تشير المؤشرات الأولية حول آثار أزمة كورونا على منطقة الشرق الأوسط، إلى أن الجائحة العالمية سترسخ خطوط المعركة الجيوسياسية والسياسية والعرقية والطائفية في الشرق الأوسط المرسومة طويلة الأمد، بدلاً من أن تكون محركاً لبناء الجسور والثقة. إذ تُغير أزمة كورونا المشهد السياسي في المنطقة، فيما تشغل المنظمات غير الحكومية والجماعات المسلحة في بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان الفراغات، حيث تفشل الحكومات في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والصحية التي تخلقها الجائحة. ربما يثير تمكين المنظمات غير الحكومية والجماعات المسلحة مخاوف أمنية، إذ يستغل المسلحون قدرتهم على إظهار عجز الدولة.
ويكتسب الدور المُعزز للجماعات المسلحة أهمية إضافية في الوقت الذي تستغل بلدان مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الجائحة لترسيخ وإدارة عديد من خطوط الصراع في الشرق الأوسط، إن لم يكن لتوسيع الصراع لأجل مصالحها الخاصة، كما يقول تقرير لمؤسسة Responsible Statecraft البحثية الأمريكية.
إشعال الصراعات من أجل المصالح الخاصة
لم تمنع الجائحة أيضاً القوى الخارجية الرئيسية المتدخلة في المنطقة من الرد على أفعال إيران بطريقة متصاعدة، من منطلق مبدأ "الصاع بالصاع"، مما يخاطر بمواجهة عسكرية أكبر.
وفي السياق نفسه، استغلت الإمارات الجائحة لتقوية صِلاتها المحدودة بإيران، بهدف حماية نفسها من أن تصبح أرض معركة لأي مواجهة عسكرية أمريكية-إيرانية مقبلة.
يصر المسؤولون على أنه لن تكون هناك انفراجة حقيقة في العلاقات الإماراتية-الإيرانية ما دامت إيران تدعم وكلاءها مثل حزب الله بلبنان والميليشيات الموالية لإيران في العراق والمتمردين الحوثيين باليمن. وهذا ما وضَّحه ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، عندما هاتف بشار الأسد الشهر الماضي؛ في مسعى لإحداث شقاق بين سوريا وإيران وتعقيد التدخل العسكري التركي في سوريا وليبيا.
ربما تكون للإمارات والسعودية أهداف مشتركة في التقارب مع سوريا والوصول إلى إيران، حتى لو كانتا تسعيان خلف تلك الأهداف بطرقٍ مختلفة تنطوي على درجة من الخطر، هما على استعداد لتحمُّله.
نتيجة لذلك، استمرت السعودية، عكس الإمارات، في اتباع نهج متشدد تجاه إيران، مُنحِّية جانباً فرص بناء جسور، على سبيل المثال عن طريق تقديم المساعدات الطبية لإيران.
والأكثر من ذلك، فقد أيدت السعودية رفض الولايات المتحدة تخفيف العقوبات على إيران، ومنعت حركة عدم الانحياز من إدانة النهج المتشدد الذي تتبعه إدارة ترامب في وقت الجائحة إزاء إيران.
قد يثبت فشل السعودية في السير على خطى الإمارات، أنه أكثر تكلفة مما يبدو.
بل المملكة مستعدة للمخاطرة بما هو أكبر من ذلك
أخذ فيروس كورونا الذي يصاحبه تراجع الاقتصاد العالمي وانهيار أسواق النفط، الصراع بين إيران والسعودية لمستوى جديد، إذ قُوِّضَت قدرة المملكة على التلاعب بأسعار النفط لصالحها، إضافة إلى تقلص قدرتها المالية.
إضافة إلى ذلك، فقد أضعف موقف السعودية المطلب بأن تكون قائدة العالم الإسلامي بوصفها راعية الحرمين الشريفين، نتيجة لجهودها لمكافحة جائحة فيروس كورونا. فلم تحدث سابقة منع العمرة، واحتمال إلغاء الحج لتجنب صلاة الجماعة إلا منذ وقت طويل في التاريخ.
ولجعل الوضع أسوأ، خاطرت السعودية بعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة بحرب أسعار النفط التي تخوضها الرياض ضد روسيا والتي تسببت في انهيار أسواق النفط، ودفعت أسعار النفط إلى مستوى متدنٍّ غير مسبوق، وقوَّضت إلى حدٍ كبيرٍ صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بوظائفها التي تصل إلى 10 ملايين وظيفة.
عانت السعودية حتى وقتنا الحالي، من وطأة انتقادات الولايات المتحدة، على الرغم من حقيقة أنها تظل أكثر اتساقاً مع سياسات الولايات المتحدة من الإمارات، التي نجحت إلى الآن في أن تظل "بعيدة عن الأنظار".
وهذا "إنجاز" ملحوظ إذا أخذنا في الاعتبار أن الإمارات دعمت السعودية في حرب الأسعار الموهنة، بإعلانها أنها أيضاً قد تزيد إنتاجها من النفط.
التغريد بعيداً عن السرب
وعلى المنوال نفسه، يتعارض تواصل الإمارات مع سوريا وإيران مع سياسة الولايات المتحدة.
وينبع التباين في السياسات من جهود الخليج لضمان أن ترسيخ الصراعات لا يتصاعد ليخرج عن السيطرة، خاصة فيما تجابه دول الخليج جائحة وتكافح لتتكيف مع التداعيات الاقتصادية.
وهذه أيضاً رسالتها الرئيسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسط التوترات المتصاعدة مع إيران: "لا تجعل هذا الأمر يخرج عن السيطرة، فأنت تعيش على بُعد آلاف الأميال، ونحن من سيدفع الثمن وليس أنت، ولن تكون موجوداً لتسارع بدعم دفاعنا"، وفقاً لما قالته شخصية سعودية بارزة، للمركز الأمريكي.