يسأل "دوخي"، الموظف الحكومي بقسم الشكاوى الذي يلعب دوره الممثل السعودي الشهير ناصر القصبي، صديقه، الذي يلعب دوره راشد الشمراني، قائلاً: "ما هذا الكلام! أتقول أنك تبغي تسوي بيزنس مع الإسرائيليين؟"، يُجيب الشمراني: "العدو هو الذي لا يقدِّر وقفتك معه ويسبك ليلَ نهار أكثر من الإسرائيليين". فيسأله دوخي، الذي بدا قلقاً؛ لأن ابنه الصغير عقد صداقة مع إسرائيلي أثناء لعب إحدى الألعاب على الإنترنت: "شو قصدك يعني؟".
فيجيبه الشمراني في المسلسل التلفزيوني "مخرج 7" الذي يُعرض الآن على شبكة MBC السعودية: "كل تضحياتنا من أجل فلسطين: دخلنا حروب من أجل فلسطين، وقطعنا النفط من أجل فلسطين، ويوم أصبحت عندهم سلطة دفعنا تكاليفهم ورواتبهم ونحن أحق بالأموال، يهاجمون السعودية مع أول فرصة".
لا ينتهي الحوار، الذي كان جزءاً من حديث جانبي ودود، عند هذا الحد. يشرح دوخي لصديقه أن "أصابع يديك ليست متشابهة. فمثلما يوجد فلسطينيون هُجروا عام 1948 وتعرضوا للمذابح، في المقابل هناك من باع أرضه لليهود".
ويتابع دوخي: "مثلما واجه فلسطينيون في الانتفاضة الأخيرة الإسرائيليين بصدور عارية أمام الدبابات، هناك فلسطينيون يموّلون الجدار العازل. هم بشر مثل غيرهم. فيهم الطيب وفيهم الرديء، لكن إسرائيل هي التي تغذي الكراهية بين الفلسطينيين وبقية العرب"، ثم يسأل الشمراني: "يعني بدك نوقف معهم وهم لعنينا؟".
هذه الحلقة من المسلسل السعودي أثارت ضجةً، ليس بين السعوديين والفلسطينين فحسب، بل عربياً، إذ أثارت جدلاً حول مسألة التطبيع مع إسرائيل، حتى إن إسرائيل أفردت فقرات من قنواتها لعرض المسلسل، ومن برامجها وصحفها لمناقشته، وقد نشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تقريراً يستعرض أبرز ما ناقشته المسلسلات الرمضانية حول إسرائيل والتطبيع.
لكن الناقد الفني بصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، مبارك الخالدي، رأى أن النقاش حول القضية أمر طبيعي، رغم أنه معارض شرس للتطبيع، لكنه برر ذلك بالقول إنها مشكلة "من أكثر المشكلات الملحة والمثيرة للجدل، ولا يمكن فصل الفن عن الواقع الذي نعيشه"، لكنه أشار إلى قلقه من أن "الفنان سينزلق، بوعي أو بغير وعي، إلى اعتياد مناقشة التطبيع، وبالتالي تحويل التطبيع إلى موضوع عادي يمكن مناقشته مثلما نناقش كرة القدم".
ليست هذه المناقشة جديدةً؛ ففي كل عام تقريباً خلال شهر رمضان، تناقش المسلسلات مسألة الوجود الإسرائيلي، لكن الجديد في الموسم الرمضاني الحالي أن ثلاثة مسلسلات على الأقل تطرقت إلى موضوع التطبيع الحساس، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
"أم هارون" وتصوير اليهود كمضطهدين في الكويت
بالإضافة إلى مسلسل "مخرج 7، فإن مسلسل "أم هارون" من إنتاج مجموعة MBC السعودية ركز على إظهار التمييز والمضايقات التي تعرض لها المسيحيون واليهود في الكويت خلال الأربعينيات، وفيه تعاني الشخصية أم هارون، وهي طبيبة وقابلة يهودية تلعب دورها الممثلة الشهيرة حياة الفهد، من الاضطهاد.
رغم أن بطلة العمل أظهرت في ظهور تلفزيوني حديث وجهات نظر عنصرية، حيث دعت السلطات إلى طرد جميع العمَّال الأجانب خلال أزمة فيروس كورونا. وقالت: "كنت لأرميهم في الصحراء".
