تعرضت صناعة السفر لضربة قوية بسبب جائحة فيروس كورونا، فقد خسرت الصناعة ما يقدر بأكثر من 24 مليار دولار، إذ أبيدت أكثر من 825 ألف وظيفة وتجنب أكثر من 8.2 مليون زائر الولايات المتحدة وحدها، كما تقول صحيفة The New York Post الأمريكية.
ولكن بحسب الصحيفة، في كلِّ محنةٍ منحة، فمع توقُّف التدفُّق المستمر لسفن الرحلات البحرية (بعض أسوأ عوامل التلوث في العالم)، أصبحت قنوات مدينة البندقية نقيةً لأول مرة منذ قرون، وانخفض التلوث في جميع أنحاء العالم بشكلٍ كبير، فضلاً عن تعافي المدن التي دهستها السياحة المفرطة.
عودة قوية متوقعة
يرى خبراء السفر أنه عندما يتعافى العالم من الانتشار المتفشي لفيروس كورونا، ستعود الصناعة أقوى من أيِّ وقتٍ مضى. وعندما يبدأ العالم بالتحرُّك مرة أخرى، ستكون خطواته في المسار الصحيح.
تقول سامانثا براون، مقدمة برنامج "Places to Love" على شبكة تلفزيون PBS: "أعتقد أنه عندما تصبح الجائحة تحت السيطرة في النهاية، فإن ذلك سيخلق حاجةً كبيرة للسفر. ولا أعني بذلك السفر إلى أماكن بعيدة فقط، بل أيضاً القيام برحلات صغيرة إلى وجهات محلية ودولية أكثر. سوف نرغب في التحرك، والأهم من ذلك، سوف نرغب في إعادة التواصل مع الناس".
أيَّدَت ذلك بافيا روزاتي، مؤسسة موقع السفر Fathom، إذ قالت إنه من المُرجَّح أن يكون هناك "اهتمامٌ متزايد بالسفر المحلي، لأولئك الذين يريدون البقاء قريبين نسبياً من ديارهم. قد يكون هذا هو العام الذي يقرِّر فيه سكان نيويورك زيارة جزيرة نانتوكيت أو جزر غولا عوضاً عن زيارة اليونان التي عادةً ما يذهبون إليها".
توق للتواصل البشري
ووفقاً لتوم مارشانت، المؤسس المشارك لشركة Black Tomato للسياحة، فإنه أينما يقرِّر الناس الذهاب، لابد أن يتولَّد شعورٌ بـ "اليقظة والتقدير للسكان المحليين وللنسيج النابض بالحياة للوجهات التي نزورها". فبعد أسابيع وربما أشهر من البقاء في المنزل، سيصبح هذا التوق إلى التواصل البشري الأصيل وروح الجماعة أقوى من أي وقتٍ مضى. لكن العقلية المتطابقة فيما يخص التفكير في السفر ستندثر.
ومن منطلق أن السفن السياحية ستصبح دوماً في حالة حراك، تأمل روزاتي أن تخفض المدن من السياحة الضخمة، خصوصاً في مدنٍ مثل البندقية.
إذ تقول: "إن الحكومة الإيطالية بحاجةٍ لبدء تطبيق سياسة الحد من عدد الزوار المسموح لهم بدخول المدينة يومياً. بل وربما أيضاً تحتاج إلى بذل جهد أكبر من أجل تقييد، أو حتى حظر، السفن السياحية العائمة التي هي في حجم المراكز التجارية، والتي تفرغ عشرات الآلاف من الناس بداخل المدينة، مما يجعل شوارعها الضيقة غير قابلة للمرور بالنسبة لسكان البندقية الذين يحاولون فقط العودة إلى منازلهم من العمل. إذا كانت إعادة الضبط القسرية غير المرغوب فيها تلك تساعدنا في أن نكون أذكى بشأن التعامل مع مواردنا المحدودة، وأن نصبح أقل أنانية بشأن سلوكنا عندما نخرج إلى العالم، فسوف نخرج من هذه الأزمة في شأن أفضل".
تقلص خيارات السفر
مع تعافي صناعة السفر، ستصبح خيارات السفر محدودة أكثر مما كانت عليه قبل أن يضرب الفيروس. ومن المحتمل ألا يكون الوصول إلى الوجهات الأصغر بهذه السهولة.
تقول ميليسا بيغز برادلي، الرئيسة التنفيذية ومؤسِّسة شركة Indagare للتخطيط السياحي: "أحد الجوانب الإيجابية لما يحدث هو أن الناس لن يأخذوا إمكانية السفر بسهولة، وحرية استكشاف العديد من الأماكن كأمرٍ مفروغ منه. سيكون هناك قدر أقل من السياحة المفرطة، ولكن هذا سيكون أيضاً نتيجة لأن خيارات السفر، والتي ستتقلص لامحالة عندما نخرج من تلك الأزمة، صارت أقل. لا توجد طريقةٌ لإحصاء عدد الرحلات أو نطاق الرحلات عند عودة السفر. أشك في أن المناطق الإقليمية الأصغر حجماً ستتلقى نفس نوع النقل الجوي الذي كانت تتلقاه في أوائل عام 2020 لمدة 10 سنوات أخرى. لقد هلكت الخطوط الجوية في كل مكان وستقوم بقطع الطرق وسوف تختفي العديد من الفنادق والشركات التي كانت موجودة بسبب وصول السياح".
والأهم من ذلك، ستساعد القيود المفروضة على حماية وجهات السفر مما تطلق عليه ميليسا اسم "السياحة السريعة". توضح مقصدها قائلة: "حاله كحال الوجبات السريعة، فإن السفر السريع هو ذلك الذي لا يغذي المجتمعات المحلية أو يدعمها حقاً".
البلدان الآمنة
يأمل خبراء صناعة السفر أن انتشار فيروس كورونا سوف يجعل المسافرين أكثر وعياً بالمناطق المحيطة بهم، مع ضمان فوز البلدان "النظيفة".
من جانبها علَّقَت ويندي بيرين، التي أسَّست قائمة Trusted Travel Expert، قائلةً: "من المُرجَّح أن تشهد المدن الكبيرة التي كانت تعاني تحت وطأة الحشد السياحي المكتظ مجموعاتٍ أقل وأصغر من المسافرين لبضع سنوات ما إن تصبح هذه الجائحة من الماضي".
وأضافت: "من المحتمل أن تشهد المجتمعات الريفية الفقيرة التي دمَّرتها الجائحة مزيداً من التبرُّعات من المسافرين ذوي التوجُّه الخيري الذين يزورون هذه القرى ويريدون مساعدتها. ومن المحتمل أن تجتذب بلدان مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية التي طبقت استجابات ناجحة للصحة العامة للتصدي لفيروس كورونا عدداً أكبر من السياح أكثر من ذي قبل، حيث سيُنظر إلى هذه البلدان على أنها آمنة ونظيفة نسبياً".