحديات التي تواجه المملكة. وترسل هذه الإجراءات رسالة إلى الأسواق مفادها بأنَّ السلطات مستعدة لاتخاذ خيارات صعبة لإبقاء العجز ضمن الحدود. لكن الجانب السلبي هو أنَّ هذا يمثل ضربة أخرى لقطاع البيع بالتجزئة المنكوب بالفعل".
فجوة كبيرة، وخيارات محدودة أمام الرياض
يُتوقَّع أن تسجل السعودية أكبر عجز موازنة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وقد أجبر التحول، الذي أعلن عنه وزير المالية محمد الجدعان في وقت مبكر من يوم الإثنين 11 مايو/أيار، المحللين على خفض توقعاتهم عن معدل نمو أكبر اقتصاد في العالم العربي للمرة الثانية في غضون أسابيع قليلة فقط.
فمن جانبه، خفّض جيمس ريف من مجموعة Samba توقعاته لعام 2020 ويتوقع أن ينخفض النمو بنسبة 3.7%، في حين بات جياس غوكنت من بنك JPMorgan Chase & Co.'s الأمريكي يعتقد أنَّ توقعاته بانكماش عام بنسبة 3% متفائلة للغاية. وبالمثل، عدّل بلال خان من شركة Standard Chartered Plc البريطانية تقديراته إلى انخفاض بنسبة 5%.
ومُني الاقتصاد السعودية بهبوط تجاوز نسبة الـ50% في أسعار النفط الخام خلال العام الجاري. ولا يزال النفط يمثل النسبة الأكبر من العائدات الحكومية، بالرغم من مرور 4 سنوات على تجديد الأمير محمد بن سلمان للاقتصاد. ويُضاف لهذا التراجع حظر تجول مشدد لاحتواء فيروس كورونا المستجد، مما يدفع المملكة نحو أكبر أزمة مالية تواجهها منذ عقود.
وسجّلت الاحتياطيات الأجنبية، وهي مهمة لحماية تبعية الريال للدولار، تراجعاً قياسياً بقيمة 27 مليار دولار في مارس/آذار، عندما سرّعت السعودية تراجع أسعار النفط من خلال الدخول في حرب أسعار مع روسيا.
وفي غياب أي رغبة في تعويم العملة، والضغط لاحتواء عجز الموازنة الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى نحو 13% هذا العام، تقف المملكة أمام خيارات محدودة. وقد جمعت السعودية بالفعل 20 مليار دولار من أسواق الدين المحلية والعالمية منذ نهاية 2019. وقال الجدعان إنَّ الحكومة لا تعتزم استدانة أكثر من 220 مليار ريال لعام 2020، كما أعلنت سابقاً، في إشارة إلى أنَّ تركيزها سينصب على احتواء الفجوة في الميزانية.
وقال: "نريد أن نتأكد من أننا نحافظ على قوتنا المالية حتى نتمكن من دعم الاقتصاد ليخرج من حالة الإغلاق".
تكديس للعديد من الإجراءات القاسية
ستمثل الأشهر القليلة المقبلة اختباراً لحكمة نهج السعودية الذي وصفه طارق فضل الله، رئيس قسم الشرق الأوسط في شركة Nomura Asset Management، بأنه "تكديس للعديد من الإجراءات القاسية معاً".
في منطقة أسندت معظم صناعتها غير النفطية على الضرائب المنخفضة والعمالة الأجنبية الرخيصة، سيكون التحدي الذي تواجهه السعودية هو الحفاظ على التنافسية في وجه الدول المجاورة ذات ضريبة القيمة المضافة المنخفضة والمعدلات الأخرى القليلة. إلى جانب ذلك، تمتلك بعض هذه الدول، مثل الإمارات وقطر، بنية تحتية أفضل ويسمح للجاليات الأجنبية بمزيد من الحريات الاجتماعية.
في هذا السياق، قال جون سفاكياناكيس، مدير الأبحاث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث: "تستخدم الحكومة هذه الأزمة لتمرير الاقتطاعات الضرورية في فاتورة أجور القطاع العام، التي ستكون إيجابية على المدى الطويل. لكن رفع ضريبة القيمة المضافة سيؤثر على الاستهلاك ويضر بالقدرة التنافسية".
الرهان على تقبل السعوديين للوضع الجديد
تمثل هذه القرارات الجديدة رهاناً سياسياً لولي العهد الأمير محمد، الذي عكس مساره بعد محاولات سابقة لخفض المرتبات الحكومية، بسبب تذمر بين المواطنين. فلطالما استخدمت المملكة ثروتها النفطية للحفاظ على منافع الدولة السخية، مثل أسعار الوقود المدعومة والمنح الدراسية.
وستراقب الحكومة على الأرجح ردود فعل السعوديين عن كثب، وقد تتراجع عن قراراتها إذا وجدت رد فعل سلبياً. ففي أثناء آخر هبوط لأسعار النفط وبعده، في الفترة ما بين 2014 وحتى 2016، ألغت الحكومة أو خففت العديد من تدابير التقشف بعد حدوث رد فعل سلبي من الشعب.
من جانبه، قال راتشنا أوبال، محلل قديم في شركة Castlereagh Associates لاستشارات المخاطر السياسية: "على الرغم من عدم شعبيتها، ستحرص الحكومة على التأكيد للسكان أنَّ هذه الإجراءات ضرورية لنموذج اقتصادي أكثر استدامة. وهذه الإجراءات موسعة وستعصف بالسعوديين في وقت تعاني فيه العديد من الشركات بالفعل وسط نشاط اقتصادي مقيّد بشدة".