الاقتصاد الأمريكي تعرض لضربة ربما تكون قاصمة لن يتعافى منها قبل سنوات، وقد يدفع الرئيس دونالد ترامب الثمن في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبلة؛ هذا هو العنوان الأبرز للتداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، والتي بدأت تتكشف مع ظهور نتائج الربع الأول، فما قصة الانكماش الأسوأ منذ الكساد الكبير؟
ماذا يعني الكساد الاقتصادي؟
التراجع الاقتصادي يعني ارتفاع نسبة البطالة والتضخم في أسعار السلع وانخفاض القوة الشرائية وتراجع فرص الاستثمار، ويدخل اقتصاد أي دولة في مرحلة تراجع أو انكماش اقتصادي عندما يحدث نمو سلبي في المؤشرات الكلية للاقتصاد في ربعين متتاليين من العام، أما الكساد فهو امتداد فترة الانكماش الاقتصادي وفقدان الناس لوظائفهم على مدى عدة سنوات.
وأظهرت نتائج الربع الأول للاقتصاد الأمريكي انكماشاً بنسبة 4.8% وهي نسبة انكماش أكبر مما حدث في أسوأ فترات الأزمة المالية عام 2008، بحسب تقرير وزارة التجارة الصادر أمس الأربعاء 29 أبريل/نيسان، من جراء تداعيات فيروس كورونا القاتل الذي أصاب أكثر من مليون و64 ألف أمريكي وأودى بحياة أكثر من 61 ألفاً حتى كتابة هذا التقرير اليوم الخميس 30 أبريل/نيسان.
وأكد التقرير أن الاقتصاد الأمريكي دخل بالفعل في مرحلة الانكماش خلال الربع الأول مع انخفاض إنفاق الأفراد والأعمال بسبب الإغلاق الذي تم فرضه لمحاولة احتواء تفشي الفيروس، فقد انخفض ما ينفقه الأمريكيون بنسبة 7.6% وتراجعت استثمارات الأعمال بنسبة 8.6%، بحسب التقرير، الذي يعطي أول نظرة تفصيلية شاملة على تداعيات الوباء على الاقتصاد.
القادم أسوأ كثيراً
وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في استهلاك المواد الغذائية وإقبال الأمريكيين على تخزين مواد الإعاشة، فإن ذلك لم يكن كافياً لتعويض الإنفاق في المطاعم ومبيعات السيارات والترفيه وغيرها من الأنشطة التي توقفت بفعل الإغلاق، ويقول المحللون إن الـ2.3 تريليون دولار التي ضختها الإدارة الأمريكية من الاحتياطي في محاولة لإنعاش الاقتصاد ليست كافية، حيث إن أرقام الربع الأول من العام ليست سوى قمة جبل الجليد من الكارثة، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
التوقعات للربع الثاني (أبريل/نيسان حتى يونيو/حزيران) أكثر سوءاً، حيث تشير التقارير إلى انكماش بنسبة 30% وهي نسبة لم تحدث أثناء الكساد الكبير في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، حيث أجبرت كل القطاعات والأنشطة التجارية على الإغلاق وإلزام المواطنين بالبقاء في المنازل لمحاولة وقف انتشار العدوى، وقالت خبيرة الاقتصاد أليشيا موديستينو، مدير مركز دوكاكيس للسياسة الحضرية والإقليمية لواشنطن بوست، إنه "ليس هناك شك أننا نعيش كساداً اقتصادياً وسيكون كساداً حاداً".
ماذا يقول البيت الأبيض؟
حتى البيت الأبيض يتفق مع أن ما يمر به الاقتصاد الأمريكي هو أسوأ تراجع منذ عقود، لكن السؤال هو حتى متى سيعاني ملايين الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين أفلسوا أو كادوا، وقال كيفين هاسيت، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لترامب، للصحفيين هذا الأسبوع: "إننا نواجه أكبر صدمة تعرض لها اقتصادنا منذ الكساد الكبير، ولابد أن تكونوا صرحاء مع الشعب الأمريكي في هذه النقطة".