وقد كتب محمد سلامة على موقع "رأي اليوم" الكويتي ومقره لندن أن تصوير معاناة المرأة اليهودية يخدم "المصالح الإسرائيلية، خاصةً حالياً، حيث يضايق نتنياهو الفلسطينيين مرة أخرى، ويبدأ في تنفيذ مشروعه السياسي الذي يتضمن ضمَّ الضفة الغربية.. نرى أن هذا المسلسل يهدف إلى تقديم صورة تاريخية معاكسة للأحداث، وأن مَن يقفون وراء تمويله وتوزيعه يخدمون إسرائيل".
مثلما هو الحال مع "مخرج 7″، فمسلسل "أم هارون" إنتاج سعودي، وإخراج مصري للمخرج محمد العدل. لذا مِن الواضح مَن هو المُلام في كلام سلامة بانتقاد الممول وهي السعودية، التي تدعم أيضاً "صفقة القرن" المزعومة التي أعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد حذر متابعو هذا المسلسل من بساطة المواطن العربي الذي تحرّكه مشاعره ويسهل التأثير عليه، أو تصوير الإسرائيليين باعتبارهم جيراناً صالحين وشعباً محباً للسلام.
وأيضاً، تطالب الداعية الكويتية حنان أحمد القطان، الحاصلة على دكتوراه في الفقه الإسلامي، "بعدالة" من نوع آخر: "هل تُبث في إسرائيل أي مسلسلات عن قصص الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، أو عن منزل دمرته إسرائيل على رؤوس ساكنيه، أو عن آلاف الفلسطينيين الذين مُزقت جثثهم إلى أشلاء بالقصف بالطائرات الإسرائيلية؟".
زوال إسرائيل في "النهاية"
أُنتج المسلسل التلفزيوني الثالث الذي يتناول التطبيع "النهاية" في مصر. تدور أحداث المسلسل في عام 2120، حيث تطير الروبوتات والبشر المدمجون بأجهزة في سماء مصر في سفن فضائية. وفي الحلقة الأولى أتى المسلسل على ذكر إسرائيل للتعبير عن القوة العربية الجديدة.
ففي أحد المشاهد يعطي المعلم درساً عن حرب تحرير القدس، إذ "دمر العرب العدو اللدود: الدولة الصهيونية". ويقول: "انتهت الحرب سرعياً وقد أدت الحرب إلى تدمير دولة إسرائيل الصهيونية قبل مرور 100 عام على تاريخ تأسيسها، والغالبية العظمى من يهود إسرائيل هربوا ورجعوا إلى بلادهم الأصلية في أوروبا".
لم يسع وزارة الخارجية الإسرائيلية التغاضي عن ذلك، إذ قالت في بيانٍ: "من المحزن أنه بعد 41 عاماً من توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، يصور مسلسل كهذا مستقبلاً تُدمِّر فيه الدول العربية إسرائيل"، وأشارت الوزارة أيضاً إلى أن غالبية اليهود الإسرائيليين ليسوا من أصل أوروبي كما صورهم المسلسل.
فيما لم تعتذر "سينرجي"، شركة الإنتاج المرتبطة بالمخابرات المصرية وربما أكبر شركة إنتاج في مصر، عن الحلقة على الرغم من أنها مسحتها من صفحة المسلسل على فيسبوك.
أما الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في المشهد، فهو في الواقع عندما اقتحم أفراد الكوماندوز، المسلحين بأسلحة من المستقبل، الفصول الدراسية السرية، وقال قائدهم للمعلم إنه انتهك أوامر إدارة القدس بتدريس مقرر غير مصرح به، وبذلك فقد خالف القانون. عندئذٍ احتج المعلم قائلاً: "هذا قانون مرّره مجرمون"، لكن أُلقي القبض عليه هو وطلابه، وقُتل طالبٌ منهم حاول الفرار.
وقد كتبت مروة محمد على موقع "فيتو" المصري عن مشهد النصر العربي وتدمير إسرائيل قائلة إنه "رد على مزاعم إسرائيل بالتقارب بينها وبين الدول العربية"، مضيفة: "كلما زعمت إسرائيل وجود تقارب بينها وبين العرب تأتي الدراما لتجسد الواقع الحقيقي".