في ربيع عام 2002 استيقظت الصحافة الكندية على قصة القاتل المتسلسل روبرت بيكتون، مالك إحدى المزارع الذي ألقي القبض عليه واتهم بقتل 50 امرأة ممن يعملن في الدعارة، ولكن الأكثر بشاعة هو تفاصيل قتلهن وتقطيع أجسادهن وفرمها، وتقديمها طعاماً لحيوانات المزرعة، وتحديداً الخنازير.
القصة المروعة واصلت الانتشار بتفاصيلها القليلة حتى بدأت محاكمة روبرت بيكتون، واقتناص اعتراف منه بقتل 6 على الأقل من ضحاياه، وهو ما زجّ به إلى السجن مدى الحياة، ولكن عام 2016 عاد اسمه للتردد في أروقة الصحافة الأمريكية والكندية مرة أخرى بعد أكثر من 14 عاماً، إليك السبب وراء هذا، وإليك قصة سفاح مزرعة الخنازير.
نشأة القاتل المتسلسل روبرت بيكتون
ولد روبرت بيكتون في 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1946، وكان الابن الأوسط بين ثلاثة أشقاء لأبوين هما ليونارد بيكتون والأم هيلين لويز بيكتون، يملكان مزرعة حيوانات في مقاطعة بريتيش كولومبيا، ووصف بيكتون حياته فيها بالسيئة والقذرة، بينما كانت تصفه أمه دائماً بالغباء والكسل.
ونظراً للظروف الصحية والمعيشية السيئة ترك شقيقاه المزرعة، وابتعدا عن الحياة السيئة بها مبكراً في أعمار 12 و15 عاماً، وتركا روبرت ليتولى المسؤولية في المزرعة مع الأبوين وحده، بعدها تعرض للتنمر والأذى من زملاء دراسته الذين لقبوه بـ(الخنزير) نظراً لرائحته السيئة.
من حياة سيئة إلى حياة دموية
اضطر بيكتون إلى ترك دراسته، وعاش بالمزرعة وسط بيئة مغلقة مليئة بالخنازير، وعمليات ذبحها وسلخها، وانتشرت حول بيكتون آنذاك شائعة تفيد بغرابة أطواره عندما شاهده متعهد توريد اللحوم وهو بقطع جثة أحد الخنازير الضخمة طولياً ويحاول الاختباء داخلها.
ولكن سلوكه المضطرب لم يمنعه من أن يتخذ لنفسه هواية بعيدة عن الحيوانات التي تتصف دائماً بالقذارة، فاشترى روبرت بقرة صغيرة من أموال ادخرها بنفسه، واعتنى بها كحيوان أليف، وكانت هذه البقرة هي الأقرب له وسط كل هذا الجفاء الذي يلاقيه من المجتمع وحيداً بدون أصدقاء.
ولكن كل هذا تحول إلى غضب عارم مكتوم سيظهر لاحقاً، عندما عاد إلى المزرعة ذات يوم بعد رحلة قصيرة، ووجد أن والديه قررا ذبح البقرة وبيعها إلى أحد موردي اللحوم، فحولته هذه الحادثة إلى شخص انتقامي غاضب لا يرى سوى الألم والقهر.
بعدها انتقلت الأسرة إلى مزرعة أكبر في إحدى ضواحي فانكوفر، وأسندت أعمال الذبح وتوريد اللحوم إلى روبرت نفسه، فشعر أن حياته الجديدة قد تحمل له بعض الرحمة.
ولكن في سن السادسة عشرة شهد روبرت بيكتون والديه يتستران على قتل أخيه لأحد الصبية بالخطأ، بعدما قام الأخ بصدمه بسيارته، وتخلصوا من الجثة بإلقائها في أحد المستنقعات، وهو الأمر الذي جعل بيكتون -بحسب روايته- يرى والديه وحشَيْن، وبالتالي لا بد أن ينجبا وحشاً.
وفاة الوالدين والعزلة
بعد وفاة الوالدين عاد شقيقه إلى المزرعة الجديدة، وشارك أخويه العمل على توسيع المزرعة وتنمية عملها في تجارة وتوريد اللحوم، ولكن الأخ اختص نفسه بالابتعاد عن الذبح والتقطيع والأعمال الدموية، وتركها لروبرت، الذي ازدادت عزلته وفشله في إقامة علاقة سوية، ودفعته الحياة المنغلقة إلى ما هو أسوأ: فتيات الليل.
وجد روبرت بيكتون ضالته في التعامل مع العاهرات، فكان الدفع مقابل المتعة المحرمة أمراً ليس صعباً بالنسبة له، ولكن اضطراباته الدفينة عادت للظهور على السطح في ذهنه، خاصة عندما كان يشاهد شقيقه يتمتع بحياة من الرفاهية، امتلأت بالحفلات الصاخبة والفتيات المتحررات.
وفي بداية التسعينيات بلغت اضطراباته العقلية الحد الأخطر، فبدأ في جلب فتيات الليل إلى المزرعة في أوقات متأخرة، وبدأ في قتلهن بعد ممارسة الجنس معهن، ولم يكتفِ روبرت بيكتون بالقتل، بل بدأ في تقطيع جثثهن والاحتفاظ بأجزاء منها، والتخلص من بقاياهن إما بالدفن أو بإلقائها في ماكينات فرم اللحوم الضخمة، والتي كان يطعم منها الخنازير في المزرعة.
الضحية التي أفلتت من قبضة سفاح مزرعة الخنازير
قبل أن يقع روبرت بيكتون في قبضة السلطات ويُتهم رسمياً بقتل 50 فتاة ليل؛ كانت له واقعة غريبة عام 1999 مع ويندي كراوفورد، فتاة الليل التي وافقت على الذهاب مع روبرت إلى منزله.
