نستيقظ كل صباح على فقدان المئات والمئات منذ انتشار الجائحة عبر أرجاء المعمورة. تطالعنا الأخبار بالكثير من القصص الحزينة منذ بدأت الكارثة التي تعد من أسوأ الكوارث العالمية في التاريخ الحديث. إن قصة هذه الجائحة تختلف كثيرا وستترك أثرا بالغا ودون مبالغة فإن عالم ما بعد الكورونا سيختلف تماما عن عالم ما قبل الكورونا. ومن المثير للدهشة أن معظم ضحايا هذه الجائحة من مواطني دول العالم الأول التي من المفترض أن تكون لديها أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم.
أرقام مثيرة للدهشة
عند تحليل الظاهرة المدهشة وجدنا أن الدول صاحبة النسبة الأكبر في الوفيات الى معدلات الإصابة و التي تعكس ضعف الكفاءة هي إيطاليا، اسبانيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، المجر والبرازيل بنسب اقلها في الولايات المتحدة 5% وأعلاها بريطانيا وإيطاليا بنسب تجاوزت 13% وفي المقابل فإن دول مثل ألمانيا والنرويج وكندا وفنلندا و كوريا الجنوبية وايسلندا و تركيا و نيوزيلندا هذه الدول تعتبر صاحبة اقل نسبة وفيات بنسب تتراوح من 0.4% و 0.6% في ايسلندا و نيوزيلندا الى 2% و 2.2% و 2.5% في دول مثل فنلندا و تركيا و ألمانيا.
اعتمد التحليل على بيانات أقرب ما تكون للدقة حيث ان هذه الدول سواء صاحبة المعدلات الجيدة أو الدول صاحبة المعدلات المخيبة للآمال هي دول بها شفافية وحرية تداول معلومات نستطيع التعويل عليها (لا يمكن الوثوق بأرقام تأتي من ديكتاتوريات سلطوية مثل الصين وإيران وروسيا ومصر على سبيل المثال).
لماذا فشلت بعض الدول في مقاومة الجائحة ونجحت أخرى
من الملاحظ أن الدول ذات النظم الصحية الكفؤة هي نتاج نظم تميل للوسط ويسار الوسط وهي الدول التي تعظم من دولة الرفاه والاستثمار المكثف في رأس المال الإنساني مثل ألمانيا، تركيا، النرويج، ايسلندا، كندا وفنلندا. على النقيض نرى أن الحكومات اليمينية واليمين الشعبوي مثل الولايات المتحدة – ترمب، وبريطانيا – جونسون وإيطاليا وإسبانيا (اللتان عانتا في العقد الأخير من هذا القرن من هيمنة اليمين الشعبوي على المشهد السياسي في معظم الأحيان) وما نتج عنه من إدارة لا تتسم بالرشد للمرافق الصحية العامة والانحياز لمصلحة شركات التأمين وضد الفئات الأكثر فقرا وأقل ثراء.
حينما نتتبع تناول الحكومات اليمينية للجائحة نجد إدارة مترددة للأزمة وغياب الرؤى الاستراتيجية وتغليب مصالح أباطرة المال والأعمال على مصالح مواطنيها بل وتهديد حياة العديد من متوسطي ورقيقي الحال. وعلى الصعيد الآخر نجد الحكومات الكندية والألمانية والنرويجية والفنلندية والتركية والأيسلندية غلبت مصلحة وصحة مواطني هذه الدول فوق كل مصلحة اقتصادية ضيقة.
على أبواب عصر جديد
مرت على البشرية جوائح وأوبئة ورحلت وبقيت دروس كي تتعلم البشرية وتتطور من هذه الكوارث المأساوية. فالعالم الآن يشهد مخاض صراع جديد بين الاقتصاد المعولم بقيادة اليمين المتطرف والشعبويين من جهة وبين الاقتصاد المأنسن بقيادة حكومات تعبر عن الإنسان وتنحاز له دون النظر الى عرق أو لون أو جنس (معظم قادة الدول التي نجحت في إدارة أزمة الجائحة من النساء) من جهة أخرى.
نحن على أبواب عصر جديد يقاوم النيوليبرالية وتوحش العولمة والتحالف غير المقدس بين أباطرة المال والشركات العابرة للقوميات في الغرب مع الديكتاتوريات السلطوية في الشرقين الأدنى والأوسط وهذا موضوع سيتم تناوله بالتحليل المفصل في المقالات القادمة لو كان في العمر بقية.
* متخصص في دراسات الجدوى والدراسات التنموية
المصادر:
1. https://www.worldometers.info/coronavirus
2. https://www.jacobinmag.com/2020/04/coronavirus-capitalism-disasters-socialism-economic-collapse
7. https://hbr.org/2020/03/lessons-from-italys-response-to-coronavirus
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.