لكن ترامب يظل متفائلاً ويصرح دائماً بأن حزمة الدعم الفيدرالية القياسية يمكنها أن تؤدي إلى مواجهة آثار الكساد، رغم أن الملايين فقدوا وظائفهم بالفعل، حيث تقدم أكثر من 26.5 مليون أمريكي بطلبات الحصول على إعانة البطالة خلال أقل من شهر وهو رقم لم يحدث على الإطلاق في تاريخ البلاد.
تصريحات ترامب المتفائلة وتأكيداته المتكررة أن الاقتصاد سيتعافى في زمن قياسي بمجرد رفع قواعد الإغلاق وعودة الحياة لطبيعتها تدريجياً تأتي في إطار محاولته إنقاذ فرصته في الفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظل تراجع معدلات شعبيته بشكل لافت بسبب إدارته لكارثة الوباء وارتكابه أخطاء متكررة بداية من التقليل من خطر الفيروس القاتل والتأخر في اتخاذ إجراءات الوقاية بترويجه لعلاجات وصفها بأنها ستقضي على الفيروس دون سند علمي، وكان آخرها تصريحه حول حقن المصابين بالمطهرات.
معضلة ترامب
لكن الاقتصاد وتعافيه ليس رهناً بالتصريحات الانتخابية بقدر ما هو رهن بقدرة البلاد على اتخاذ الخطوات الضرورية قبل البدء في رفع قيود الإغلاق والتباعد الاجتماعي حتى لا تحدث موجة جديدة من تفشي الفيروس ربما تكون أكثر فتكاً من الموجة الحالية، بحسب خبراء الصحة والاقتصاد، وأهم تلك الخطوات هي الوصول بعدد اختبارات الكشف عن الفيروس لـ5 ملايين اختبار أسبوعياً على الأقل، علماً بأن الولايات المتحدة أجرت نحو 6 ملايين و140 كشفاً عن الفيروس منذ بدأت إجراء الفحوصات قبل نحو شهرين.
وحتى التوصل للقاح لفيروس كورونا، لن يكون هناك عودة للحياة كما كانت من قبل، بإجماع خبراء الفيروسات حول العالم، وهو ما أثبتته تجارب الدول التي بدأت بالفعل في رفع القيود تدريجياً ومنها مثلاً مدينة ووهان الصينية، وتعكف الإدارة الأمريكية حالياً على وضع إرشادات عودة النشاط الاقتصادي تدريجياً في إطار التعايش مع الفيروس.
ترامب، من جهته، يريد رفع قواعد الإغلاق بأسرع ما يمكن على أمل إنقاذ الاقتصاد ولو بصورة جزئية قبل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث إن الاقتصاد هو ورقته الرئيسية للفوز بفترة ثانية، لكن كثيراً من مساعديه يخشون من موجة أكثر فتكاً من العدوى تجعل الإدارة مجبرة على إعادة الإغلاق بصورة أكثر صرامة، وعلى رأس هؤلاء أنتوني فوتشي، مدير معهد الحساسية والأمراض المعدية، وهذه هي المعضلة التي يواجهها الرئيس الأمريكي وتهدد فرصه في البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.
كانت معدلات التأييد لترامب قد ارتفعت بشكل مبدئي في بداية جائحة كورونا كما أظهرت استطلاعات الرأي، لكن سرعان ما استقرت تلك المعدلات عند مستويات أقل كثيراً عن المعدلات المعتادة لتأييد الأمريكيين لرئيسهم خلال أزمة وطنية مثل ارتفاع معدل التأييد لجورج دبليو بوش بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
كما بدا أن التأييد لترامب يتراجع مقابل منافسه الديمقراطي جو بايدن في أغلب استطلاعات الرأي على المستوى الوطني في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن بايدن لم يعد يظهر سوى عبر الفيديو من حجرة في منزله، بسبب عدم قدرته على إقامة تجمعات انتخابية في ظل قيود كورونا.