يوم 8 مايو/أيار 2020، أعلنت الولايات المتحدة سحب أنظمة صواريخ باتريوت، وبعض الطائرات المقاتلة من المملكة العربية السعودية، في ظل الخلافات بين البلدين بسبب أسعار النفط مؤخراً.
كانت الولايات المتحدة وضعت أنظمتها الدفاعية هذه بعد حادثة الهجوم على منشآت نفط أرامكو السعودية في سبتمبر/أيلول 2019، والتي ألقت باللوم فيها على إيران.
وبعيداً عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لسحب هذه الأنظمة، والتوترات الأخيرة بينها وبين المملكة العربية السعودية، فإن طهران تراقب بحذر تلك الخطوة التي تجدها مهمة في ذلك التوقيت.
خطر أقل أم تجميد للصراع؟
وصف الجيش الأمريكي الخطوة الأخيرة بأنها جزء من انسحاب مخطط له يعكس وجهة النظر القائلة بأن إيران تشكل تهديداً أقل الآن.
هذا عكس ما سعت إدارة ترامب على مدى الأعوام السابقة في إثباته، حين أكد المسؤولون في البيت الأبيض مراراً وتكراراً على ضرورة بقاء القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط نظراً للتهديد الذي تمثله إيران.
ومنذ أن اغتالت الولايات المتحدة القائد العسكري الأهم في الجمهورية الإسلامية، الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري، بداية يناير/كانون الثاني الماضي، يمكن اعتبار الرد الإيراني على مقتل الأخير، من خلال بعض الهجمات الصاروخية على قاعدة عين الأسد العراقية التي تستضيف القوات الأمريكية، بأنه يسير نحو تجميد مؤقت للصراع بين البلدين.
لكن احتمالات تجدد الصراع، بدأت في الارتفاع عندما تعاملت الولايات المتحدة بشكل متعنت تجاه طلب طهران رفع العقوبات عنها فى ظل مكافحتها لأزمة جائحة فيروس كورونا الذي ضرب البلاد بشدة.
وانطلاقاً من دعوة المرشد الأعلى الإيراني، في أعقاب مقتل قاسم سليماني، بضرورة إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، توالت الهجمات الصاروخية على القواعد العراقية المستضيفة لقوات أمريكية في شهر مارس/آذار الماضي.
أعقب تلك الهجمات انسحاب طفيف للقوات الأمريكية من بعض المواقع العسكرية في العراق، لكن بررت الولايات المتحدة الأمر بأنه إعادة تمركز لقواتها، نظراً لانتشار فيروس كورونا المستجد في العراق، ولا علاقة له بالهجمات الصاروخية الأخيرة.
لكن الأمور ازدادت توتراً في الآونة الأخيرة، خاصة بعد التحرشات الإيرانية بالبحرية الأمريكية في مياه الخليج، ففي أواخر شهر أبريل/نيسان 2020، اعترضت الزوارق البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، طريق السفن الحربية البحرية الأمريكية في مياه الخليج، ووصف الأسطول الخامس الأمريكي الأمر، بأنها تصرفات خطيرة للغاية من قبل الإيرانيين.
بعدها أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريده له على موقع تويتر، أنه أمر قواته البحرية بإطلاق النيران على الزوارق الإيرانية في حال تكرار الأمر مرة ثانية. وفي المقابل أصدر الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري، نفس الأمر لقواته، معلناً أنه سيتم مهاجمة أي سفن بحرية أمريكية تعرض القوات الإيرانية للخطر.
تلك التوترات جعلت البعض يتكهن بعودة البلدين إلى صراع مفتوح مرة أخرى، يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط، لكن جاءت الخطوة الأمريكية بسحب جزء من قواتها من المملكة العربية السعودية، لتغيير دفة الأمور قليلاً.
خطوة مهمة لإيران
يرى المحلل السياسي الإيراني حسين علي زاده، أن الخطوة الأمريكية الأخيرة، مهمة للغاية بالنسبة لإيران.
