أصبحت السعودية تنشدُ السلام في اليمن بعد "الهزيمة المذلّة" لقواتها المتحالفة في شمال البلاد، وبعد خمس سنوات من التدخل في الحرب الأهلية، كما تصفها صحيفة The Times البريطانية.
إذ أعلن التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يقاتل لصالح الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، هذا الأسبوع أنه سيقبل دعوة لوقف إطلاق النار وجهتها الأمم المتحدة لمواجهة جائحة فيروس كورونا. وجاء تصريحه بعد استيلاء الحوثيين على محافظة بأكملها شمال البلاد. ويبعد الحوثيون من مدينة مأرب، مركز منطقة النفوذ السعودية، حوالي 32 كم.
"هزيمة نكراء"
ونجح الحوثيون في السيطرة على محافظة الجوف في غضون أسابيع، بعد تغلبهم على قوات تابعة لحكومة الرئيس هادي. يقول أبورعد (27 سنة) وهو أحد المقاتلين الحوثيين لصحيفة The Times: "لسنا بعيدين عن مأرب وسنسيطر عليها قريباً جداً".
يُشار إلى أنه كان من المفترض أن يكون "التدخل" السعودي الذي بدأ في مارس/آذار 2015 حلاً سريعاً من شأنه إضعاف القوة الهوجاء للحوثيين الموالين لإيران وإعادة هادي لمنصبه في العاصمة صنعاء. وبادرت مجموعة الرياض من الطائرات المقاتلة باهظة الثمن، التي زوّدتها بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بشن هجمات على قوات الحوثيين والبنية التحتية اليمنية، في حين شكلت الإمارات تحالفاً من القوات البرية.
وانضم الحوثيون إلى علي عبدالله صالح، الذي تولى منصب الرئيس لمدة 30 عاماً قبل إطاحته في الربيع العربي. وفي أواخر عام 2014 سيطروا على صنعاء وتقدموا جنوباً، ووصلوا إلى عدن على الساحل الجنوبي وأجبروا هادي على الفرار إلى عُمان. وفي تلك المرحلة، أعلن محمد بن سلمان، الذي كان قد تولى منصب وزير الدفاع لتوّه بأمر من والده الملك سلمان، أنه سيتدخل نيابة عن هادي.
وخلال السنوات الخمس التالية، هُزم السعوديون "هزيمة نكراء". ولم يقتصر الأمر على فشلهم في إعادة الحكومة إلى صنعاء فحسب، بل أصبح سجلهم العسكري موضع تمحيص لأن طائراتهم كانت تخفق في إصابة أهدافها، ما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
حالة من اليأس
وتسببت هذه الحرب أيضاً في دخول اليمن في حالة من اليأس، فيما أصدرت وكالات تابعة للأمم المتحدة تنبيهات متكررة بأن معظم سكانه البالغ عددهم 27 مليون نسمة على حافة المجاعة.
وكان أحد أهداف التدخل السعودي منع هذه القوة الموالية لإيران من أن يكون لها موطئ قدم على الحدود السعودية، لكن السعودية أخفقت في تحقيق هذا الهدف. إذ أن الآلاف من الشباب اليمنيين الآن يدرسون ويتدربون في إيران، الخصم الشيعي اللدود للسعودية، التي تزوّد الحوثيين أيضاً بالصواريخ والطائرات المسيرة والتدريبات.
يقول عبدالغني الإرياني، مستشار الأمم المتحدة السابق في الشأن اليمني ومستشار منظمة هيومن رايتس ووتش: "لقد بالغوا كثيراً في تقدير قدراتهم العسكرية، واستخفوا بقدرات الحوثيين".
وجديرٌ بالذكر أن الإمارات سحبت معظم قواتها الصيف الماضي. ولم تنتقد السعودية علناً، لكنها تسببت في انهيار قوتها فور توقفها عن ممارسة الضغط السياسي على الحوثيين للتوصل إلى اتفاق سلام.
بشروط الحوثيين
وتقول الصحيفة البريطانية إن قوات التحالف نجحت على الأقل في إخراج الحوثيين من عدن وإبعادهم عن مضيق باب المندب الذي يتمتع بأهمية استراتيجية، والمدخل للبحر الأحمر وقناة السويس.
لكن مع دخول الحرب عامها السادس، أصبح اليمنيون المعارضون للحوثيين، أقل ثقة بالتحالف، فالمعركة لم تُحدث تغييراً جوهرياً في معادلة الصراع، والحكومة لا تزال حبيسة المنافي.
أما الحوثيون فرغم تلقيهم "ضربات مؤلمة"، فإنهم لا يزالون يهاجمون في مدن مختلفة من اليمن، في ظل استياء متصاعد من دور التحالف، واتهامه بالانحرف عن مهمته الأساسية المعلنة، نحو أهداف ومسارات أخرى سرية.
ويتكشف ذلك أكثر من خلال الدور الإماراتي، الذي اتجه نحو السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية، إضافة إلى إنشاء وتشكيل ميليشيات خارج إطار الدولة اليمنية، ونقل الصراع إلى داخل المحافظات المحررة.
يقول محللون الآن إن الحل السياسي هو المخرج الوحيد. ولكن قد يكون من الضروري أن يجري التوصل إلى هذا الحل بشروط الحوثيين، لأنهم الطرف المهاجم الآن.