وكأنها وصمة عار.. مصابون يخفون إصابتهم بكورونا بسبب التنمر وآخرون يرفضون العلاج

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/07 الساعة 18:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/08 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش

أفضل الموت في سريري على "البهدلة" في مستشفيات الحكومة، هكذا أجابت السيدة الخمسينية التي تعمل مدرسة رياضيات بإحدى المدارس الحكومية المصرية "عربي بوست" حين سألها عن سبب تجاهلها إجراء تحليل الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بعد أن هاجمتها كل الأعراض من ارتفاع في درجة الحرارة وسعال جاف وضيق تنفس.

لا تزال (س. ك) لا تعرف، إن كانت مصابة فعلاً بـCOVID-19 أم أن الوهم جعلها تشعر بأن أعراض الإنفلونزا يمكن أن تكون كورونا.

فكرت السيدة في الاتصال بوزارة الصحة للإبلاغ عن حالتها، لكنها ترددت بعدما تذكرت، كيف مات زوجها حين عجز الأطباء في مستشفى التأمين الصحي القريبة من ميدان رمسيس في تركيب "كانيولا" في رقبته دون التأكد من احتياجه لها، وظل ينزف حتى الموت.

كان الزوج قد دخل المستشفى قبل ذلك بثلاث ساعات فقط، وهو يعاني من نزلة برد شديدة وارتفاع في درجة الحرارة ولم يهتم أحد إذا كان هذا كورونا أم لا، ففي هذا الوقت لم يكن أمر الفيروس شائعا وبالتالي لم يهتم احد بإجراء الفحوصات اللازمة لاكتشاف الحقيقة.

مخاوفها تزداد.. 

زادت مخاوفها حين نشرت الفنانة إيناس عزالدين فيديو تشكو فيه من وجود أبراص وسحلية في الغرفة التي تم عزلها فيها بمستشفى الحميات بمنطقة إمبابة الشعبية، الذي احتُجزت فيه بعد شعورها بأعراض شبيهة لما يسببه الفيروس المستجد.

قاومت الأرملة الأعراض التي تشعر بها والمشابهة لحالة زوجها واستخدمت كل الوسائل العلاجية والشعبية، لكنها وصلت لمرحلة لا تعرف كيف تتعامل معها، فاتصلت بأخيها تستنجد به لأن أحد ولديها يعمل بالكويت والآخر بالسعودية، وعندما نصحها الأخ بطلب الرقم الذي نوهت عنه وزارة الصحة المصرية كادت أن تفعل لكنها مجدداً شاهدت فيديو لمصاب بكورونا توفى وتم نقله بعربة نصف نقل، وعلى الفور تراجعت عن قرارها وتمسكت بالموت في منزلها.

كانت السيدة تشفق على المخالطين بها خوفاً أن تنقل إليهم عدوى الفيروس الذي يتحدثون عنه، لكنها كانت تهون الأمر على نفسها بالقول إنها تقدم للمصابين معروفاً سيشكرونها عليه فيما بعد، لأن الكشف عن إصابتهم سيعرضهم لمعاناة أقسى مئات المرات مما لو أبقوه "سرا".

وكلما اتصل بها أحد ممن خالطوها خلال مراسم دفن وعزاء زوجها الراحل وأخبرها عن شعوره بأعراض فيروس كورونا، كتمت عنه سرها لأن "نار الموت بكورونا ولا لحظة يقضيها في المستشفيات الحكومية"، من وجهة نظرها.

وتشير إلى أن أقارب لها في محافظة دمياط أصيبوا بالفيروس، لكنهم أصروا على إعلان ما لاقوه في المشافي ونشروا مقاطع مصورة تحدثوا فيها عن الإهمال الطبي، ما دفع محافظ دمياط منال عوض للاستجابة وإقالة مدير مستشفى صدر دمياط، ونائب ووكيل المستشفى.

إصابة في صمت.. أو وصم اجتماعي

يعتقد سكان بعض المناطق الشعبية أن التصريح بالإصابة بمثابة وصمة عار، لأن الإعلان سيجبرهم على عزلة اجتماعية يعتبرونها "عيباً"

ففي قرية بلقاس بمحافظة الدقهلية كان لنا لقاء مع أسرة أخرى، زوجة أصيب زوجها بالفيروس، وتوفي بسببه، لكن نجلها حسب ما تقول يتعرض للتنمر الشديد من أصدقائه نظراً لأنهم يتعاملون معه على أنه "فيروس متحرك"، أصبحوا يتجنبون الاحتكاك به والتعامل معه خشية الإصابة، حتى أن أحدهم سكب عليه في يوم "مُبيض ملابس" ظناً منه أنها الطريقة الأفضل لتعقيمه.

ويؤمن بعض من سكان هذه القرى أنّ الفيروس بمثابة العار الذي يلحق بهم ويتعاملون معه كأنه "إيدز" يجعل القرى المجاورة لا تتعامل معهم في البيع والشراء ويرون أن عدم الإفصاح عن المرض أفضل لكي لا تخرج الأمور عن السيطرة.

