يبدو أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدأ في الأسابيع الأخيرة ينسحب تدريجياً من الحملة المُدمِّرة التي شنها في اليمن منذ خمس سنوات، منتهزاً فرصة جائحة فيروس كورونا المستجد للإعلان من جانب أحادي عن وقف إطلاق النار، وعلى الرغم من عدم فاعلية هذه الهدنة، لكنها تعكس أن الأمير وافق أخيراً على رأي النقاد الذين يصرون على أنها حرب مستحيلة الفوز، بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية.
معركة على السيادة
ومع ذلك، فإن حلفاءه اليمنيين المنقسمين لديهم آراء أخرى. إذ يخاطر إعلان المجموعة الانفصالية اليمنية في الجنوب، التي سيطرت على مدينة عدن الساحلية الجنوبية وبنكها المركزي، الحكم الذاتي في نهاية الأسبوع الماضي، بإثارة فوضى جديدة في البلد الذي مزقته الحرب.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تبتعد فيه الرعايتان الأساسيتان للحرب -وهما السعودية والإمارات- عن القتال؛ بسبب مشاكلهما الداخلية. وقد ترك ذلك حلفاءهما اليمنيين، الذين كانوا متحدين سابقاً ضد الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على شمال البلاد، في معركة على السيادة. وليس من الممكن أن يكون توقيت هذا الانسحاب أسوأ.
إذ انخفض التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية إلى البلد المهدد بالمجاعة هذا العام، وينشغل الفاعلون الإقليميون عنها بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد. وفي الوقت نفسه، يسعى عمال الإغاثة جاهدين لدعم النظام الصحي اليمني المتهالك تحسباً لموجة تفشي مُدَمِرَة لمرض "كوفيد-19".
إضافة إلى ذلك، يثير إعلان الحكم الذاتي الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي، مخاوف من تجدد الاشتباكات داخل تحالف الدول العربية الذي دعا إلى تشكيله الأمير محمد بن سلمان في عام 2015 في محاولة لإخراج الحوثيين من العاصمة اليمنية صنعاء.
خطوة تصعيدية
وتدور خلافات بين المجلس -ومقرّه في عدن- وحليفه الرمزي الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي يقود حكومة اليمن الضعيفة والمعترف بها دولياً. وتتمركز قواتها في محافظتين متجاورتين عدن.
وكانت السعودية قد أدت دور الوسيط في نوفمبر/تشرين الثاني للوصول لاتفاق سلام بين الانفصاليين الجنوبيين والرئيس عبدربه منصور هادي، ووُقِّعَت في الرياض.
لكن تلك الصفقة انهارت يوم السبت، 25 أبريل/نيسان، عندما انتشر المقاتلون الانفصاليون في شوارع عدن، واستولوا على المكاتب الحكومية ورفعوا علم جنوب اليمن، الدولة الاشتراكية التي كانت موجودة من عام 1967 إلى عام 1990.
وناشد التحالف الذي تقوده السعودية يوم الإثنين، 27 أبريل/نيسان، الانفصاليين لإلغاء إعلان الحكم الذاتي الذي وصفته بأنه "خطوة تصعيدية"، وهي الدعوة التي أيَّدتها الإمارات التي كانت تموِّل وتُسلِّح الانفصاليين.
بدوره، انضم مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث إلى دعوات تهدئة التصعيد. وقال غريفيث في بيان: "التحول الأخير في الأحداث مخيّب للآمال، خاصة وأنَّ مدينة عدن ومناطق أخرى في الجنوب لم تتعافَ بعد من الفيضانات وتواجه خطر تفشي كوفيد-19".
لكن نزار هيثم، المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، أصر على أنَّهم لن يتراجعوا. وقال عبر الهاتف يوم الثلاثاء، 28 أبريل/نيسان: "يحق للجنوبيين أن يحكموا أنفسهم وأن يتولوا إدارة عائداتهم".
حرب داخل حرب
وتضفي هذه الحرب المتداخلة، بعداً آخر إلى فوضى اليمن، حيث أشعلت سنوات من التدخل الأجنبي عداوات وصراعات على السلطة بين اليمنيين. ويقول محللون إنَّ أية اشتباكات عنيفة بين الجانبين من المرجح أن تندلع في محافظة أبين التي تقع في المنتصف بين قواتهم.
ويتمركز قادة هذه المجموعات في البلدان المجاورة. إذ يقيم عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في أبوظبي، والرئيس هادي في السعودية.
وفي الوقت نفسه، يساعد انفصال الجنوب الحوثيين المدعومين من إيران، الذين أحرزت قواتهم تقدماً كبيراً في اتجاه السيطرة على مأرب في الأسابيع الأخيرة.
من جانبه، حاول ولي العهد السعودي إبطاء هذا التقدم بإعلان هدنة من جانب واحد لمدة أسبوعين في 9 أبريل/نيسان. ومُدَّت لاحقاً لتُفرَض طوال شهر رمضان المبارك. لكن القتال استمر واتهم التحالف بقيادة السعودية والحوثيون بعضهما البعض بخرق الهدنة.
شهية الأمير تجاه الحرب تراجعت
يبدو أنَّ شهية الأمير محمد للحرب في اليمن تراجعت في العام الماضي في ظل الإدانة العالمية للتكتيكات العسكرية السعودية التي قتلت آلاف المدنيين في غارات جوية. إلى جانب ذلك، أدى انخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة إلى زيادة العبء المالي الذي تمثله الحرب على المملكة.
لكن من غير الواضح مقدار السيطرة التي يمارسها السعوديون أو الإماراتيون على وكلائهم اليمنيين. يقول بيتر ساليزبري، من مجموعة الأزمات الدولية، عندما سحب الإماراتيون قواتهم العام الماضي، أشاروا إلى أنهم لم يعودوا راغبين في "السيطرة على زمام الأمور".
وأضاف ساليزبري أن التصعيد الأخير "يتعلق بالخصومة اليمنية-اليمنية ويرافقه صدى إقليمي غير واضح". وقال غريفيث: "تزداد الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لتعاون الفاعلين السياسيين جميعهم بحُسن نية للامتناع عن اتخاذ أية خطوات تصعيدية وتغليب مصالح الشعب اليمني".
وعلى الرغم من ذلك، لم تظهر إلى الآن سوى أدلة قليلة على وجود مثل هذا التفكير المستنير بين فرقاء الصراع المتعددين.