ظاهرة معاداة المسلمين التي نشأت في الغرب واستقر على تسميتها"الإسلاموفوبيا"، لم يقتصر انتشارها على الغرب فقط، ولعل خير مثال على ذلك يمكننا مشاهدته في الهند التي تحولت احتجاجات شهدتها في الآونة الأخيرة إلى أعمال عنف ضد المسلمين.
الشعب الهندي في الانتخابات العامة عام 2014، كان قد صوّت لصالح حزب "بهاراتيا جاناتا" (تأسس عام 1980)، القومي الهندوسي المتطرف، وبانتخابات 2019 تعززت سلطة الحزب الحاكم، والفضل في ذلك يرجع إلى القومية الهندوسية التي تمثل الأيديولوجية الرئيسية للحزب.
وليس سراً أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي كانت له صورة قيادية قوية جداً في البلاد خلال السنوات الست الماضية، هو أحد المدافعين بقوة عن القومية الهندوسية أو ما يعرف باسم "هندوتفا" الأيديولوجيا المؤسسة للحزب الحاكم.
تطبيق عقيدة "هندوتفا"
ويجنح الحزب الحاكم بقيادة مودي، نحو تطبيق عقيدة "هندوتفا" التي تزعم أن الهندوس يجب أن يهيمنوا على الهند، وأن على الدولة أن تكون ذات هوية هندوسية، وليست دولة علمانية، وهو ما يتعارض ويقوض القيم الديمقراطية في البلاد.
كما أن مودي كان منذ شبابه عضواً نشطاً في منظمة "المتطوعين الوطنية" المعروفة اختصاراً بــ(RSS)، والتي تعد المحطة المؤسسية للقومية الهندوسية التي تعتبر في عقيدتها المسلمين هم التهديد الأكبر لها بشكل خاص، وللهند بشكل عام.
والأشهر الأخيرة كشفت عن ارتفاع ملحوظ في القطاعات المتطرفة داخل تلك الأيديولوجية، حيث زادت مؤخراً جرعة العنف في الاحتجاجات المستمرة منذ 3 أشهر تقريباً، وهذا يسلط الضوء على مدى ما وصل إليه التطرف الأيديولوجي أو الديني في البلاد.
ومن الجدير بالذكر أن القرارات الجذرية التي اتُّخذت خلال الفترة الثانية من حكومة بهاراتيا جاناتا، شكلت الأجندة السياسية في البلاد، في الوقت الذي شكلت فيه الأحداث الأخيرة التي تشهدها الهند الأجندة السياسية العالمية، لدرجة أنه لم يعد هناك أي حديث تقريباً عن الانتعاش الاقتصادي وتحركات التنمية التي حدثت خلال الفترة الأولى من حكومة مودي.
ومن المعروف أن الهند التي بدأت تشهد في الآونة الأخيرة معدلات بطالة مرتفعة، توقف فيها الارتفاع الاقتصادي الذي جذب الانتباه منذ تسعينيات القرن الماضي، وبدأت منذ عام 2019 تقريباً تُعرف بالاستقطاب الديني، والممارسات العنصرية التمييزية.
كما أنها بدأت تفقد هيبة كونها دولة تناقش العديد من المفاهيم مثل العلمانية، والديمقراطية، والمساواة.
وللحكومة الهندية العديد من القرارات المتطرفة، الملفتة للانتباه كتلك المعلقة يإقليم جامو وكشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، وبأزمة مدينة أيودهيا التابعة لولاية أوتار براديش، شمالي الهند، والتي هدم بها مسجد للمسلمين.
وفي أعقاب تلك الأزمتين صدرت سلسلة من التعديلات القانونية على موضوعات المواطنة والسكان، والتي كان من شأنها تأجيج الأوضاع في البلاد بشكل كبير.
وفي هذا الإطار، طرحت الحكومة مشروع قانون في البرلمان يعرض العفو عن المهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين من دول الجوار الثلاث.
مشروع قانون الجنسية
الحزب الحاكم في بيانه لانتخابات عام 2014، وعد بمنح الجنسية للاجئين الهندوس من بنغلاديش وباكستان.
وبعد وصوله إلى السلطة أعلنت الحكومة أن المواطنين البنغلاديشيين والباكستانيين الذين ينتمون إلى "مجتمعات الأقليات" سيتم إعفاؤهم من متطلبات قانون جواز السفر (الدخول إلى الهند) لعام 1920 وقانون الأجانب لعام 1946.