وقال في حديثه لـ"عربي بوست" إن المؤسسة السياسية الإيرانية، كانت تهدف في الآونة الأخيرة لطرد جميع القوات الأمريكية من المنطقة، لأنها ترى أن وجودها يزعزع استقرار الشرق الأوسط، "بالتالي الانسحاب الأمريكي الأخير من السعودية، نقطة إيجابية للغاية لطهران"، على حد تعبيره.
وبحسب علي زاده، فإن الانسحاب الأمريكي الأخير، يحقق نفس الهدف الإيراني بطرد القوات الأمريكية من المنطقة بأقل التكاليف، "إذا أرادت إيران طرد القوات الأمريكية من العراق، سيكون هناك ثمن بالتأكيد، غير أنه كان من الصعب القيام بمثل هذا الأمر في المملكة العربية السعودية، لكن القرار الأمريكي الأخير حقق نفس الغاية الإيرانية".
ما زال الشك موجوداً
بالمقارنة مع وجهة نظر علي زاده المتفائلة بسحب الولايات المتحدة بعضاً من قواتها المتواجدة في المملكة العربية السعودية، هناك في داخل إيران من ينظر إلى القرار بعين الريبة والشك إلى هذا الأمر.
يقول حسين أميري، النائب البرلماني المحسوب على التيار المحافظ، لـ"عربي بوست"، إنه لا يجب التفاؤل بقرار الولايات المتحدة الأخير، "من الممكن في أي لحظة أن تعدل إدارة ترامب عن قرارها، وتعود إلى حماية السعودية، الأمر مرهون بحل الخلافات بينهما، وهذا يمكن توقعه في الأيام المقبلة"، على حد قوله.
ويفسر أميري وجهة نظره تلك بأن الولايات المتحدة مازالت تقوم بأعمالها الاستفزازية تجاه طهران، ولا نية لديها في خفض الصراع أو تجميده على الأقل.
يبرهن على ذلك، باستخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحق النقض ضد قرار الكونغرس الذي يحد من صلاحياته باستخدام القوة العسكرية ضد إيران.
وأوضح أميري أنه لا نية لدى ترامب بخفض الصراع مع إيران، "كل الإشارات التي ترسلها الولايات المتحدة لطهران تؤكد هذا الأمر، والبداية كانت الانسحاب من الصفقة النووية".
رسائل متضاربة
فى 26 أبريل/نيسان 2020، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن خطة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الجديدة، بشأن إعداد حجة قانونية مفادها أن الولايات المتحدة لاتزال مشاركاً في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، لتتمكن الأخيرة من منع رفع الحظر عن الأسلحة الإيرانية، المقرر تنفيذه فى شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، مستخدمة في ذلك ذريعة قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231.
وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، فإنه بعد ابرام الصفقة النووية بين إيران والقوى العالمية الكبرى في فيينا عام 2015، يقوم مجلس الأمن والأمم المتحدة برفع جميع العقوبات الاقتصادية والنفطية عن إيران، بمجرد إعلان الوكالة الدولية للطاقة النووية بالتزام إيران بكافة بنود خطة العمل الشاملة المشتركة.
مع الإبقاء على بعض القيود، المتمثلة فى بيع وشراء الأسلحة التقليدية، والمعدات ذات الاستخدام المزدوج، تلك القيود من المفترض أن يتم رفعها فى شهر أكتوبر/تشرين الأول، وهذا ما تعارضه الولايات المتحدة.
وينص القرار رقم 2231، على أن جميع الأطراف الموقعة على الصفقة النووية الايرانية، هي فقط من لها الحق، في استخدام حق النقض أو تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، في حالة عدم التزام إيران بأي من بنود الاتفاق النووي.
وهذا ما تجادل به الولايات المتحدة، استناداً إلى قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي أشار إلى حق الولايات المتحدة في استخدام آلية سنابك، في حالة عدم التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية والدولية مرة أخرى بشكل تلقائي، ما لم تثبت طهران عكس ذلك في غضون 30 يوماً.
وتصر إيران على أن الولايات المتحدة لا تملك أي حق في استخدام تلك الآلية، طالما أنها انسحبت من الاتفاق النووي منذ مايو/أيار 2018، ولم تعد مشاركة ولم تحضر أياً من الاجتماعات الخاصة بهذا الأمر.
