جاءت حرب أسعار النفط المشتعلة بين السعودية من جهة وروسيا من جهة أخرى في أسوأ توقيت ممكن مع تفشي وباء كورونا وانهيار الطلب على النفط، كما أن الضحية الأولى لتلك الحرب هي الشركات الأمريكية، فكيف يمكن أن ينعكس التحالف النفطي بين الرياض وواشنطن على مسار تلك الحرب؟ وكيف سيؤثر على مستقبل منظمة أوبك؟
ماذا حدث؟
أمس الإثنين 23 مارس/آذار، أكد وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت أن واشنطن تنظر إلى إقامة تحالف نفطي مع السعودية كأحد الخيارات المطروحة، لكنها لم تتخذ أي قرار بهذا الصدد بعد، وأضاف في تصريح لتليفزيون بلومبيرغ: "لا أعلم ما إذا سيطرح ذلك بأي شكل رسمي"، مؤكداً أنه لم تتخذ أي قرارات بشأن "أي شيء من هذا القبيل".
تصريحات برويليت جاءت رداً على تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الجمعة 20 مارس/آذار أفاد بأن مسؤولين في وزارة الطاقة الأمريكية يحاولون إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب، بأن تدفع بالسعودية إلى الانسحاب من منظمة أوبك والعمل مع الولايات المتحدة من أجل إحلال الاستقرار في السوق النفطية.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها سترسل مبعوثاً خاصاً إلى السعودية لتفعيل المباحثات بين البلدين بشأن أسواق النفط، وذلك على خلفية هبوط الأسعار إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ سنوات.
كيف اندلعت الحرب؟
حرب أسعار النفط أشعلتها السعودية بعد انهيار محادثات تخفيض الإنتاج لمواجهة تباطؤ الطلب بفعل جائحة كورونا بين منظمة أوبك من جهة وبين روسيا من جهة أخرى، وذلك في إطار الاتفاق المعروف باسم أوبك+روسيا الذي حافظ على أسعار النفط عالمياً في متوسط 60 دولاراً للبرميل على مدى السنوات الثلاث الماضية.
السعودية أرادت تخفيضاً جديداً للإنتاج بنسبة 20 إلى 30% بنهاية مارس/آذار الجاري، لكن روسيا أصرت على الانتظار حتى تتضح الصورة أكثر بشأن تأثير فيروس كورونا، وهو ما أدى لانهيار المفاوضات الجمعة 6 مارس/آذار في جنيف، لتتخذ السعودية قراراً صادماً بتخفيض أسعار نفطها حوالي 20% والإعلان عن زيادة إنتاجها بداية من أبريل/نيسان المقبل.
أدت تلك القرارات إلى انهيار في أسعار النفط إلى حاجز 30 دولاراً للبرميل ومن المتوقع أن تنخفض أكثر، مما تسبب في ذعر في الأسواق المالية العالمية التي كانت تعاني أصلاً بفعل تأثير وباء كورونا، وكانت شركات الزيت الصخري الأمريكية أول ضحايا تلك الحرب، مما وضع ترامب الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في ورطة جديدة.
هزيمة السعودية ليست في صالح ترامب
الآن وقد أصبح واضحاً أن حرب أسعار النفط في بدايتها وعلى الأرجح ستمتد فترة طويلة -ربما لم يحسب لها ولي عهد السعودية حساباً- يرى المحللون أن روسيا في وضع أفضل من حيث ميزانية العام الجاري 2020، كما أن وضعها المالي أفضل، إضافة لوضعها السياسي مقارنة بالسعودية، وبالتالي هي الأقرب للانتصار في حرب الأسعار في النهاية.
وعلى الرغم من أن الآثار السلبية قد طالت روسيا والسعودية بالفعل، إلا أن الخاسر الأكبر هو الشركات الأمريكية وصناعة الطاقة في كندا والمملكة المتحدة، وفي انتظار من يستسلم أولاً بين موسكو والرياض، ليس بوسع ترامب أن ينتظر النتيجة التي يبدو أنها محسومة لصالح روسيا، بعد أن أصبح واضحاً أن حليفه ولي عهد السعودية قد بالغ في تقدير قوته وأساء تقدير انهيار الطلب على النفط بفعل وباء كورونا.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو مقترح تأسيس تحالف نفطي بين السعودية والولايات المتحدة مثالياً بالنسبة للطرفين؛ فالولايات المتحدة يمكنها أن تستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي لتقوية السعودية في مواجهة روسيا حتى تتمكن الرياض من حسم الحرب لصالحها وإخراج موسكو من معادلة النفط -وهذا في حد ذاته سيمثل نتيجة مثالية- لكن احتمالات النجاح يشوبها كثير من الشكوك في ظل وضع اقتصادي عالمي في حالة شلل تقريباً.
أوبك الضحية المحتملة
لكن منظمة أوبك قد تكون الضحية الأبرز للتحالف الأمريكي-السعودي حال الاتفاق عليه رسمياً؛ فالمنظمة التي يفترض أن تحتفل بالعيد الستين لتأسيسها لاحقاً هذا العام لا تحظى بأي شعبية في الأوساط الأمريكية بالأساس، كما أن ولي عهد السعودية لا يبدو أنه يقيم لها وزناً كبيراً، في ظل قرار الدخول في حرب أسعار النفط الحالية التي تضرر منها أعضاء المنظمة أكثر من غيرهم.
وقد نشرت مجلة فورتشن الأمريكية تقريراً بعنوان: "لماذا قد تكتب حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية شهادة وفاة منظمة أوبك؟"، ألقت فيه الضوء بالتفصيل على تداعيات الخطوة السعودية "غير المحسوبة" على باقي أعضاء المنظمة.
التقرير وصف الخطوة السعودية بأنها "عكست تفكيراً أنانياً قاصراً" لولي العهد، حيث يُنذِر قرار المملكة التخلي عن ضوابط ترشيد الإنتاج وإغراق السوق بالنفط الخام الرخيص بنهاية المجموعة التي كانت توصف بأنها أنجح اتحادٍ تجاري في العالم.
الخطوة السعودية لم تكن حتمية، بحسب التقرير، إذ كان بإمكانها أن تتخذ خياراتٍ محسوبة أخرى قبل اتباع هذا النهج الأناني وإطلاق حرب أسعار نفط شاملة، فرغم كل شيء، عرضت روسيا تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية إلى ما بعد نهاية مارس/آذار الجاري، ولم يكن هناك ما يمنع أعضاء أوبك الـ13 من الموافقة على إجراء مزيدٍ من التخفيضات فيما بينهم فقط.