عما قريب يطل علينا رمضان بأيامه المباركة ولياليه الطيبة، ولا شك أن للبعض أسئلة حول الصيام، خصوصاً بعد ظهور أصوات غريبة تدعو الناس للإفطار ترخصاً، وقد كان لــ(سعد الدين الهلالي رأي صادم) حيث أعطى للناس رخصة الصوم لمجرد الخوف وسيكون الرد على هذا النحو إن شاء الله تعالى:
التغيرات التي تحصل للجسم وقت الصيام[1]:
يؤكد الأطباء على أن ما يحدث للصائم وكذلك صاحب الحمية ما يلي:
1- ينتج طول مدة الصيام نقصاً في إنتاج الأنسولين من البنكرياس ويزداد مستوى الغلوكاغون للحفاظ على مستوى الغلوكوز في الدم حتى يتم استهلاك كمية الجليكوجين المخزنة كمصدر للطاقة.
2- وجبة السحور وجبة مهمة، ومهم تأخير وقت السحور حتى تقل فترة الكسل والخمول.
3- أثبتت بعض البحوث العلمية، أن من فوائد الصيام:
نقص منتجات الالتهاب مثل السيتوكين والتي تلعب الدور الأساسي في تدهور حالة مرضى كوفيد19 وغيرها من الفيروسات الرئوية.
هل الصيام يزيد من فرص العدوى بفيروس كورونا؟
يؤكد الأطباء على التالي:
1- لا يوجد بحث علمي أو حقيقة علمية واحدة ربطت بين الصيام المتقطع (صيام المسلمين الذي يتخلله سحور وفطور) وبين زيادة معدل الإصابة بالفيروسات.
2- بالرغم من أهمية الماء للدورة الدموية إلا أن جسم الإنسان يستطيع تعويض هذا النقص.
3- العطش والذي ينتج عنه من جفاف الحلق لا يوجد دليل علمي على أنه يعدّ من أسباب انتقال هذا المرض.
4- لا يوجد أي دليل علمي على زيادة العدوى أو المضاعفات عند نقص شرب الماء في الصيام، خاصة أن الصيام في هذا العام قادم في وقت اعتدال الجو.
5- معروف أن انتقال (فيروس كورونا) يكون عن طريق الرذاذ الواصل للإنسان عن طريق الفم أو الأنف أو العين، أو الملامسة، ولا علاقة للصوم هنا بهذه الطرق.
6- الإنسان ينتج لعابه يومياً من لترين إلى ثلاثة، وهذا يعوض الإنسان عن العطش الناتج عن الصوم.
7- بعض البحوث الطبية تؤكد على أن الصوم يفيد كثيراً من المرضى، وأن الصوم يعد فرصة كبيرة لدعم الصحة الجسدية والنفسية كذلك، وذلك لأن أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة تأخذ فترة راحة ضرورية لتجديد نشاطها واستعادة وظائفها، كما أنها فرصة لتخلص الجسم من الرواسب الموجودة به، بالإضافة إلى تجديد الدورة الدموية.
أنواع المرض وعلاقة ذلك بالصيام:
أجمع العلماء على إباحة الفطر للمريض، وأنه عليه القضاء إذا تم شفاؤه، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وإذا كان المرض هو كل ما أخرج المرء عن صحته وعافيته فإن المريض له أحوال ثلاث مع الصيام:
1- المرض اليسير الذي لا يتأثر صاحبه بالصيام ولا يؤخر الصيام الشفاء، ولا تحصل معه مشقة ولا ضرر؛ وهنا واجب على المريض الصوم.
2- المرض الشديد وهو الذي يتأثر المريض إذا صام، ويؤخر الصيام الشفاء، وتحصل معه مشقة أو ضرر؛ وهذا يحرم على المرء الصوم، والله يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، هذا عموماً، أما في المسألة نفسها فالله يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
3- مرض بين هذا وذاك، وهذا يستحب له الفطر ويكره له الصوم.
حكم صيام المصاب بكورونا:
أما المصاب بكورونا فله حالتان:
الحالة الأولى: حال إصابته، والمصاب لا صيام عليه، لما في الصوم من حصول مشقة أو تأخير شفاء أو حصول ضرر، وحيث إنه يحتاج إلى علاج، وطعام، وشراب، فإنه يحرم عليه الصوم، وإن صام كان آثماً، لما في الصوم من إلحاق الضرر بالنفس، والله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمً }[النساء: 29]، فإن أتم الله عليه الشفاء وكان قادراً على الصوم فعليه القضاء، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].
الحالة الثانية: من كان في فترة نقاهة فهذا يخضع حكمه أولاً لرأي الأطباء، فإن أقرّ الأطباء بأن الصوم يضر به وجب عليه الفطر، ويأثم إن صام، فإذا أتم الله شفاءه كان مع إخوانه الذين قال فيهم الله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. وإن رأوا أنه لا بأس من صومه صام وابتغى الأجر من الله تعالى.
