تفاصيل 8 أيام صادمة للاقتصاد العالمي.. كيف قادت المفاوضات الروسية – السعودية أسواق النفط نحو الانهيار؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/14 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/14 الساعة 10:34 بتوقيت غرينتش
السعودية أمام ضغط دولي بين روسيا وأمريكا - مواقع التواصل

استدعى وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نظراءه في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) من أجل إجراء مباحثات أزمة مساء الخميس، 5 مارس/آذار، في فندق Park Hyatt في فيينا. وفي وقت سابق من ذلك اليوم أعلنت المنظمة خططاً لخفض إضافي للإنتاج بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، رداً على انهيار الطلب العالمي بسبب تفشي فيروس كورونا، لكن بعد عدة ساعات أصبح المقترح إشكالية. لم يقتنع سوق النفط بالمقترح، ولا روسيا، شريكة أوبك في تحالف قائم منذ ثلاث سنوات.

قال أحد الأشخاص المطلعين على المفاوضات الممتدة منذ أسابيع لصحيفة Financial Times البريطانية: "من البداية لم يكن الروس متعاونين". بعد محاولات الضغط على روسيا بقوة من أجل تخفيضات جديدة في الإنتاج، حان وقت اتخاذ القرار، لكن الأمير عبدالعزيز، بدعم من أخيه غير الشقيق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأقرانه في منظمة أوبك غيروا الخطة في تلك الليلة، ووعدوا بالمزيد من التخفيضات في الإنتاج على المدى الطويل، ولكن لتفعيل القرار يجب أن توافق روسيا، وكان ذلك بمثابة الإنذار الأخير.

السقوط الحر

تقول الصحيفة البريطانية، تمكن قليلون، حتى في الرياض أو موسكو، من توقع ما قد يحدث في الأيام التالية لذلك، فقد كان سوق النفط المتعثر بالفعل في طريقه للانهيار.

وبعد مقابلة عشرات المسؤولين، والمستشارين الحكوميين، والمتداولين والمسؤولين التنفيذيين في مجال الطاقة، توصلنا إلى صورة قطاع كان سابقاً محفوفاً بالمخاطر، والآن أصبح في حالة من السقوط الحر.

منذ اجتماع فيينا انخفض سعر خام برنت 34%، وتراجعت أسهم أكبر شركات النفط والغاز في العالم بخسائر بلغت مليارات الدولارات، وهو ما يجعل الاقتصادات المُنتجة تخشى من التداعيات والانهيار.

وأصبحت السعودية وروسيا، بعدما كانتا حليفتين، في معركة من أجل حصتهما في السوق. قال روجر ديوان، من شركة IHS Markit الاستشارية ومراقب مخضرم لدى أوبك: "هذه هي النسخة النووية من حرب الأسعار، عندما يتجاوز انهيار الطلب ما يمكن استيعابه أو فهمه".

شركة ExxonMobil لم تتوقع ذلك

كان الهدوء الذي يسبق انفجار أسواق النفط مدهشاً. أثناء اجتماع أوبك في فيينا يوم الخميس، كان دارين وودز، الرئيس التنفيذي لشركة ExxonMobil يصعد إلى المنصة داخل مبنى بورصة نيويورك، لبدء يوم المستثمر السنوي لشركته. وفي الممرات كان طاقم العمل يمسح مقابض الأبواب بالمواد المطهرة.

قال وودز: "صباح الخير جميعاً". وعندما لم يتلق رداً سوى الصمت كرر قائلاً: "صباح الخير على الجميع". ثم أضاف: "هيا، أريد القليل من التفاعل هنا".

لم يكن الحضور في مزاج ملائم لذلك؛ إذ بلغت القيمة السوقية لرأس مال شركة Exxon قبل افتتاح البورصة بعد ذلك بساعة إلى حوالي 222 مليار دولار، أي أقل من نصف قيمتها قبل أيام عندما كانت الشركة العامة الأعلى قيمة في العالم.