ومركز بلقاس ذاته كان قد سجل أول حالتي وفاة لمصابين مصريين بفيروس كورونا المستجد، ما شل الحركة في القرية ودفع أهلها لتجنب الخروج من المنازل وعزل أنفسهم ذاتياً.

المصابون.. يعيشون في هلع 

حالة من الرعب يعيشها بعض المصابين بعد انتشار فيروس كورونا، إذ تحولت حمى أو سعال مفاجئ أو عطس متكرر إلى مدعاة للذعر والخوف لدرجة خشى معها البعض من الخروج لمجرد معاناته من أعراض نزلات البرد العادية، وتحول التعامل في مصر مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي أصاب أكثر من مليون وثلاثمائة شخص حول العالم، وأودى بحياة ما يقارب 75 ألفاً من الوقاية والعلاج إلى الفوبيا و "العار".

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أسر رفضت دفن جثث ممن توفوا إثر الإصابة بالفيروس استلامه، فيما انتشر مقطع لفيديو يظهر اشتباك عدد من أهالي قرية "بولس" كفر الدوار، بمحافظة البحيرة، مع قوات الأمن، بسبب دفن ضحية مصابة بفيروس كورونا، حيث رفض عدد آخر من الأهالي دفن الضحية في القرية، نظراً لإصابتها بفيروس كورونا، ومن الممكن تفشي الفيروس بين أهالي القرية.

وحسب محمد الأزرق وهو طبيب بمشفى بمنطقة شعبية في ضاحية حلوان جنوب العاصمة المصرية القاهرة، إن سائق إحدى عربات الإسعاف التي كانت تقل أحد المرضى تعرض لاعتداء من أهل المنطقة التي تقع بها الوحدة الصحية بعدما حاصرها عدد من السكان المحيطين رفضاً لحمله داخل السيارة واحداً من المصابين بالفيروس. 

هذه الحالة المصحوبة بالوصم الاجتماعي للمصابين أو حتى المشتبه في إصابتهم بالفيروس عبرت عنها نكات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.

الوصم الاجتماعي قد يدفع المصاب إلى نقل العدوى انتقاماً من المجتمع "الظالم" 

وبالرغم من تأكيد الدكتور جون جبور، ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، أهمية استشارة الطبيب حال الشعور بأعراض فيروس كورونا، إلا أن 

المنظمة قالت في تغريدة على حسابها الرسمي في تويتر إن التنمر الاجتماعي والوصم بالعار يدفعان الناس إلى إخفاء إصابتهم بالمرض، والامتناع عن طلب الرعاية الصحية والقيام بالفحوصات وقبول الحجر الصحي، مما يزيد من انتشار الفيروس.

وهو ما أكدت عليه وزيرة الصحة المصرية هالة أبو زيد في خطابها السادس من أبريل/نيسان 2020 أن الإصابة ليست بجريمة، ولا تشكل وصمة عار.

يسبب حالة نفسية.. 

يشير محمد الجندي استشاري الطب النفسي أن فيروس كورونا يؤثر سلبياً على المصابين ويفاقم حالة الإحباط والاكتئاب التي يصاحب المريض، فالوصم الاجتماعي لا تتوقف خطورته عند مقاطعة الناس للمصاب وأهله، وإنما يمتد ليؤثر على سلوك المصاب ويشحنه بمشاعر سلبية تجاه المجتمع الذي يرفضه.

غير مصاب.. ومع ذلك يعاني التنمر 

عبدالبديع عبدالحميد  يجلس أمام منزله بمحافظة الغربية، شمال مصر، متكئاً على كومة من القش، معزولاً بعدما انتشرت إشاعة بإصابته بفيروس كورونا.

فالرجل، الذي يبلغ من العمر 43 عاماً، ويعمل في منتجع سياحي بالجونة، هو أحد أبناء قرية الهياتم التابعة لمدينة المحلة وارتبط اسم قريته بفيروس كورونا، بعد إصابة مواطنين من القرية.

يشير إلى تحول الخوف لدى البعض من الإصابة بالعدوى إلى نفور مجتمعي من أبناء القرية والتنمر عليهم، ومجرد الإعلان عن خضوع القرية للعزل كان سبباً في إثارة البلبلة بين مواطنيها.

ويضيف أن أهالي المصابين واجهوا نفوراً غير مبرر من قِبل بعض المحيطين بهم، على الرغم من إبلاغهم بأنهم غير حاملين للفيروس، بل إن البعض اتهمهم بالتسبب في وقف حال القرية وقطع الرزق عن أبنائها.

بذل الرجل الأربعيني جهداً كبيراً في إقناع المحيطين به بأنّه غير حامل للفيروس، وبأنّ حالته الصحية على خير ما يرام، إلا أنّه يجد صعوبة شديدة في العودة لممارسة حياته العادية بشكل طبيعي.

فالنظرات التي لاحقت عبدالبديع لاحقت الكثيرين ممن أصابهم الفيروس وخروج بعضهم من مستشفيات العزل لم ترحمهم من الوصم الذي يلازم مَن يرتبط اسمه بكورونا، ودائماً ما يشعرون من نظرات الناس وكأنّهم السبب في نشر الموت حولهم.

تحميل المزيد