كبير السن والمريض مرضاً مزمناً كيف يصومان في زمن (كورونا)؟
من المتعارف عليه الآن أن كبير السن (رجلاً أو امرأة) تزداد خطورة إصابته بهذا الوباء (كورونا)، وقد قال الفقه كلمته في الرجل الكبير والمرأة العجوز وكذلك المريض مرضاً مزمناً -أي لا أمل في الشفاء- حيث اعتبر الفقه وجود المشقة سبباً من أسباب الفطر لهذه الأصناف، وهؤلاء جميعاً يجوز لهم الفطر، وهذا ما أجمع عليه العلماء، حيث قرروا أن الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا عجزا عن الصوم، يجوز لهما الفطر ولا قضاء عليهما، ثم اختلفوا فيما عليهما إذا أفطرا، والجمهور على أنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً….[2]. وقد روى الدارقطني عَنِ ابْنِ عَبَّاس في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]قَالَ: "وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ وَأُمِرَ أَنْ يُطْعِمَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُهُ[3]".
فإن عجزا عن الإطعام فلا شيء عليه، ذلك أن الشريعة قائمة على اليسر والتيسير، قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].
هل مجرد الخوف من الإصابة بكورونا يبيح الفطر؟
إذا أخذنا أقوال الأطباء بعين الاعتبار -وهذا هو الواجب- فإني أرى ما يلي:
1- إذا لم يكن هناك أدنى سبب طبي يؤكد وجود علاقة بين الصيام واحتمالية الإصابة بكورونا، فإن على المرء أن يصوم ما لم يكن لديه من الأسباب ما يبيح أو يوجب الفطر عليه.
2- الخوف الحاصل لغير المريض لا اعتبار له، وعليه أن يصوم فإن وجد مشقة لا تطاق، فله الصوم ابتدأ والفطر إن لزم الأمر.
مراجعة الطبيب أمر واجب في وقت الصيام:
ونقطة مهمة يجب التنبيه عليها، أنه ينبغي مراجعة الطبيب المتقن الثقة، وأرى أن الطبيب المسلم أولى في هذه المسألة إن وجد، لأن له دراية بطبيعة هذا الركن (الصيام)، ويكون رأي الطبيب هو المعول عليه، والعالم إنما يبني فتواه على قول الطبيب، ويكون لكل شخص موقف وحكم يختلف عن غيره؛ الذي قد يكون أخاً أو صديقاً أو زوجاً، وهذه طبيعة الفتوى التي تتغير بتغير الظروف والأحوال.
الهلالي وفتاويه الشاذة:
بقي أن أشير إلى ما قاله سعد الدين الهلالي على الهواء مباشرة في أحد البرامج المتلفزة، وطريقة الهلالي في العرض طريقة تبلبل الأفكار، وتعطي الأفراد العمل بما تشتهيه الأنفس.
مخالفات الهلالي:
وقد كان للهلالي مخالفات عدة طالت الشرع والطب، وبيانها كالتالي:
1- مخالفته للطب وذوي التخصص فيه: حيث قال: (فإذا قال لك الطبيب: لا تخف من الصيام ولا تفطر لأنه لا يضرك، ولا علاقة لكورونا بهذا، وأنت خائف فلا تقبل نصيحة الطبيب ارفضها، وافطر طالما أنت خائف فأنت أدرى بنفسك من الطبيب). وهذا قول لم يقل به أحد، لم يقل أحد أن الإنسان أدرى بنفسه من ذوي التخصص، لقد احترم الإسلام التخصص حين قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] و[الأنبياء: 7]. وأهل الذكر هنا أهل التخصص في كل علم من العلوم وفنّ من الفنون.
ولهذا علمتنا الشريعة أن هناك مسائل شرعية محضة، وهذه يقول فيها العالم الفقيه قوله بالرجوع إلى ثوابت الشرع والدين، أما المسائل التي لها ارتباط بالطب أو الاقتصاد وكل ما يتعلق بحياة الناس؛ فلا بد أن يسمع العالم كلام أهل التخصص ويجمع في فتواه بين نصوص الشرع وواقع الحياة من خلال ما قاله المتخصصون.
2- مخالفته للفقهاء: حيث لم يلتفت إلى أقوال الفقهاء والعلماء، الذين نظروا إلى حال الناس، وفرقوا بين صحيح ومريض، وبين مريض يرجى شفاؤه ومريض لا يرجى شفاؤه، ونظروا إلى المرض هل تحصل به المشقة أم لا؟ وما مقدار هذه المشقة، وراعوا طول العمر والمشقة التي تصاحبه، كل هذا ينظر إليه في الجواب عن الصيام في (كورونا) لكن الهلالي لم يراع حال الناس، وقد بينته سابقاً فليراجع.
المراجع:
[1] قرأت بعض البحوث الطبية، وتواصلت مع عدد من الأطباء هنا في أمريكا وفي بعض الدول العربية واستمعت إلى كلامهم كأطباء متخصصين وخصوصاً في الأوبئة والأمراض المعدية.
[2] للمزيد يراجع: المجموع (6/ 258) والمغنى (3/ 79) وبداية المجتهد (1/ 447).
[3] رواه الدارقطني في سننه (3/ 194).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.