تحمينا من فيروس كورونا وتنقله لنا.. هل يجب أن نرتدي كمامة أم لا؟

عدد القراءات
2,599
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/27 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/27 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
فيروس كورونا

عندما وصل الالتهاب الرئوي الفيروسي المرتبط بأحد الأسواق في ووهان، بالصين، إلى العالم الخارجي في بداية يناير/كانون الثاني، كان واحد من أول ردود فعلي هو طلب إمداد متوسط من الكمامات. بعد أسابيع قليلة، لم تتبق كمامات تُباع في المحلات أو على الإنترنت بسعر مقبول، وانتشر التلاعب بالأسعار. بدأ الكثير من خبراء الصحة، الذين يحركهم هدف حكيم وعاجل، وهو الحفاظ على الكمامات المتبقية للعاملين في القطاع الصحي، في إخبار الناس أنهم لا يحتاجون الكمامات أو تلك التي لا يعرفون كيف يرتدونها.

وبينما تزداد الجائحة انتشاراً، سيكون هناك العديد من الرسائل الصعبة بالنسبة للعامة. لسوء الحظ، أصبحت طريقة التحدث من مرتبة عليا لمرتبة أدنى مثالاً يُدرس عن كيف لا يجب أن نتعامل مع العامة، خاصة الآن إذ إن حراس البوابات المعتادين مثل الإعلام والسلطات الصحية تقل سيطرتهم. أصبحت الرسالة تأتي بنتائج عكسية وربما شجعت على المزيد من الاكتناز لأن الأمر كان يبدو أن السلطات تشكل هذه الرسالة في محاولة منها لإدارة نقص المستلزمات بدلاً من مواجهة حقيقة الموقف.

أولاً، الكثير من خبراء الصحة، من بينهم الجراح الأمريكي العام، قالوا للعامة في الوقت نفسه إن الكمامات ليست ضرورية لحمايتهم وإن العاملين بالقطاع الصحي يحتاجون هذه الإمدادات المتناقصة. وهذا التناقض يحير المستمع العادي. كيف لهذه الكمامات أن تحمي مرتدين ولا تحمي آخرين، إلا إذا كانوا يعملون في مجال معين؟

ثانياً، كانت هناك محاولات لتعزيز الرسالة الأولى، وهي أن الناس العاديين لا يحتاجون الكمامات، إذ أخبروا الناس أن هذه الكمامات، خاصة كمامات التنفس الطبية (مثل كمامة N95) تحتاج توصية من الأطباء، والناس العاديون لن ينتفعوا بها. وجاءت هذه الرسالة أيضاً بنتائج عكسية عميقة. فالكثير من الناس أيضاً لا يغسلون أيديهم بالطريقة الصحيحة، لكننا لا نستجيب لذلك بأن نخبرهم ألا يغسلوا أيديهم. لكننا نوفر لهم التعليمات، وننشر لافتات في الحمامات، ونساعدهم بغناء أغنيات لمعرفة الوقت الكافي لغسيل الأيدي. إخبار الناس بأنهم لا يمكن أن يعرفوا كيف يرتدون الكمامة بالطريقة الصحيحة ليس رسالة رابحة. إلى جانب هذا، عندما تخبر الناس أن شيئاً ما لا ينجح إلا إذا فعلته بالطريقة الصحيحة، فسيعتقد كل فرد أنه الشخص الذي سيفعل الأمر بالطريقة الصحيحة حتى لو لم يفعلها الآخرون جميعاً.