ومع ذلك، كان وودز متفائلاً مع كل تلك التهديدات التي تلوح في الأفق. وقال إن السوق يمر بـ"دورة أسعار سلع كلاسيكية للغاية"، وكان نفط برنت وصل وقتها إلى 50 دولاراً للبرميل.

وبالرغم من ذلك، سوف تخفف شركة Exxon من توسعها السريع للغاية في النفط الصخري، وهي حركة سترضي المستثمرين. حتى خبراء النفط الصخري، مثل شركات Concho Resources وEOG وDiamondback Energy، تعهدوا بنمو أكثر اعتدالاً، ومبالغ كبيرة من التدفقات النقدية الحرة وتوزيع الأرباح.

كانت شركات إنتاج النفط الأمريكية واثقة من أن التحالف النفطي السعودي-الروسي، القائم منذ 2016، سوف يحافظ على دعم أسعار النفط، ويسمح لقطاعهم بالازدهار مع ظهور تأثير اقتصاديات الحجم، وعمليات الدمج وعمليات الحفر على غرار الصناعات التحويلية.

إلا أن بعضاً من مستثمريهم كانوا لا يزالون قلقين. ومع اقتراب اجتماع فيينا بدأ مديرو الصناديق المالية في رسم سيناريوهات محتملة للطريقة التي سيعاني بها القطاع من أجل سداد أموال المستثمرين التي دفعوها حين كان سعر البرميل يبلغ 55 دولاراً في حال توقفت السعودية عن خفض الإنتاج. حتى إن البعض قد اتخذوا خطواتهم بعد استشعار الخطر، وبدأوا عمليات بيع على المكشوف في شركات النفط الأمريكية التي قد تتضرر بشكل خاص في حال انخفاض أسعار النفط بشكل أكبر.

وعند سؤال أحد مستشاري صندوق التحوط عمّا قد يحدث إذا توقفت منظمة أوبك عن خفض الإنتاج، أجاب: "سوف تنهار صناعة النفط الصخري".

الروس فقدوا أعصابهم

يبدو أن روسيا الآن موافقة. لقد اتخذت روسيا موقفاً معادياً بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري بفضل تخفيضات الإنتاج الداعمة للأسعار من أوبك. وأدى قرار واشنطن الشهر الماضي بفرض عقوبات على الذراع التجارية لشركة Rosneft، شركة النفط الروسية العملاقة المملوكة للدولة، إلى تعميق عداء موسكو لصناعة النفط الأمريكية.

وفي الخلفية كان إيغور سيشين، رئيس Rosneft والمقرّب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يشعر بالإهانة الشخصية من العقوبات الأمريكية الجديدة، بالإضافة إلى أنه كان معارضاً لسياسة خفض الإنتاج التي تتبعها أوبك منذ فترة طويلة. وأخيراً أتاحت أزمة فيروس كورونا له الفرصة من أجل توجيه الضربة المنتظرة. قال أحد مندوبي منظمة أوبك: "الأمر لم يكن له علاقة بسوق النفط، بل كان يتعلق بالغرور والتكافؤ".

غادر ألكساندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، إلى فيينا صباح يوم الجمعة 6 مارس/آذار. وقال أحد الأشخاص الحاضرين عند وصوله للمفاوضات مع أوبك: "كان يمكنك أن تعرف من مظهره أن الأمور ليست على ما يرام". وفشلت جهود الوساطة بين روسيا والسعودية. لم يستمر الاجتماع سوى 30 دقيقة، ورفضت روسيا خفض إنتاجها. ووفقاً لشخص مطلع على الأمر فإن وزير الطاقة الروسي قال من قبل لحلفائه من خارج منظمة أوبك: "لم يعد لدينا المزيد لنقدمه".

وأثناء مغادرته المقر الرئيسي لمنظمة أوبك عائداً إلى موسكو، أخبر المراسلين والصحفيين الذين كانوا في انتظاره بأن المنتجين سيكونون أحراراً لضخ الإنتاج حسب إرادتهم من يوم 1 أبريل/نيسان المقبل.