وتم حصر طوائف الأقليات على أنها: الهندوس والسيخ والبوذيين وجاين والفرس والمسيحيين، وكان ذلك مسموحاً لمن يتعرضون لـ"الاضطهاد الديني أو الخوف من الاضطهاد الديني".
كما تم منح أولئك الذين وصلوا إلى الهند قبل 31 ديسمبر/كانون الأول 2014 إعفاء من المتطلبات، ثم أصدروا تأشيرات طويلة الأجل.
وقدمت الحكومة مشروع قانون لتعديل قانون الجنسية في عام 2016، والذي من شأنه أن يجعل المهاجرين غير المسلمين من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش مؤهلين للحصول على الجنسية الهندية.
وعلى الرغم من إقرار مشروع تعديل القانون من قِبل "لوك سابها"، وهو المجلس الأدنى في البرلمان الهندي، فإنه توقف في مجلس الشيوخ، في أعقاب معارضة سياسية واسعة النطاق واحتجاجات في شمال شرق الهند.
وأثار معارضو مشروع القانون مخاوف من أن التركيبة السكانية في المنطقة ستتغير مع تدفق المهاجرين من بنغلاديش.
وكرر حزب "بهاراتيا جاناتا" التزامه بتعديل قانون الجنسية في حملته الانتخابية لعام 2019.
وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر مجلس الوزراء الاتحادي مشروع تعديل قانون المواطنة، وفي 9 من ذات الشهر، قدم وزير الداخلية أميت شاه، المشروع للبرلمان ليتم تمريره بعد يوم واحد بأغلبية 311 نائباً صوّتوا لصالح مشروع القانون بينما صوّت 80 ضده.
وتم إقرار مشروع القانون لاحقاً من قبل مجلس الشيوخ في 11 ديسمبر 2019، بأغلبية 125 صوتاً ضد 105 أصوات.
بعد تلقي موافقة من رئيس الهند في 12 ديسمبر 2019، صار مشروع القانون مُفعلاً، ويدخل القانون حيز التنفيذ في تاريخ تختاره حكومة الهند، وسيتم إعلان ذلك.
احتجاجات ورفض للقانون
هذا القانون تسبب في نزول الناس للشوارع، في احتجاجات مستمرة منذ ديسمبر الماضي، وليس من قبيل الصدفة أن يشكل المسلمون أغلبية مَن يقومون بتنظيم تلك الاحتجاجات، كما أنه ليس مصادفة أن تبدأ الشرطة الهندية استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين الذين انضمت إليهم قطاعات أخرى من المجتمع.
وبينما تقول الحكومة إن القانون الجديد سيوفر ملاذاً للفارّين من الاضطهاد الديني، يقول المناهضون إن مشروع القانون جزء من برنامج الحزب الحاكم لتهميش المسلمين.
ويقول المناهضون للقانون أيضاً إنه ينتهك المبادئ العلمانية للدستور الهندي، وإنه إقصائي، وإن العقيدة لا ينبغي أن تكون شرطاً للحصول على الجنسية.
وبذلك يواجه المسلمون خطر فقد المواطنة، وهذا الوضع يقتضي وضع علامات استفهام حول العلمانية، وحقوق المساواة بدولة الهند التي بدأت على إثر ذلك تظهر فيها حوادث عنف متزايدة بالتوازي مع الاحتجاجات، وهو أمر كان له بالغ الأثر في تعميق التصدعات القائمة على أساس الاختلافات الاجتماعية.
وكل هذه الأحداث، التي تؤدي حتماً لارتفاع أعداد القتلى، من شأنها إحداث انقسام في المجتمع الهندي، وجر البلاد حتماً إلى الفوضى.
فنحن نتحدث عن عشرات القتلى، ومئات الجرحى، ومنازل، ومحال عمل، وكذلك مساجد تم حرقها أو إطلاق النار عليها، وذلك في ظل أجواء من الفوضى لن تجر البلاد إلى حرب داخلية، لكنها ستؤدي لإحداث جروح لن تندمل.
وبالتالي فإنه عند النظر إلى المعسكرات التي تم إنشاؤها للأشخاص الذين ستسحب منهم المواطنة، وإلى الاحتجاجات الرافضة لتلك التعديلات، وإلى عدم وجود أي احتمال لتراجع الحكومة عن هذه الخطوة، يمكننا القول إن الهند تمر بمرحلة حرجة تسببت في تشكيل معالم "الإسلاموفوبيا".
ولا ننسى كذلك أن أجواء الكراهية هذه تلحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الهندي، وهذا بالتأكيد ستكون له عواقب وخيمة للغاية من الناحية الاجتماعية.