انتهت مباراة فالنسيا الإسباني وأتلانتا الإيطالي في إياب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا، بفوز أتلانتا 4-3. لعب أتلانتا بنسخة مختلفة عن لقاء الذهاب في السان سيرو (فاز أتلانتا ذهاباً 4-1)، والعامل الأساسي لهذه التغييرات البسيطة التي أجراها المخضرم الإيطالي غاسبيريني هي نتيجة لقاء الذهاب. هذه الأخيرة التي تمنح المدرب خيارات متعددة، كاللعب بتحفُّظ أكبر، أو اللعب بنسق أقل، لكن السؤال هنا سيكون عن كيفية إدارة غاسبيريني للقاء الإياب؟
علماً أن فالنسيا تفوَّق نوعاً وكمّاً؛ بل تفوق إحصائياً أيضاً.
لا تغيير في البديهيات
لعب غاسبيريني بالخطة المعتادة، بثلاثي خلفي ثابت، وبرباعي خط وسط متغير المهام، بينهم صانع لعب حر، ثم بمهاجمين أماميين يلعبان على الاستراتيجيات المختلفة المتعارف عليها في تكتيك المهاجمين الوهميين، ومنها ما طُبِّق بالأمس، وهو اللعب على الأطراف لتوسيع الملعب عرضياً، أي متباعدين تماماً بعضهما عن بعض.
بينما غيَّر مدرب فالنسيا، سيلاديس، من فكرة خطة الذهاب، الإسباني لعب برباعي خلفي، ورباعي بخط الوسط، في حين اعتمد في الخط الأمامي على مهاجمين مُجيدين لأدوار الــTargetMen أي مهاجم الصندوق، مع مرور الكرة نحو رودريغو كمهاجم محطة، وذلك ما تُظهره إحصائيات اللمسات التي تميل كفّتها إلى رودريغو، وإحصائيات التسديدات التي تميل كفتها إلى كيفن غامييرو.
الرسالة الأولى: من غاسبيريني إلى سيلاديس
غاسبيريني مدرب تكتيكي محض، في الرسالة الأولى إلى سيلاديس خلال الدقائق الـ90 في لقاء الميستايا، لعب غاسبيريني بنسق أبطأ من المعتاد، سواء في الرقابة رجلاً لرجل، أو في سرعة تناقل الكرة.
هذه الأخيرة التي تناقلت على عرض الملعب بطريقة أقل وأبطأ، لأن سرعة افتكاك فالنسيا للكرة شكَّلت خطورة كبيرة في الذهاب، وهذه الطريقة البطيئة في تدوير الكرة تكون أقل ضرراً وأكثر أمناً، في حال قطعت الكرة من الفريق الخصم، خاصةً أنَّ تحوُّل فالنسيا الهجومي قاتل.
غاسبيريني اعتمد هذه الطريقة أيضاً؛ لإجادة لاعبي فالنسيا التحرك المزدوج على الخط نفسه، وللتصدي لهذه الخدعة التي تقتل دفاع الـManToMan كثف غاسبيريني الرقابة الفردية بالزيادة العددية في عدة مراكز.
الملاحظة الأخيرة في التصدي الدفاعي لأتلانتا، هي اتباع الـMidBlock في التمركز، حيث خط الوسط أكثر حيطةً وحذراً، وهذه الطريقة غير معهودة من الفريق في الدوري الإيطالي.
بهذه التغييرات البسيطة انتصر غاسبيريني في الصراعات الثنائية 48 مقابل 42 بلقاء الذهاب، كما نجح في المواجهات الهوائية بـ15 مقابل 8، نهايةً بالانتصار في عدد المراوغات أمام الفريق الإسباني عكس لقاء الذهاب.
الرسالة الثانية: من سيلاديس إلى غاسبيريني
أجرى سيلاديس تغييرين عن لقاء الذهاب، فبدأ بالمهاجم رودريغو مكان الجناح غيديش، وبغامييرو مكان ماكسيميليانو غوميز، ليكون هذان التغييران مبنيَّين على نتيجة الذهاب، سواء تكتيكياً أو رقمياً. بالعودة إلى لقاء سان سيرو، كان غيديش يلعب كجناح يتمركز في الداخل، وماكسيمليانو غوميز أشبه بصانع الألعاب.
هذه الخطة قتلت فالنسيا هجومياً، وهو ما أثر على فالنسيا في عملية خلق فرص أولاً، وعلى المواجهات الجماعية أمام دفاع الـMan-To-Man من أتلانتا، لتكون الوضعية "3ضد2" لصالح أتلانتا حاضرة دائماً.
أما في لقاء الإياب، ومن خلال إقحام رودريغو وغامييرو، وصل فالنسيا أكثر إلى المرمى الإيطالي، من خلال التعاون القائم بين المهاجمين في الثلث الهجومي، وهو ما منح فالنسيا ثقلاً هجومياً، سواء في التمرير بين الاثنين، أو في العرضيات المقدمة من خلال القادمين من الخلف.
كل ذلك أسهم في تغيير شكل فالنسيا عن الذهاب نسبياً، فسجَّل فالنسيا أهدافاً أكثر، وخلق فرصاً أكثر، وإن كان أغلبها من أخطاء فردية من لاعبي أتلانتا، فإن الثنائي الأمامي لفالنسيا كان له دور في توليد هذه الأخطاء، لكونه لعب على العمق أكثر من الأطراف.
أشياء فوق التكتيك
تُحسم كثير من المباريات بفضل المجهود الفردي، واستغلال الأخطاء، وذكاء المدرب، وذهنية الفريق، ولعل إقحام دوفان زاباتا، مطلع الشوط الثاني، أسهم في تثبيت الفكر الهجومي لغاسبيريني، والرسالة الواضحة بأن الفريق لن يتراجع.
طبعاً لا يوجد شيء يثبت كيفية الدفاع، هناك من يدافع من الخلف، وهناك من يدافع من الأمام، غاسبيريني يميل إلى المذهب الأخير، وإن كان سيلاديس قد اجتهد فنياً، فإن الإعداد الذهني للمباراة من طرفه كان سيئاً للغاية، قد لا يتحمل المدرب خطأً فردياً، لكنه يتحمل الدخول البطيء والمتعثر لفريقه إلى أجواء ونسق اللقاء.
انتصر غاسبيريني، لأن الفريق يملك قوةً هجومية ضاربة، تغطي على عيوب المنظومة الخلفية، فريق وإن تأخَّر في النتيجة بالأمس، فقد أبان عن برودة أعصاب حتى تسجيل إيليسيتش هدفين قاتلين، استحق عليهما لقب القاتل المأجور، وجائزة رجل اللقاء باستحقاق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.