بعد نحو شهر من إطلاق قوات الحكومة الليبية المعترف بها دولياً عملية "عاصفة السلام"، في 26 مارس/آذار 2020، تم تحرير العديد من المدن والمناطق الاستراتيجية، وفرض طيرانها هيمنته لأول مرة على ساحات المعارك، فيما تساقط عناصر ميليشيات خليفة حفتر بالمئات قتلى وأسرى، في مؤشر على بداية تداعي الحملة الهجومية على العاصمة طرابلس.
فرغم موافقة ميليشيات حفتر على هدنة فيروس كورونا الذي يجتاح العالم، فإنها واصلت هجماتها الصاروخية على العاصمة، ما دفع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً لإطلاق عملية عاصفة السلام، التي سبقها بيوم واحد هجوم شامل لقواتها على مختلف محاور القتال جنوبي طرابلس.
1- اقتحام قاعدة الوطية.. مهمة مستحيلة نجح فيها كوماندوز الوفاق
لكن أكبر نجاحاتها في ذلك اليوم 25 مارس/آذار، عملية نوعية استهدفت قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، والتي كانت أشبه بعملية مستحيلة قامت بها فرقة من الكوماندوز عالية التدريب، وبتخطيط دقيق وذكي.
فالقاعدة التي بناها الأمريكيون خلال الحرب العالمية الثانية في منطقة بعيدة عن التجمعات السكانية بمسافة لا تقل عن 25 كلم عن أقرب بلدة، كانت محصنة بشكل لم تتمكن أي قوة من دخولها منذ سيطرة ميليشيات حفتر القادمة من مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) عليها في 2014.
قوة صغيرة من قوات الوفاق، وبشكل سري، زحفت في 25 مارس/آذار الماضي نحو قاعدة الوطية، ووصلت إلى مدخلها الشمالي دون أن تشعر بها ميليشيات حفتر رغم أنها سارت في منطقة مفتوحة لعدة كيلومترات، ما يُرجّح أنها تحركت في آخر الليل، ومن دون إشعال أضواء آلياتها المسلحة، وربما استعملت أجهزة للرؤية الليلية، ووصلت حتى المدينة السكنية التابعة للقاعدة على المدخل الشمالي.
كان عنصر المباغتة حاسماً، فالقاعدة الجوية التي لديها قدرة استيعاب 7 آلاف رجل وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة قوة صغيرة، تمكنت من أسر 27 عنصراً من ميليشيات حفتر، بينهم طيارون وفنيو طيران.
ورغم أن كوماندوز الوفاق لم تستغرق سيطرته على "جزء" من القاعدة ساعات، فإنه نجح في إثبات أن الوطية ليست القاعدة غير القابلة للسقوط، وكسر هيبة رجال حفتر المتحصنين بها، وأخذ أسرى نوعيين، لا يمكن لطائرات حفتر التحرك من دونهم. وتمكنت قوات الوفاق الخاصة من إيصالهم جميعاً إلى طرابلس، رغم مطاردة ميليشيات حفتر لهم واشتباكها معهم خارج القاعدة.
2- هيمنة قوات الوفاق على سماء المعركة
خلال اقتحام قاعدة الوطية، تم إسقاط طائرة إماراتية مسيرة جنوب مدينة العجيلات (80 كلم غرب طرابلس)، تلاه غارات متواصلة على القاعدة ذاتها، ما أدى إلى تدمير 3 طائرات حربية من نوع سوخوي 22، وأفقد ذلك حفتر قوته الجوية الضاربة في المنطقة الغربية.
أصبحت قوات الوفاق مع نهاية مارس/آذار، مهيمنة بشكل كبير على المنطقة الممتدة من الحدود التونسية إلى وحتى منطقة أبوقرين جنوب شرق مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، على امتداد أكثر من 500 كلم.
وكثف طيران الوفاق من استهداف خطوط الإمداد الطويلة لحفتر (نقطة ضعفه الرئيسية)، خاصة ناقلات الذخيرة والوقود، وهو ما جعل الكثير من دباباته وآلياته مثل الخردة غير قادرة على الحركة.
3- طائرات بيرقدار التركية تتفوق على "وينغ لونغ" الصينية في أبو قرين
في خطوة غير محسوبة، زحفت ميليشيات حفتر، في 29 مارس/آذار، من منطقة الوشكة غرب مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، قاصدة احتلال مصراتة، التي لعبت كتائبها دوراً جوهرياً في منع سقوط العاصمة، واصطدمت القوتان في منطقة أبو قرين (110 كلم جنوب مصراتة).