اعتبرت القيادة السعودية هذا التصريح استفزازاً، وأطلقت على الفور تقريباً خطة لزيادة إنتاجها. وقال مندوب من منظمة أوبك متحدثاً عن ضرورة خفض الإنتاج لدعم السوق: "هذه فترة استثنائية، تتطلب تدابير غير عادية، ولكن إذا استمرت أسعار النفط في الهبوط فسوف تكون هناك حاجة إلى تعويض بعض الخسائر".. لقد بدأت حرب الأسعار.

"السعوديون جن جنونهم"

يوم السبت، 7 مارس/آذار، أطلقت المملكة طلقتها الافتتاحية، وخفضت شركة أرامكو السعودية، شركة النفط المملوكة للدولة، أسعار نفطها الخام لأكثر من 8 دولارات للبرميل. وكانت أكبر الخصومات لصالح المشترين في شمال شرق أوروبا، وهي سوق مهمة للمصدرين الروس.

وقال شخص مطلع على المفاوضات السعودية-الروسية: "بمجرد أن تتخذ القرار سيكون عليك المضي قدماً فيه والسعي إلى تنفيذه جيداً".

وبدأ المتداولون في الاستعداد. قال دوغ كينغ، مدير صندوق التحوط، عندما رأى التخفيض الكبير في أسعار النفط من السعودية أدرك على الفور أنها ستكون "مذبحة هائلة" في سوق النفط.

وقال كينغ، الذي يدير صندوق السلع التجارية لشركة RCMA: "اعتقدت أن السعوديين جن جنونهم، إنها محاولة واضحة لإغراق السوق".

ومن سنغافورة إلى لندن، كانت شركات التداول، مثل شركة Vitol وهي أكبر شركة تداول مستقلة لأسهم النفط في العالم، تعمل بكامل طاقمها على مكاتبهم استعداداً لفتح بورصة لندن ليلة الأحد، 8 مارس/آذار، من أجل بدء تداول العقود الآجلة للنفط بمجرد إضاءة اللوحة الإلكترونية.

وأدى هذا الطوفان من أوامر البيع إلى انخفاض خام برنت بأكثر من 30%، ليصل سعر البرميل إلى 35 دولاراً.

وقال بول هورسنيل، رئيس قسم أبحاث السلع في شركة Standard Chartered، إن استراتيجية السعودية كانت تهدف إلى "أكبر وأسرع انخفاض ممكن لأسعار النفط"، وبدا أن الخطة تنجح.

وفي صباح يوم الإثنين، 9 مارس/آذار، توقعت الوكالة الدولية للطاقة، أكبر هيئة توقعات في قطاع الطاقة في العام، انكماش الطلب على النفط لأول مرة منذ 2009، وهذا تذكير آخر بأن السوق لا يواجه فقط أزمة في ارتفاع الكم المعروض، بل أزمة أكبر في انخفاض حجم الطلب أيضاً.

تراجعت أسواق الأسهم بمجرد افتتاحها، وانخفضت أسهم شركات الطاقة الأوروبية الكبرى، بينما وصلت أسهم شركة أرامكو السعودية إلى أدنى مستوى لها منذ الطرح العام الأولي لأسهمها في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وعبر المحيط الأطلسي اندفع مديرو الصناديق المالية من أجل التعويض. أمر أحد مؤسسي صناديق التحوط الكبيرة في منهاتن أن يحضر موظفوه إلى مكاتبهم في السادسة صباحاً، قبل بدء عمليات البيع الوشيك في بورصة نيويورك (ولم يحضر بنفسه خوفاً من انتشار فيروس كورونا).

مذبحة أسعار النفط

وبالعودة إلى موسكو، بدا الوضع هناك أقل ذعراً. قال وزير المالية إن روسيا يمكنها تحمل وصول سعر النفط ما بين 25-30 دولاراً للبرميل خلال السنوات الست إلى العشر المقبلة. ولكن السعودية ردّت بضربة مزدوجة؛ إذ أمرت شركة أرامكو السعودية يوم الثلاثاء، 10 مارس/آذار، برفع إنتاجها بمقدار الربع، إلى 12.3 مليون برميل يومياً، بأكثر من 2.6 مليون برميل عن إنتاجها السابق. وبعد يوم واحد أصدرت توجيهاتها بزيادة طاقتها الإنتاجية إلى مستوى قياسي يبلغ 13 مليون برميل يومياً. وفي المقابل قالت روسيا إنها سوف ترفع مستويات إنتاجها أيضاً.

