هل “القادم أسوأ” فعلاً؟ لماذا ارتفعت وفيات كورونا بأمريكا بعد تراجعها قليلاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/22 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/24 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
ترامب اتهم فوتشي - رويترز

مع اقتراب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتخاذ قرار تخفيف إجراءات الإغلاق، وسط حالة من الجدل المحتدم بين مؤيد للقرار حرصاً على إنقاذ الاقتصاد، وبين رافض له خوفاً من الفيروس القاتل، تميل الكفة بشكل واضح نحو حتمية عدم التسرع في قرار عودة الناس للشوارع، فما القصة؟

أعلى عدد من الوفيات اليومية

على مدى الأيام القليلة الماضية، تراجعت أعداد الوفيات اليومية في الولايات المتحدة بصورة بدت كما لو أن المنحنى قد تخطى الذروة وبدأ في مرحلة الاستقرار أو الثبات، وهي المرحلة التي تسبق التوجه نحو الهبوط، لكن أمس الثلاثاء شهد ارتفاعاً قياسياً مسجِّلاً أعلى عدد من الوفيات على الإطلاق، في البلاد التي تشهد وحدها تقريباً نحو ثلث عدد الإصابات المسجلة عالمياً، وأعلى قليلاً من ربع عدد الوفيات.

وقت كتابة هذا التقرير، اليوم الأربعاء 22 أبريل/نيسان، تم تسجيل أكثر من 820 ألف إصابة، وأكثر من 45 ألف وفاة في الولايات المتحدة الأمريكية، من إجمالي مليونين و575 ألف إصابة، ونحو 179 ألف وفاة حول العالم جراء فيروس كورونا القاتل، بحسب موقع وورلدميترز المتخصص برصد عدوى الفيروس حول العالم.

وسجلت الولايات المتحدة أمس الثلاثاء أقل قليلاً من 3 الآف حالة وفاة، وهو رقم قياسي منذ تسجيل أول حالة وفاة هناك منتصف فبراير/شباط الماضي، وأيضاً منذ تحولت البلاد إلى بؤرة تفشي الوباء عالمياً مع بدايات أبريل/نيسان الجاري.

هذا الرقم الضخم للوفيات في يوم واحد جاء بعد تسجيل 1561 حالة فقط، أمس الأول الإثنين 20 أبريل/نيسان، وهو الرقم الأقل منذ السابع من أبريل/نيسان الجاري، والذي شهد بداية تسجيل أكثر من ألفي حالة يومياً بصورة متصاعدة.

الأسوأ قادم

اللافت هو أن مدير منظمة الصحة العالمية، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرسيوس، كان قد أصدر تصريحاً متشائماً للغاية بشأن وباء كورونا، وذلك يوم الإثنين نفسه، محذراً العالم من أن "القادم أسوأ"، في وقت كانت قد بدأت أعداد الوفيات والمصابين في الولايات المتحدة وأوروبا تظهر بعض الثبات أو التراجع الطفيف.

مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس – رويترز

أدهانوم لم يقدم تفسيراً لتصريحه الصادم، الذي جاء في سياق استعداد كثير من دول العالم لبدء تنفيذ إجراءات تخفيف الإغلاق بشكل تدريجي، وهو ما دفع مدير منظمة الصحة العالمية إلى التحذير من خطورة إقدام العالم على التفكير في التداعيات الاقتصادية السلبية للوباء، بينما لا توجد معلومات كافية عن الفيروس الشرس الذي يتربص بالجميع ويهدد حياتهم.

اليوم نفسه -الإثنين 20 أبريل/نيسان- شهد أيضاً تحذيرات واضحة ومباشرة أطلقها الدكتور أنطوني فوتشي، مدير المعهد القومي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية، وأحد أعضاء فريق ترامب لإدارة أزمة الوباء، ضد التسرع في اتخاذ قرار رفع إجراءات الإغلاق قبل السيطرة على الوباء.

فوتشي قال إنه إذا لم يتم استمرار اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الوقائية المتخذة حالياً، فإن مخاطر حدوث تفشٍّ أكبر قائمةٌ وبشدة، مضيفاً في تصريحات لقناة ABC الأمريكية أنه "رغم قسوة الوضع الحالي من الناحية الاقتصادية، فإن التسرع في اتخاذ قرار رفع الإغلاق قد يرتد علينا بشدة. لا يمكن أن نتخذ القرار قبل أن نسيطر على الفيروس".

