تأثير الموسيقى على البشر أمر عرفه علماء النفس منذ فترات لا بأس بها، ولكن تأثير الموسيقى على الحيوانات أمر لم يكن موجوداً في دوائر البحث العلمي حتى العقود الخمسة الأخيرة.
ربما قد لا نستطيع أن نفهم كيفية استقبال الحيوانات للموسيقى بشكل كامل، وقد يصعب تفسير استيعاب بعض الفصائل والأنواع لترددات الموسيقى ونغماتها، إذ لا تستقبل كل الكائنات الموسيقى سماعياً مثل البشر، ولكن الأبحاث التي أجريت على هذه الأنواع أخبرتنا بتأثيرات للموسيقى على الحيوانات لم نكن نعرفها من قبل.
الأبقار تنتج حليباً أكثر
هل شعرت من قبل أن الاستماع إلى الموسيقى الحماسية يساعدك في أداء مهام يومك، أو أن الموسيقى الكلاسيكية ساعدتك على النوم الهادئ؟ إذا كانت إجابتك هي نعم، فالأمر ليس بالنسبة لنا نحن البشر فقط.
في دراسة بجامعة ليستر البريطانية عام 2001 أجريت تجربة على قطيع مكون من 1000 بقرة بصحة جيدة، وتشغيل تصنيفات مختلفة من الموسيقى لها أثناء عملية إنتاج الحليب، وكان من بين هذه التصنيفات الموسيقى الهادئة، والكلاسيكية.
بعدها خلصت الدراسة إلى أن الأبقار التي استمعت إلى الموسيقى الهادئة -أقل من 100 طبلة إيقاعية في الدقيقة- أو الكلاسيكية مثل سيمفونيات الموسيقيين المشاهير: باخ، وشوبان، وغيرهم زاد معدل إنتاجها للحليب بنسبة 3% خلال 12 ساعة، بعكس أبقار أخرى لم تستمع إلى الموسيقى أو استمعت إلى موسيقى ذات وتيرة أسرع.
التماسيح يزداد نشاطها العقلي
الكثيرون قد يعتقدون أن التماسيح لا تملك آذاناً تُمكنها من الاستماع إلى الأصوات، ولكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك، فالتماسيح لديها آذان تختفي داخل رؤوسها تعمل بشكل جيد وحساس، ويمكنها التقاط أدق الأصوات.
وفي دراسة علمية أجراها قسم علم نفس الحيوان بجامعة Ruhr-Universität Bochum الألمانية عام 2018، على مجموعة من التماسيح، بتعريضها لأنواع مختلفة من الموسيقى الكلاسيكية أظهرت التماسيح نشاطاً عقلياً أعلى من المتوسط.
وعندما تم قياس أنشطة التماسيح العقلية من خلال أجهزة مسح المخ fMRI وهي تستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية استطاعت الكائنات البرمائية أن تتخطى عقبات تقنية وضعها الباحثون أمامها بشكل أسرع.
وأشار مؤلفو الدراسة إلى أن هذه النتائج غالباً ما قد تنطبق بشكل كبير على أسلاف التماسيح من الكائنات القديمة مثل الديناصورات، وهو ما يفتح المجال أمام دراسات أكثر عمقاً تساعدنا على فك خيوط الكثير من الأمور الغامضة التي لا نعرفها عن تلك الكائنات القديمة.
تأثير الموسيقى على الحيوانات: القطط تميز الموسيقى المؤلفة خصيصاً لها
القطط في الحقيقة لا تتفاعل مع الموسيقى كما تتفاعل حيوانات أليفة أخرى مثل الكلاب مثلاً، ولكن هناك بالفعل موسيقى مخصصة للقطط فقط، عمل على تأليفها بعض الموسيقيين بالتعاون مع خبراء علم نفس الحيوان، وتتميز بمزيج من خرخرة أو قرقرة القطط -الصوت المكتوم الذي تصدره القطط- بالدمج مع أصوات آلات ذات ترددات مختلفة تسمعها القطط بشكل أفضل.