يرى بعض الخبراء السياسيين والدبلوماسيين داخل إيران، أن الخطة الأمريكية الجديدة بمثابة إعلان حرب ضد إيران، ومن شأنها تصعيد الصراع بين البلدين في أي وقت.
يقول جعفر فرج الله، أستاذ العلاقات الدولية المقيم بطهران، لـ"عربي بوست"، "إنه منذ تولى ترامب السلطة، وهو يرسل إشاراته المتضاربة إلى إيران، فيقول إنه يريد التفاوض مرة أخرى مع إيران، ثم يقوم بفرض المزيد من العقوبات، والآن تخريب الصفقة النووية إلى الأبد، بالخطة الجديدة.
وبحسب فرج الله، ووفقاً للتصرفات الأمريكية الأخيرة، لا يمكن الوثوق أو النظر بإيجابية إلى سحب الولايات المتحدة أنظمتها الدفاعية من المملكة العربية السعودية، باعتبارها خطوة نحو تخفيض الصراع مع إيران.
ترامب يريد الفوز في الانتخابات
أثناء حملته الانتخابية الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أشار ترامب مراراً وتكراراً إلى ضرورة سحب القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، والخروج من الحروب التي لا فائدة منها سوى تكبد الخسائر المالية والبشرية، فأشار قائلاً "كل من لمس الشرق الأوسط تعثر".
ومع ذلك منذ توليه منصب الرئاسة، لم يعمل على تحقيق وعوده بسحب قوات بلاده من الشرق الأوسط، بل توغل في صراعات جديدة مع إيران، وتعريض المنطقة للخطر.
يرى بعض الخبراء السياسيين داخل إيران، أن الخطوة الأمريكية الأخيرة، ما هي إلا محاولة أخيرة من ترامب، لزيادة فرص نجاحه بفترة رئاسية ثانية، بعد أزمته الداخلية بسبب سوء إدارته لأزمة كوفيد-19.
يقول جعفر فرج الله لـ"عربي بوست"، إن ترامب يلعب ببطاقة سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، ونيته لتخفيض الصراع مع إيران، حتى الفوز في الانتخابات الرئاسية، وإذا حدث هذا، سيعود إلى سياسته المتشددة تجاه إيران مرة ثانية.
تغريدة خامنئي تثير الشكوك
في نفس الوقت، الذي تزداد فيه التكهنات باحتمالية تخفيض الصراع بين إيران والولايات المتحدة، نتيجة سحب الأخيرة لقواتها من المملكة العربية السعودية، جاءت تغريدة، للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، لتزيد من الشكوك.
ففي يوم 9 مايو/أيار، نشر الحساب الرسمي باللغة الفارسية لآية الله علي خامنئي، تغريدة مدح الإمام الحسن، الإمام الثاني لدى الشيعة المسلمين، ووصفه بأنه الأكثر شجاعة في التاريخ الإسلامي، لأنه كان على استعداد للاستسلام والسلام والتضحية بنفسه من أجل النفعية والمصلحة.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة والصراع بين الولايات المتحدة وإيران، أخذ البعض في تفسير تلك التغريدة على أنها إشارة من الزعيم الأعلى للبلاد، بإمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة.
لكن سرعان ما نفت وسائل الإعلام المحسوبة على التيار المحافظ، تلك التفسيرات، واعتبرتها مضللة.
يقول عباس خسرو، الصحفي الإيراني، والمحسوب على التيار المحافظ، لـ"عربي بوست"، إن تغريدة آية الله خامنئي، جاءت بمناسبة ذكرى مولد الإمام الحسن، وهي تغريدة قديمة، أعيد نشرها، ولا علاقة لها باستعداد إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة.
يرى السيد خسرو أن تلك التفسيرات تثير البلبلة داخل المجتمع الإيراني، لأن آية الله علي خامنئي أوضح مراراً وتكراراً، أنه لا يثق بالإدارة الأمريكية مطلقاً، ولا نية لدى المؤسسة السياسية الإيرانية في التفاوض مع الرئيس دونالد ترامب، مهما كان الأمر.