تصريحات فوتشي بالطبع عكس رغبة رئيسه المعلنة، وهذه ليست المرة الأولى، وهو ما أدى لوجود توقعات في الصحافة الأمريكية بأن ترامب يفكر جدياً في فصل فوتشي من منصبه -الذي يشغله منذ عام 1984- ما اضطر البيت الأبيض لأن يصدر بياناً ينفي فيه أن ترامب سوف يقدم على خطوة إعفاء فوتشي من منصبه، لكن لا أحد يدري بالطبع.

تحذيرات من موجة تفشٍّ ثانية

في السياق ذاته، قال روبرت ردفيلد، مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها -عضو آخر في فريق ترامب- أمس الثلاثاء 21 أبريل/نيسان، إنه من المتوقع أن تكون هناك موجة ثانية لفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة خلال فصل الشتاء القادم، وإنها قد تكون أقوى بكثير من الموجة الأولى، لأنها ستبدأ على الأرجح مع بدء موسم الإنفلونزا.

 وجاءت تحذيرات ردفيلد خلال مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، قال فيها إن "هناك احتمالاً أن يكون هجوم الفيروس على أمتنا في الشتاء القادم أكثر صعوبة مما مررنا به"، لكن اليوم الأربعاء جاءت الحصيلة القياسية للوفيات لتجعل البعض يحذرون من أن الموجة الثانية ربما تأتي أسرع من توقعاته.

رئيسة الجمعية الطبية الأمريكية الدكتورة بياتريس هاريس عبرت عن قلقها من أن "الموجة الثانية من تفشي عدوى وباء كورونا ربما تأتي أسرع مما توقع ريدفيلد"، مضيفة لتلفزيون CNN أن بعض الولايات التي تتسرع الآن برفع القيود -مثل جورجيا- ترتكب خطأً سيكلف المزيد من الأرواح.

هل رفع القيود الآن سينعش الاقتصاد؟

الحقيقة أن معضلة إنقاذ الأعمال مقابل إنقاذ الأرواح تحتاج لإعادة نظر من الأساس، فمن يضمن أن عودة النشاط الاقتصادي الآن ولو تدريجياً وضمن ضوابط سيكون بمثابة حل وسط لإنقاذ النشاط الاقتصادي ولو بصورة جزئية؟

مظاهرات في أمريكا ضد الإغلاق الاقتصادي / رويترز

فوتشي أجاب عن هذه النقطة بصورة مباشرة: "ما لم نسيطر على الفيروس بصورة أو بأخرى، فإن الانتعاش الاقتصادي لن يحدث، الأمر بهذه البساطة".

وتفسير فوتشي هو أن فيروس كورونا المستجد لا يزال غامضاً تماماً بالنسبة للعلماء، ولا أحد يعرف على وجه اليقين مدى خطورته، ولا كيف يمكن النجاة من العدوى به ومحاصرته، والإجراء الوحيد الذي ثبتت فاعليته حتى الآن هو "الإغلاق التام والتباعد الاجتماعي ومنع التجمعات"، وبالتالي فإن المخاطرة بتخفيف تلك الإجراءات بشكل متسرع دون التوصل لمعلومات دقيقة وكاملة بشأن الفيروس تعد بمثابة مقامرة بالأرواح، دون ضمان الحد الأدنى من النجاح في استعادة النشاط الاقتصادي.

الرسالة نفسها أوصت بها منظمة الصحة العالمية، أمس الثلاثاء، وهي "ضرورة أن يكون أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد تدريجياً"، محذرة من أنه "إذا جرى تخفيف القيود قبل الأوان فستكون هناك عودة للعدوى".

وقال تاكشي كاساي، المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي في المنظمة، إن إجراءات العزل العام أثبتت فاعليتها، وإنه ينبغي على الجميع الاستعداد لأسلوب حياة جديد يسمح للمجتمع بالعمل مع استمرار جهود احتواء الفيروس، وأضاف في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت أن "عملية التكيف مع الوباء" ستكون هي الوضع الطبيعي لحين التوصل إلى لقاح للفيروس.

تحميل المزيد