ولكنه هاجمها بعد أن أقام معها علاقة سريعة، وحاول تكبيلها بأصفاد من الفولاذ وهددها بسكين ضخم، ولكنهما اشتبكا في قتال عنيف استطاع بعده روبرت أن يطعن الفتاة طعنة غير قاتلة، ولاذت بالفرار وتركته بجرح خطير في ذراعه، وتمكنت من الاستغاثة بسيارة عابرة، ساعدها ركابها على الاتصال بسيارة إسعاف نقلتها إلى أحد مستشفيات فانكوفر.
وبمصادفة غريبة، ذهب روبرت بيكتون إلى المستشفى نفسه، ولما شك في أمره أحد رجال الأمن في المستشفى ألقى القبض عليه بعدما عثر بحوزته على مفاتيح الأصفاد التي كانت لا تزال حول معصم ضحيته.
الأكثر غرابة هو أن روبرت بيكتون تمكن ببراعة من قلب الأحداث لصالحه، وادعى أن الفتاة هي التي هاجمته، وأنها مدمنة مخدرات أرادت أن تسرقه بعدما اتفقت معه على الجنس مقابل المال.
وما دعم موقفه أن ويندي كرافورد الضحية لم تظهر في المحاكمة، وفشلت في توجيه أي تهمة رسمية له، خاصة أنها كانت بالفعل مدمنة للمخدرات، وشعرت بالرعب -بحسب ما قالت السلطات- من مواجهة بيكتون في المحكمة، فانتهت القضية لصالحه، وأطلق سراحه.
السقوط.. بأسلحة غير مرخصة!
في يناير/كانون الثاني من عام 2002، بدأت السلطات الكندية في تلقي بلاغات متعددة تفيد باختفاء عاملات جنس في أكثر من منطقة بمقاطعة (فانكوفر)، وبعد فترة قصيرة بدأ بحث وتحقيق مكثف عندما توقعت الشرطة وجود قاتل متسلسل متخصص في قتل فتيات الليل.
وبعد أن تلقت الشرطة بلاغاً يتزامن مع التحقيقات من أحد المزارعين يفيد بغرابة أطوار جاره مُزارع الخنازير روبرت بيكتون، وامتلاكه أسلحة نارية كثيرة، ولما بحثت الشرطة قرب المزرعة عثرت على ممتلكات خاصة لبعض المفقودين بالقرب من مزرعة بيكتون، بدأت الشكوك تجاه مالك المزرعة في التحول إلى يقين بالفعل.
في فبراير/شباط عام 2002 ألقت الشرطة القبض على مالك المزرعة روبرت ويليام بيكتون، وعثرت على أسلحة غير مرخصة، وأثناء احتجازه استغلت الشرطة الأمر واستصدرت إذناً قضائياً بتفتيش موسع وتنقيب في المزرعة، وهنا ظهر رفّات القتلى. وفي مارس/آذار عام 2002 استطاعت الشرطة أن تدس شرطياً متخفياً في زنزانة بيكتون لانتزاع اعتراف منه بقتل ضحاياه.
وبعدما نجحت الشرطة في الحصول على الاعتراف حوكم روبرت بيكتون وأدين بقتل 6 من المُبلّغ بفقدانهن، رغم عثور الشرطة على رفات لعدد أكبر من الفتيات، فإن الاعتراف لم يكن مكتملاً "قانونياً" بما فيه الكفاية، لإدانته بقتل جميع الضحايا، فحكم عليه بالسجن مدى الحياة في منتصف عام 2002.
القاتل ينشر كتاباً يثير غضب المجتمع.. ويتنصل فيه من الجرائم
في عام 2016، فوجئت السلطات الكندية ببلاغات متتالية تفيد بأن في الأسواق الأمريكية كتاباً منشوراً بقلم أحد القتلة المتسلسلين بعنوان (بيكتون: بقلمه شخصياً) ويباع بشكل كبير.
ولما فتحت السلطات تحقيقاً حول الواقعة اكتشفت أن بيكتون قد تمكن من تهريب مذكراته الشخصية خارج السجن، عن طريق زميل زنزانته السابق أمريكي الجنسية -رفض بيكتون ذكر اسمه- والذي قضى مدة عقوبة برفقة بيكتون بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل كندي.
الكتاب الذي وصفته قناة CTV الكندية بـ(الضعيف والمليء بالأخطاء اللغوية) يتناول قصة بيكتون من وجهة نظره، وكيف أنه يرى نفسه (كبش فداء) للسلطات الكندية، التي حاولت إثبات تهم قتل كثيرة عليه بدافع الانتقام، وكيف أنه تعامل مع فتيات الليل على أنهن (فاعلات للخطيئة).
وبينما أثار الكتاب غضب المجتمع الكندي؛ طالب الكثير من الساسة والحقوقيين السلطات قانونياً ألا يتربح القاتل بيكتون من وراء جرائمه، ولكن كون الكتاب منشور في أمريكا رسمياً فقد لا تملك السلطات حق منعه أو مصادرته رسمياً، ولكن بحسب شهادة الزميل الذي ساعد بيكتون في نشر الكتاب فإن بيكتون أهداه الكتاب ليربح هو منه بمثابة (هدية)، ولم يبعه له في الأساس.
بعد انتشار الخبر عن الكتاب مرة أخرى قامت جميع المنصات الإلكترونية بوقف بيعه مباشرة، تعاطفاً مع الضحايا، ولضمان ألا يتربح بيكتون من وراء جرائمه البشعة.