وفي الوقت نفسه، بدأت تداعيات انتشار فيروس كورونا في الظهور. توقفت كل الأعمال في إيطاليا، واتخذت الحكومات الأوروبية تدابير طارئة لمواجهة الفيروس، ومنع الرئيس دونالد ترامب دخول الأجانب إلى الولايات المتحدة من معظم الدول الأوروبية. وبدأت تتحقق بالفعل توقعات الوكالة الدولية للطاقة.

وبدأت تظهر مشكلات تقلص الطلب مع تصاعد الحرب الخاصة بزيادة المعروض. وهذه إجابة عن التساؤلات حول مدى جدية السعودية وروسيا في حرب الأسعار الحالية.

إفلاس الشركات سيكون محتوماً ولا مفر منه

نجت الشركات الأمريكية خلال حرب الأسعار 2015-2016 عن طريق تحسين كفاءتها، وخفض التكاليف والتركيز على المناطق الأكثر إنتاجية. وكانت أيضاً تحظى بدعم الأسواق المالية التي تمدها بالحد الائتماني وتشتري سندات المنتجين وحصص المساهمين.. اختفت تلك الدعائم.

بينما كانت السعودية وروسيا تستعرضان قدراتهما الإنتاجية، بدأ قطاع النفط الصخري في التراجع، إذ أعلنت الشركات خططاً لتعليق عمل الحفارات وخفض الميزانيات. ووفقاً للأسعار الحالية، تتوقع شركة Rystad Energy الاستشارية انخفاض النفقات الرأسمالية بمقدار 70% العام المقبل، وتراجع الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً. ويقول محللون إن إفلاس الشركات سيكون محتوماً ولا مفر منه.

وفي يوم الثلاثاء خفضت فيكي هولوب، الرئيسة التنفيذية لشركة Occidental Petroleum، أرباح الشركة بحوالي 90%، بعد أسابيع فقط من قولها إن العائد السخي هو جوهر فلسفة شركتها. ويوم الخميس، 12 مارس/آذار، دعا المستثمر النشط كارل إيكان، الذي ضاعف حصته في شركة Occidental أربع مرات تقريباً، إلى إقالة هولوب.

كانت هناك خسائر بين الأسماء الكبيرة الأخرى. بحلول يوم الخميس، وصلت أسهم BP إلى أدنى مستوى لها منذ 24 عاماً. وتقلصت القيمة السوقية لشركة Exxon أكثر لتصل إلى 178 مليار دولار فقط، وبدأ المحللون يتساءلون عمّا سيبقى، حصتها السوقية أم مخططات الإنفاق. وبدأ المسؤولون التنفيذيون في قطاع الطاقة بالولايات المتحدة، الذين كانوا متفائلين حتى الأسبوع الماضي، يضغطون على البيت الأبيض من أجل التدخل والمساعدة. لكن يبدو أن ترامب سعيد بشأن انخفاض أسعار الوقود قبل الانتخابات الرئاسية.

لا يزال هناك صدمات حتمية إضافية

قالت إيكاترينا جروشيفينكو، كبيرة محللي قطاع الطاقة في كلية سكولكوفو لإدارة الأعمال في موسكو: "حرب الأسعار هذه المرة أخطر من الحرب السابقة. هذه المرة نشهد تضافر مجموعة غير معتادة من العوامل؛ وفرة هائلة في المعروض في سوق النفط مع تراجع غير مسبوق في الطلب".

وقال مطلعون على الشأن السعودي إن استمرار ظروف السوق الحالية بدون تراجع واضح في الموقف الروسي سوف يُبقي الحال كما هو عليه، وهو ما يبدو هدف الاستراتيجية السعودية حتى الآن. وقال مندوب منظمة أوبك: "سيستمر الوضع على ما هو عليه".

تحميل المزيد