ثالثاً، الكمامات لها تأثير بالتأكيد، ربما ليست محكمةً تماماً، ولا تعمل جميعها بنفس الدرجة، لكنها توفر بعض الوقاية. فلطالما كان يُنصح بها باعتبارها جزءاً من الاستجابة المثالية عندما تكون محاطاً بأشخاص مصابين، خاصة للمعرضين أكثر من غيرهم. يرتدي مسؤولو منظمة الصحة العالمية كمامات في مؤتمراتهم الصحفية. ولذلك السبب اشتريت بعضاً منها في بداية يناير/كانون الثاني، كنت أعمل على بحث في هونغ كونغ، التي هي على صلة وثيقة بوسط الصين، وكنت أتوقع العودة. تعلمت وعلّمت علم الاجتماع في الأوبئة، وعرفت من تجرية السارس في عام 2003، أن مسؤولي الصحة في العديد من الدول الآسيوية التي كانت معرضة للخطر، نصحوا بارتداء الكمامات.

من المؤكد أن الكمامات لا تمثل الحل النهائي، ولا تغني عن غسيل اليدين والتباعد الاجتماعي. وبالطبع تعمل أفضل إذا كانت ملائمة أكثر. وبالتأكيد لا تنقِّي الكمامات الجراحية، التي تُستخدَم مرةً واحدة التي يرتديها الجراحون، بنفس درجة الكمامات التنفسية مثل N95 والأعلى منها. لكن حتى الكمامات الجراحية تحمي أفضل من عدم ارتداء كمامة على الإطلاق. إننا نعرف من أبحاث الإنفلونزا أن ارتداء الكمامة قد يساعد في تقليل معدلات الانتقال مع الغسيل المتكرر للأيدي والتباعد الاجتماعي. والآن، نواجه نقصاً في الكمامات التنفسية، والمركز الفيدرالية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها توصي بأن الكمامات الجراحية "بديل مقبول" بالنسبة للعاملين بالقطاع الصحي، وهذا لأن بكل وضوح القليل من الحماية أفضل حتى لو لم تكن مثالية أفضل من اللاشيء. وفي المقابل، تقدم علناً إجابة قاطعة تقول فيها: "أنت لا تحتاج لهذا". بالنسبة لشيء يتطلب إجابة مؤهلة أكثر، فإن هذا يقلل ثقة العامة أكثر في السلطات.

ورابعاً، قالت منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها للعامة أن يرتدوا الكمامات إذا كانوا مرضى. لكن هناك أدلةً متزايدة على الانتقال دون ظهور أعراض، خاصة عن طريق الشباب الذين تظهر عليهم أعراضٌ خفيفة أو لا يعلمون أنهم مرضى، لكنهم ما زالوا مصدراً للعدوى. ولأن منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها يقولون إن الكمامات تقلل فرص انتقال العدوى من المصابين إلى الآخرين، فبالتالي يوصم من يرتديها بأنه مريض، وربما يتجنب الناس ارتداءها إذا كانت بمثابة لافتة تقول "أنا مريض". بالإضافة إلى ذلك، من الصعب جداً أن تُفحص لمرض كوفيد-19 في الولايات المتحدة. متى يعرف الناس يقيناً أنهم بحاجة لارتداء الكمامة؟

وخامساً، تمكَّنَت أماكن قفزت إلى العمل باكراً بفرض التباعد الاجتماعي وتعميم ارتداء الكمامات، وسيطروا على المرض سيطرة كبيرة، على الرغم من أن تبادل السفر بينها وبين الصين. يثني مسؤولو الصحة في هونغ كونغ على تعميم ارتداء الكمامات، باعتباره جزءاً من الحل، ويوصون بتعميمه. في الحقيقة، استجابت تايوان لفيروس كورونا على الفور بتكثيف إنتاج الكمامات.

سادساً، الكمامات إشارة مهمة إلى أنها ليست تجارة كالمعتاد بالإضافة إلى أنها أحد أشكال التضامن. تتطلب الأوبئة منا تغيير سلوكنا، ونشاطنا الاجتماعي، والنظافة العامة، وغيرها، وهذا يتطلب تغييراً جماعياً، ومعرفة من إخواننا المواطنين المستعدين معنا لكل الجهود.

