على الرغم من أن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان قد أُجبر على التراجع سريعاً عن حرب أسعار النفط التي أشعلها دون مبرر منطقي، فلا يبدو أن تداعيات القرار المتهور يمكن احتواؤها بسهولة، فقد تسببت في شرخ عميق في العلاقات مع الولايات المتحدة، فما هي القصة؟
صحيفة فايننشيال تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "توتر العلاقات الأمريكية السعودية بسبب النفط"، ألقى الضوء على تبعات قرار ولي العهد في عام الانتخابات الأمريكية الذي يأتي استثنائياً على كل المستويات.
سواء نجح اتفاق التخفيض أو لم ينجح
ربما تنجح أو لا تنجح الصفقة التاريخية لدول أوبك بلس التي أُبرمت في عطلة نهاية الأسبوع لخفض إمدادات النفط العالمية بنسبة 10% تقريباً ولمحاولة وضع حد أدنى لسعر النفط في سوق تعاني فيه أسعار النفط الخام من السقوط الحر. والأكثر يقيناً أن حرب أسعار النفط التي شنتها السعودية الشهر الماضي عندما بدأت جائحة فيروس كورونا في تدمير الاقتصاد العالمي، قد أضرّت بسُمعة المملكة بوصفها طرفاً مسؤولاً في تجارة النفط الدولية، إضافة إلى مدى ملاءمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لقيادة المملكة.
في أوائل شهر مارس/آذار 2020، خفّض ولي العهد العنيد والحاكم الفعلي للمملكة أسعار النفط وقرر رفع سقف الإنتاج لإغراق السوق، بعد أن امتنعت روسيا عن الاستمرار في صفقة تقييد الإنتاج لمدة ثلاث سنوات لدعم الأسعار. وكانت موسكو قد خلُصت إلى نتيجة مفادها أن سياسة تقييد وخفض الإنتاج قد أسهمت في تسليم حصتها في السوق إلى منتجي النفط الصخري الأمريكي الأعلى تكلفة.
قرار أضر ترامب وفريقه
هذه الحركة الطائشة في الرياض لم تؤدِّ فقط إلى زيادة المعروض من النفط في وقت كان فيه استهلاك الوقود ينخفض، بل ساعدت في إطلاق أكبر عمليات بيع في سوق الأسهم منذ الأزمة المالية لعام 2008 وهددت بانهيار صناعة النفط عالية المخاطر في أمريكا، في العام الذي يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعم الوحيد غير المشروط لولي العهد السعودي على المسرح العالمي، إلى إعادة انتخابه.
ويقول أحد السعوديين الذين كانوا على اطلاع جيد بالأمر إن هذا كان "سلوكاً صبيانياً"، لكن المخاطر كانت كبيرة جداً لدرجة أن المملكة العربية السعودية أُجبرت على الإذعان لتهديدات أمريكا في النهاية.
لأسباب تتعلق بالغطرسة، وربما نظراً إلى أن الأمير محمد غالباً ما يتعامل مع الأمور مثل الطفل المدلل على غرار زميله في البيت الأبيض صهر ترامب جاريد كوشنر، يبدو أن الرياض اعتقدت أن واشنطن ستلوم موسكو على حرب الأسعار.
تهديدات أمريكية للمملكة
وبدلاً من ذلك، هدد الرئيس الأمريكي، وهو يجد نفسه في موقف غريب لمطالبة كارتل أوبك الذي تقوده السعودية بالاطلاع بدور المسؤولية في هذه الأزمة، بفرض رسوم جمركية على واردات النفط السعودية والروسية.
والأسوأ من ذلك، أن الجمهوريين في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ -الذين كانوا درع المملكة العربية السعودية ضد محاولات الكونغرس معاقبتها على حربها المدمرة في اليمن أو وحشيتها تجاه المنشقين- هددوا بالانتقام.
بقيادة نواب من ولايات نفطية مثل تكساس ونورث داكوتا، دعا هؤلاء الحلفاء السعوديون السابقون إلى انسحاب القوات الأمريكية وبطاريات باتريوت للدفاع الجوي من المملكة، وهذا ليس تهديداً صغيراً، فعندما دمر هجومٌ بالصواريخ -من شبه المؤكد أنه إيراني- مركزاً رئيسياً لشركة أرامكو السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، كان السعوديون عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، بالرغم من النفقات الضخمة على أنظمة الأسلحة الأمريكية.
في مواجهة هذا الضعف المروّع، خفف ولي العهد لهجته العدائية تجاه إيران، وعلاوةً على ذلك، وافقت الرياض الأسبوع الماضي على وقف لإطلاق النار في حرب اليمن التي شنتها في عام 2015، وهو إخفاق مكلف ضد متمردين مدعومين من قبل طهران أدى إلى المجاعة ووباء الكوليرا. لكن هذه الأمور لم تردع ولي العهد عن المقامرة برأسماله السياسي مع ترامب من خلال إغراق سوق النفط المشبع بخام مخفض السعر.
هزيمة مخزية
ويبدو التخلي عن هذا الموقف بعد خمسة أسابيع وكأنه هزيمة مخزية. علاوةً على ذلك، قد لا تؤتي تخفيضات الإنتاج ثمارها، ولا يزال من الممكن إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية في فقدان الوظائف المرتبطة بقطاع الطاقة الأمريكي، حتى لو كان السبب هو إغلاق الاقتصاد بسبب فيروس كورونا.
تبدو مناورة الأمير محمد، التي تخلى عنها الآن، متهورةً في ضوء طموحه لبناء اقتصاد أكثر ديناميكية يُطلقه الاستثمار الخاص بدلاً من عائدات النفط المتضائلة، وتعد المملكة العربية السعودية منتج للنفط منخفض التكلفة، لكن سعر التعادل -أي سعر برميل النفط الذي يمكن أن يوازن ميزانيته- يبلغ 85 دولاراً، وهو ضعف سعر النفط الروسي.
فكيف كان توقع ولي العهد لتدبير النفقات الرأسمالية الضخمة في البيان التمهيدي "لرؤية 2030" لتنويع الاقتصاد في ظل انخفاض أسعار النفط بمقدار الثلثين؟
سيكون من الصعب إصلاح هذا الخطأ الضخم في الحكم والمزيد من الأضرار التي لحقت بسُمعة ولي العهد البالغ من العمر 34 عاماً، خاصة مع أصدقاء السعودية النافرين في الولايات المتحدة.
وقال كيفين كريمر، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية نورث داكوتا، متحدثاً قبل إنهاء اتفاق أوبك بلس لخفض الإنتاج: "لقد أمضوا الشهر الماضي في شن حرب على منتجي النفط الأمريكيين بينما نحن ندافع عنهم. ليست هذه هي الطريقة التي يتعامل بها الأصدقاء مع الأصدقاء. بصراحة، أعتقد أن أفعالهم كانت غير مبررة ولن تُنسى بسهولة أو بسرعة".
من السهل بما فيه الكفاية لأنظمة مثل إيران أو فنزويلا أن توحّد الكونغرس الأمريكي المتصدع ضدها. لكن المملكة العربية السعودية بقيادة محمد بن سلمان هي حليف، أو على الأقل في الوقت الحالي.