في دراسة بجامعة ويسكونسن الأمريكية عام 2015 وجد باحثون أجروا عدة تجارب على القطط بتعريضها للموسيقى الشائعة عند البشر مثل البوب والهيب هوب، وتعريض مجموعة أخرى من القطط لموسيقى ألفت بشكل خاص للقطط؛ أظهرت المجموعة الأخيرة من القطط تفاعلاً أكثر مع موسيقاها الخاصة، وأبدت تفاعلاً متعاطفاً مع الباحث أثناء الاستماع إليها، بينما لم تبد المجموعة الأولى أية تفاعلات تذكر.
الببغاوات تتزامن حركاتها بشكل أفضل على الإيقاعات
إذا كنت قد صادفت في مشاهداتك على موقع يوتيوب للمقاطع الطريفة بعض الببغاوات والطيور المتكلمة وهي ترقص عندما تسمع صفير البشر، فهذا الأمر ليس نادر الحدوث، فهذه الطيور تحديداً لديها قدرات عالية فيما يخص الأصوات والنغمات.
في دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2009 على الطيور المُقلدة للأصوات، وتحديداً من خلال تحليل سلوك الببغاوات الذي تنتشر مقاطعهم على يوتيوب -استخدموا مقاطع الفيديو لأكثر من 14 فصيلة لببغاء متكلم- استطاع الباحثون التوصل إلى نتائج تؤكد أن الببغاء المتكلم يمكنه مزامنة حركاته ورقصه على الإيقاعات والصفير، أي أنه يستجيب بشكل متطور للموسيقى التي تحتوى إيقاعات منتظمة؛ أي بعبارة أكثر سهولة الببغاوات راقصة من الطراز الأول! ويمكنها التفاعل مع الموسيقى بشكل يشبه تفاعل البشر معها؛ أي أنهم لا يحاكون أصواتنا فقط، بل رقصنا أيضاً.
موسيقى داب ستيب تقلل لدغات البعوض والهادئة تبطئ تكاثره
ربما تكون هذه الدراسة مصدراً للبهجة لدى الكثيرين من كارهي البعوض ولدغاته المؤلمة، ففي دراسة نشرتها جريدة Journal Acta Tropica العلمية عام 2019، وجد فريق من الباحثين أن الناموس يتأثر بشكل كبير عند تعريضه لموسيقى داب ستيب الإلكترونية الحديثة.
استخدم الباحثون أغنية داب ستيب شهيرة Scary Monsters and Nice Sprites موضوعاً لدراساتهم، فوُجد أن البعوض قلتّ نسبة هجومه على العائل الذي يمتص منه الدم في اللدغة، وجاءت النتائج عكسية عندما توقفت الأغنية، فازدادت نسبة لدغات البعوض على العائل.
كما قلّت رغبة البعوض الذكر في التكاثر الجنسي مع الإناث، ويُرجع الباحثون هذا إلى تقنية وطرق التزاوج بين الناموس، والذي يتم عبر إصدار الذكور اهتزازات عالية التردد بأجنحته بمثابة نداء إلى الإناث، ولكن موسيقى داب ستيب ذات الاهتزازات الموجية العالية أثرت في هذا النشاط، كما يأمل الباحثون أن هذه النتائج قد تسهم في ابتكار تقنيات جديدة تساعد على الحماية من الناموس بشكل نهائي.
كل هذه التأثيرات المختلفة قد تخبرنا أن الموسيقى ليست فقط مصدراً للترفيه والاسترخاء بالنسبة إلى البشر؛ ولكن هناك تأثيرات أعمق وأكثر غرابة مما قد نتخيل، وهو ما يدفع العلماء إلى مزيد من التجارب على الموسيقى وأثرها على فصائل الحيوانات المتنوعة.