وأخيراً، فإن تقديم إرشادات من أعلى لأدنى بها تناقضات واضحة مثل هذه ترتد تماماً لأن قلة الثقة هي ما تثير رغبات الاكتناز، والمعلومات المغلوطة. كان يُقال إنه في الاتحاد السوفيتي قديماً، إذا كان هناك صفٌّ، فعليك أن تقف في الصف، وثم تعرف فيما بعد لماذا يصطف الناس هكذا. عرف الناس أنه سيكون هناك عجز وأن السلطات كذبت في الغالب، ولذلك اكتنزوا. وعندما شعر الناس بأنهم قد لا يحصلون على الحقيقة الكاملة من السلطات، أصبحت المهمة أسهل على المتلاعبين بالأسعار والمراوغين من الباعة.

بالنظر إلى أن هناك بالتأكيد عجزاً في الكمامات، وأن العاملين في القطاع الصحي بالتأكيد أكثر حاجة لهذه الكمامات، فما الذي يجب على السلطات أن تقوله؟ الحقيقة الكاملة المؤلمة. على الرغم من تحذيرات الخبراء لعقود، خاصة بعد الإخفاق القريب في السارس، ما زلنا غير مستعدين لهذا الوباء، ولم نكثف الإنتاج المحلي عندما كان بإمكاننا، والآن هناك عجز، وهذا كارثي لأن خط المواجهة الأول لدينا العاملون في القطاع الطبي، وهم يستحقون أفضل حماية. بالإضافة إلى أنهم إذا سقطوا، فنحن هالكون.

إذا كان بإمكاننا فعل شيء، سيكون نداءً لمن يكنزون الكمامات للتبرع ببعض منها لأطباء المنطقة المحيطة بهم، ربما ينجح هذا أكثر من إخبار الناس أنهم لا يحتاجونها أو أنهم لن ينجحوا في جعلها تعمل. "انظروا، وجود المزيد من الكمامات سيكون رائعاً. إننا نفعل أفضل ما بوسعنا لتكثيف الإنتاج. لكن حتى ذلك الوقت، إذا مرض العاملون بالطاقم الطبي، سيسوء حالنا جميعاً. ففضلاً تبرعوا بأي كمامات تزيد عن حاجتكم للمستشفى القريب منكم، وربما تقدِّرون حاجتكم بأنها ما يكفي لأسبوعين لكل شخص". يبدو هذا مبتذلاً لكنها الحقيقة. أسبوعان فترة معقولة، لأن مراكز السيطرة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية ما زالت توصي بارتداء الكمامات إذا كنت تعتني بشخص لديه أعراض خفيفة، ويعزل نفسه في المنزل، وهو ما سيصبح ضرورياً عندما تكتظ المستشفيات.

تُظهِر الأبحاث أنه في أثناء الكوارث، يمكن للناس أن يظهروا سلوك إيثار مفاجئاً، لكن تدخُّل السلطات قد يأتي بنتائج عكسية إذا ولَّدَت انعدام الثقة، أو إذا تعاملت مع العامة كأنهم خصوم بدلاً من معاملتهم كأشخاص يستجيبون إذا عاملتهم باحترام. باعتبار أن حتى الكمامات المصنوعة في المنزل قد تؤدي وظيفةً أفضل من عدم وجود أي شيء، فربما يجب توجيه الناس لارتدائها وهم في المنزل لفترات أطول، وهو ما يجب علينا جميعاً فعله.

سنواجه بلا شك تحديات مع اجتياح الوباء لمجتمعاتنا، وسيحتاج الناس إلى التعاون. وكلما أسرعنا في خلق الظروف التي يمكن للتعاون أن يزدهر في ظلها، كان هذا أفضل لنا جميعاً.

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأمريكية

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زينب توفيكسي
أستاذة جامعية في علوم المعلومات، متخصصة في التأثيرات الاجتماعية للتكنولوجيا.
كاتبة مساهمة لدى مجلة The Atlantic الأمريكية وأستاذة مساعدة بجامعة نورث كارولين متخصصة في التأثيرات الاجتماعية للتكنولوحيا
تحميل المزيد