ورغم استعمال ميليشيات حفتر الطيران بكثافة في أبو قرين والمناطق المجاورة، فإن طيران الوفاق كان لها بالمرصاد، وأثبتت طائرات بيرقدار التركية المسيرة تفوقها على نظيرتها الصينية من نوع "وينغ لونغ".
وسمح هذا التفوق الجوي لطائرات الوفاق بقصف ما يسمى غرفة تحرير مصراتة في سرت، ما أدى إلى مقتل قائد غرفة عمليات سرت الكبرى الجنرال سالم درياق، ونائبه العميد القذافي الصداعي، وعدد من قادة الكتائب المهمين، وعشرات القتلى (نحو 130 عنصراً) من ميليشيات ومرتزقة حفتر، ما يعكس الدور الذي لعبه طيران الوفاق في التصدي للهجوم بمناطق مفتوحة يصعب التحصن بها.
وفي 12 أبريل/نيسان الماضي، حاولت القيادة الجديدة لميليشيات حفتر في سرت الانتقام من هزيمة معركة أبو قرين1، فشنت هجوماً كبيراً مدعوماً بالطيران العمودي والطائرات المسيرة، وتمكنت من اقتحام أبو قرين، لكن سرعان ما ردت كتائب مصراتة بهجوم مضاد أسقطت فيه طائرة مروحية وطائرتين بدون طيار، وقتلت 35 عنصراً على الأقل وأسرت العشرات وغنمت عدة آليات.
4- سقوط "الدومينو" للمدن الغربية في يد الوفاق
أكبر انتصار حققته قوات الوفاق في هذه المرحلة تحرير كامل مدن الساحل الليبي غرب طرابلس إلى الحدود التونسية، وأصبح الطريق الساحلي الاستراتيجي من مصراتة إلى معبر راس اجدير بالكامل تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
حيث حررت قوات الوفاق مدينتي صرمان وصبراتة اللتين تبعدان أقل من 70 كلم عن غرب طرابلس، بالإضافة إلى مدن العجيلات والجميل ورقدالين وزلطن، فضلاً عن معسكر العسة بالقرب من الحدود التونسية، ومنطقة مليتة النفطية، وبلدة المطرد شرق صرمان، والتي تساقطت جميعها خلال ساعات مثل أحجار الدومينو.
كانت ضربة قاتلة لحفتر فقد خلالها كامل المنطقة الغربية الساحلية باستثناء قاعدة الوطية الجوية، وأنهت قوات الوفاق بذلك أكبر تهديد على الجناح الغربي للعاصمة.
5- ترهونة.. رأس حربة حفتر في طرابلس تحت الحصار
بعد سيطرة قوات الوفاق على مدينتي صرمان وصبراتة، وقبلهما مدينة غريان عاصمة الجبل الغربي (100 كلم جنوب طرابلس) لم يبق سوى مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) من مدن غلاف العاصمة خاضعة لسيطرة أتباع حفتر.
وبالنظر إلى أن ميليشيات اللواء التاسع ترهونة، تمثل القوة الثانية بعد ميليشيات حفتر القادمة من الشرق، في جبهات القتال جنوبي طرابلس، شنت قوات الوفاق هجوماً شاملاً على المدينة من 7 محاور، في 18 أبريل/نيسان الجاري، وتمكنت من أسر 102 عنصر معظمهم من اللواء التاسع، بعد أن حررت مناطق جنوب مدينة القره بوللي (50 كلم شرق طرابلس)، وتقدمت إلى المداخل الشمالية للمدينة، حتى لم يعد يفصلها عن وسط ترهونة سوى أقل من 8 كلم.
ورغم أن معركة ترهونة لم تحسم في اليوم الأول، فإن قوات الوفاق شددت الحصار عليها، وأحكمت سيطرتها على جميع مداخل المدينة باستثناء الجنوبية باتجاه مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، التي تدعم معظم كتائبها حفتر.
كما حققت قوات الوفاق انتصارات بمحاور جنوبي طرابلس، بعد أن انسحب عدد من مقاتلي ترهونة منها إلى مدينتهم، وهو ما أدى لاختلال توازن ميليشيات حفتر القادمة من الشرق.
ففي أقل من شهر تمكنت عملية عاصفة السلام من قلب المشهد الليبي رأساً على عقب، والتحول من الدفاع إلى الهجوم، وتوسيع مساحة سيطرة الوفاق بنحو 3300 كلم مربع، بعد تحرير الساحل الغربي، ومناطق جنوب القرة بوللي، كما أن الطريق الساحلي أصبح مؤمّناً بالكامل من مصراتة إلى الحدود التونسية، وتولت الحكومة الشرعية زمام المعركة.